سوق الأضاحي في تركيا.. موسم الغرائب والابتكارات

موسيقى لتهدئة الحيوانات.. وعروض مجانية وكوافير للخراف

تزيين الأضاحي لتشجيع بيعها ({الشرق الأوسط}) - أضحية تتزين بعلم تركيا ({الشرق الأوسط})
تزيين الأضاحي لتشجيع بيعها ({الشرق الأوسط}) - أضحية تتزين بعلم تركيا ({الشرق الأوسط})
TT

سوق الأضاحي في تركيا.. موسم الغرائب والابتكارات

تزيين الأضاحي لتشجيع بيعها ({الشرق الأوسط}) - أضحية تتزين بعلم تركيا ({الشرق الأوسط})
تزيين الأضاحي لتشجيع بيعها ({الشرق الأوسط}) - أضحية تتزين بعلم تركيا ({الشرق الأوسط})

في كل عام، وقبل عيد الأضحى المبارك لا تخلو الصحف ونشرات الأخبار بالقنوات التلفزيونية من أخبار عن الأضحية أو «القربان» كما تسمى في تركيا، ويجري رصد كل شيء عنها من الأسعار ومناطق شوادر البيع إلى القرارات التي تصدرها الحكومة فيما يتعلق بتنظيم عملية الذبح والجولات التي يقوم بها رؤساء البلديات والأحياء لتفقد الظروف والاشتراطات في مناطق إيواء الأضاحي التي يتم تجهيزها قبل العيد بثلاثة أسابيع على الأقل.
وإلى جانب كل هذه الاستعدادات تظهر الإعلانات في التلفزيون والصحف عن سلاسل السوبر ماركت الكبيرة التي تقدم خدمة الذبح سواء الفردية للخراف والماعز أو المشتركة، حيث يذبح البقر والجاموس مشاركة بين 7 أفراد لكل أضحية، ويمكن دفعها بالتقسيط على 9 أشهر، وتتراوح الأسعار ما بين 900 و1000 ليرة للأضحية الفردية أو الحصة في الأضحية الكبيرة (من 310 إلى 335 دولارا).
ويفضل الكثير من الأتراك في المدن الكبرى اللجوء للذبح في سلاسل المحال الكبرى، لا سيما إسطنبول، بينما تسود طرق الذبح التقليدية في غيرها من المحافظات.
كما تنشط الجمعيات الأهلية والأوقاف التي تعمل في مجالات الإغاثة والمساعدات الإنسانية في جمع الأموال لإرسال الأضاحي إلى مناطق الحروب والمناطق الفقيرة، وتتراوح مساهمة الفرد من خلال هذه الجمعيات بين 400 و550 ليرة تركية (من 135 إلى 180 دولارا تقريبا).
وموسم الأضاحي في تركيا هو موسم الطرائف والغرائب أيضا وسط اهتمام إعلامي واسع برصد كل ما يتعلق بالأضاحي وذبحها، فمن قرارات الحكومة والبلديات بفرض غرامة مالية 1200 ليرة (نحو 420 دولارا) على الذبح في الشوارع، بسبب الانتقادات إلى تتعرض لها تركيا كل عام من الاتحاد الأوروبي وجمعيات الرفق بالحيوان إلى طرائف بائعي الأضاحي الذين يتبارون فيما بينهم لجذب الزبائن في هذا الموسم.
ومن أبرز الطرائف هذا العام ما أقدمت عليه بلدية أرزينجان شرق تركيا التي تستخدم طائرات من دون طيار لملاحقة وتحديد أماكن الأضاحي التي تهرب من أصحابها.
وكانت بلدية أرزينجان، وهي من المحافظات الشهيرة بتربية الأغنام والأبقار، تشكل كل عام قبيل عيد الأضحى فريقا خاصا لملاحقة واصطياد الأضاحي الهاربة، يستعين عادة بالخيول والدراجات النارية الرباعية لمطاردة الأضاحي في الأزقة الضيقة التي لا يمكن للسيارات دخولها.
إلا أن البلدية قررت العام الحالي الاستعانة إلى جانب ذلك بالطائرات من دون طيار، لتعقب الأضاحي في حال هروبها إلى أماكن بعيدة بحسب مدير الإعلام والعلاقات العامة في البلدية، خليل أتيلا أويماز.
وقال أويماز إن أفراد فريق اصطياد الأضاحي الهاربة، يقوم بتعقب الأضحية وملاحقتها، إلى أن يتمكن من محاصرتها ومن ثم تخديرها باستخدام البنادق المخدرة لكي يتسنى إعادتها لأصحابها.
ويتكون الفريق هذا العام من ثمانية أشخاص، بدأوا في تلقي تدريبات على ملاحقة واصطياد الأضاحي، وتم خلالها تقديم تدريبات لزيادة اللياقة البدنية لهم.
وفي سامسون بمنطقة البحر الأسود شمال تركيا يتبع أحد مربي الماشية أسلوبا فريدا لتهدئة الحيوانات، في تدبير وقائي يحول دون هربها.
ويربي مراد بلطالي الحيوانات في المزرعة التي يديرها مع والده وإخوته، على سماع موسيقى الأرابيسك التركية ذات الألحان المتأثرة بالموسيقى العربية، إذ تستمع الحيوانات عبر مكبري صوت موجودين في الحظيرة، لموسيقى الأرابيسك، خصوصا خلال تناولها للطعام، وخلال قيام أصحابها بمحاولة الإمساك بها.
وقال بلطالي إن الموسيقى تهدئ الحيوانات، وهو ما يحول دون تدافعها خلال تناول الطعام، مشيرا إلى أن أصحاب المزارع المجاورة باتوا هم أيضا يستخدمون الموسيقى مع ماشيتهم.
التأثير المهدئ للموسيقى على الحيوانات، دفع بالطالي إلى استخدامها في سوق الأضاحي كذلك، إذ يعرض 150 رأسا من الماشية للبيع في سوق الأضاحي، في قضاء «إلك أديم» في الولاية، ويحرص على إسماعها الموسيقى طوال الوقت، وهو ما يثير دهشة الزبائن.
وتتعدد الطرق التي يستخدمها مربو الماشية الأتراك لإقناع المواطنين بشراء حيوانات الأضاحي منهم خصوصا تلك ذات الوزن الثقيل أو غالية الثمن.
ومع اقتراب عيد الأضحى يتوافد المواطنون الأتراك على الأسواق التي تقيمها البلديات في أنحاء تركيا، ليعرض فيها مربو الماشية الحيوانات التي يرغبون في بيعها، على المشترين الذين يحاول كل منهم العثور على أضحية جيدة تناسب ميزانيته، ومن هنا يتفنن البائعون في طرق جذب الزبائن.
وفي محافظة أرتفين بمنطقة البحر الأسود شمال شرقي تركيا ابتكر دوغان أي ألبيرق طريقة جديدة لجذب الزبائن، حيث ذبح على مدار أسبوع عددا من الأغنام التي أحضرها للسوق لبيعها، وقام بشي لحمها وتقديم الكباب مجانا للزبائن لجذبهم وقال إنه حقق مبيعات كبيرة بهذه الطريقة.
وأشار إلى أنه يربي نحو 1800 رأس ماشية في قرية أحضر منها 120 رأسا للبيع في السوق.
أما أيهان كيشي، تاجر الماشية في محافظة كارص شمال شرقي تركيا، فحاول بيع ثوره الذي أطلق عليه «كارلوس» الذي يزن نحو الطن. ونظرا لارتفاع السعر الذي وضعه للثور، الذي يبلغ 15 ألف ليرة تركية (أكثر من 5 آلاف دولار)، ولذلك لجأ إلى تقديم جهاز تلفزيون 12 بوصة، هدية لمن يشتري الثور.
وأوضح أنه بذل مجهودا كبيرا في رعاية الثور كارلوس لمدة 4 سنوات في الجبال على العشب من المراعي وسط الطبيعة.
وفي سامسون أعلن مربي ماشية عن تقديم عجل هدية لمن يشتري الجمل «حيدر» الذي يبلغ وزنه 700 كيلوغرام، ويعرضه للبيع بـ25 ألف ليرة تركية (أكثر من 8 آلاف دولار).
ولم يتوقف الأمر عند العروض والهدايا، بل يحرص بعض تجار المواشي على عرض بضاعتهم بشكل مميز، فلجأوا إلى متخصصين، لقص شعر الحيوانات أو صوفها وتزيينها قبل الذبح، وهو ما يطلق عليه الآن في تركيا «كوافير الأضاحي».
و«كوافير الأضاحي»، صيحة تركية يقوم بها متخصصون في هذا الشأن، حيث تظهر الأضاحي من الماشية والأغنام بفضل مهاراتهم بصورة جميلة تجذب الراغبين في شراء الأضحية بشكل كبير، ما يعود بأرباح واسعة على بائعيها.
وتمر غالبية الأضاحي من محافظة كركلار إيلي، شمال غربي البلاد، التي أعلنتها وزارة الزراعة والثروة الحيوانية التركية منطقة خالية من الأوبئة إلى إسطنبول بعد أن تزور الحلاقين في كوافير الأضاحي.
وتجتذب هذه الأضاحي اهتماما أكبر من قبل القادمين إلى أسواق الماشية في إسطنبول بشكل ملحوظ عن غيرها التي لم تمر على مرحلة التزيين، وعبر مربو الماشية عن سعادتهم بالفكرة التي زادت من الإقبال على شراء الأضاحي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)