ملتقى «شوف» يناقش مستقبل «الإعلام الجديد» وأخلاقياته في السعودية

بمبادرة من مؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية

ملتقى «شوف» يناقش مستقبل «الإعلام الجديد» وأخلاقياته في السعودية
TT

ملتقى «شوف» يناقش مستقبل «الإعلام الجديد» وأخلاقياته في السعودية

ملتقى «شوف» يناقش مستقبل «الإعلام الجديد» وأخلاقياته في السعودية

ناقش شباب سعوديون يوم أمس رؤيتهم لمستقبل الإعلام الجديد كأحد أكثر الموضوعات جدلا في هذا المجال، وذلك خلال ملتقى الإعلام المرئي الجديد «شوف»، كمبادرة من مؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية «مسك»، بمشاركة 20 متحدثا يعملون في المجال ذاته، طارحين تساؤلا مفاده: «وماذا بعد طفرة التواصل عبر الشبكات الاجتماعية؟».
شمل الملتقى ورش عمل تدريبية في التسويق الإلكتروني والفن والرؤية والتصوير الفوتوغرافي والسينمائي، وتناول خلاصة خبرات الشباب وتجاربهم، التي تعد نقلة نوعية ساعدت على توطين المعرفة والخبرات محليا.
وتركزت الجلسات المسائية حول الحديث عن مستقبل الإعلام المرئي الجديد وأخلاقياته، وفرص التسويق والتجارة الإلكترونية، التي عاصرت ثورة التواصل الرقمي عبر الإعلام الجديد، وقصص النجاح التي صنعها الشباب خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
يقول فراس بقنة، أحد المشاركين: «هدفت إلى إيجاد تغيير في المجتمع عبر الإعلام الجديد، من خلال برنامج يبث من شبكة (يوتيوب)، وقبلها كان لدي منتدى حاولت إيصال بعض الرسائل الإيجابية من خلاله، وبلغ عدد أعضائه نحو ألفي مسجل، ثم تحولنا إلى (فيس بوك) بتأسيس مجموعة تطوعية اسمها (غيرني)، تهدف إلى تحويل السلوكيات السلبية إلى إيجابية، إلا أن تأثير حلقات برنامجي في (يوتيوب) فاقها بكثير وبشكل فعال، خصوصا أن المتابعين ألفوا فكرة الظهور بشكل أكثر بساطة ودون تكلف».
ويعد الابتكار والإبداع والمهارات الشخصية محركا رئيسا لشباب الإعلام الجديد البارزين، فيرى عبد الله جابر (رسام كاريكاتير) أن فكرته تغيرت عن الإبداع، بعد رفضه العمل اليومي في الرسم بإحدى الصحف المحلية إبان دراسته الجامعية قبل أكثر من عشر سنوات؛ كونه كان يرى أنه لا يستطيع توفير فكرة يومية للرسم، ويعقب عبد الله: «اليوم أرسم ما بين رسمين وثلاثة رسومات يوميا، فالمهارات تتطور بتدريبها، كالرياضة. وهذا يدل على أن قدرات الإنسان لا حدود لها».
ولا يعترف عبد الله جابر باسم «الإعلام الجديد» أو «التقليدي»، فالإعلام رسالة واحدة، وإن اختلفت أدواته أو تطورت. ويضيف: «اليوم اتجهت لتحويل الرسم الكاريكاتيري إلى رسوم متحركة، في ظل وجود نقص كبير في الإنتاج السعودي في هذا المجال».
ومن الناحية القانونية، أثارت جلسة «أخلاقيات الإعلام المرئي الجديد» جدلا واسعا حول القوانين المنظمة لحقوق حفظ الملكية الفكرية والمصنفات الفنية، فضلا عن التجاوزات الأخلاقية وارتكاب جرائم السب وتوجيه الألفاظ النابية بشكل مباشر وصريح من شخص إلى آخر، عبر شبكات التواصل الاجتماعية، كجزء من منظومة الإعلام الجديد.
بندر حلواني، مدير برامج بقناة «صاحي» على شبكة «يوتيوب»، يرى أن التفاعل عبر التعليقات يصل أثره بشكل مباشر إلى المنتج أو مقدم البرنامج، سواء كان بنقد إيجابي أو سلبي، فهي معلومة مهمة، إلا أن غالبية الإساءات والتجاوزات الأخلاقية تصل بتعليقات من أسماء مستعارة.
ومن جانبه، أشار عبد الله صايل، رسام كاريكاتير وكاتب صحافي، إلى أن هناك سرقات فكرية وتجاوزات جمة في الإعلام الجديد، كسرقة الرسوم الكاريكاتيرية، وإزالة التواقيع الفنية من عليها وإعادة نشرها، بالإضافة إلى حقوق الملكية الفكرية، التي تفرط في صناعة رسم الكاريكاتير والمحافظة عليها.
وذكر محمد الضبعان، محام ومستشار قانوني، أن جرائم القذف تختص بها المحاكم الجزئية حاليا شريطة إحضار إثبات حدوثه واسم الجاني، إلا أن ذلك يكاد يكون مستحيلا بوجود أسماء مستعارة ضمن مستخدمي الشبكات الاجتماعية.
ويضيف: «لدينا نظام الجرائم المعلوماتية، وهو صارم بتحديد عقوباته التي تصل إلى السجن من سنة إلى عشر سنوات، وتجري الإجراءات عبر اللجوء إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، إلا أنه يجب تحديد صفة الشخص واسمه، وهنا نقع في إشكالية الوصول إلى الشخص إن كان متخفيا تحت اسم مستعار».
ويستطرد: «نحتاج الوعي القضائي والجهات التنفيذية لمواكبة تطورات الإعلام الجديد، بصياغة الأدلة وتنظيم الدورات التأهيلية، نظرا لجهل بعض العاملين في الجهات التنفيذية بوجود برامج شبكات اجتماعية أساسا».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)