احتفالات عيد الأضحى.. مسك ختام حفلات الصيف العامرة في لبنان

طرابلس الفيحاء أبرز المحتفين بها

كاظم الساهر ({الشرق الأوسط}) - راغب علامة - نانسي عجرم
كاظم الساهر ({الشرق الأوسط}) - راغب علامة - نانسي عجرم
TT

احتفالات عيد الأضحى.. مسك ختام حفلات الصيف العامرة في لبنان

كاظم الساهر ({الشرق الأوسط}) - راغب علامة - نانسي عجرم
كاظم الساهر ({الشرق الأوسط}) - راغب علامة - نانسي عجرم

يصل عيد الأضحى لبنان هذا العام ليكون بمثابة النهاية السعيدة لموسم صيف كان زاخرًا بالمهرجانات والنشاطات الفنية. فبعد أن شهدت العاصمة بيروت ومناطق مختلفة من لبنان أكثر من 100 حفلة غنائية أحياها نجوم لبنانيون وعرب وأجانب، يطلّ عيد الأضحى حاملاً معه آخرها التي ستشكّل مسك الختام لهذا الموسم.
وتعدّ عاصمة الشمال مدينة طرابلس أبرز المحتفيين بالعيد؛ كون المهرجانات التي تقيمها في «معرض رشيد كرامي الدولي» كانت آخر العنقود في هذا المجال، وهي تجمع نخبة من أهل الفنّ الذين سيودّع معهم اللبنانيون أيام عطلة الصيف. فيحتفلون بالعيد قبل أن ينطلقوا من جديد إلى عام دراسي عادي لن يشهد أي تقليص لأيامه كما أكد وزير التربية إلياس بو صعب مؤخرًا.
الفنان راغب علامة والذي كان له حصّة الأسد من السهرات الغنائية المقامة هذا الصيف، سيفتتح موسم الأعياد من خلال سهرة غنائية يقدّم فيها باقة من أغانيه القديمة والجديدة (طرح مؤخرًا أغنية شفتك تلخبطت)، فيمضي معه عشّاقه أول أيام العيد، وهو الذي كان أول من افتتح موسم مهرجانات الصيف في لبنان، من خلال إحيائه «مهرجانات بيروت الثقافية» مع الفنانة نانسي عجرم في منتصف مايو (أيار) الماضي.
أما الفنان عاصي الحلاني فيحلّ بدوره أيضًا ضيفًا على هذه المهرجانات، ويحيي في 14 الحالي (ثالث أيام العيد) حفلة غنائية ينتظر أن تحمل بعض المفاجآت كمشاركته ابنته ماريتا إطلالته على المسرح.
واختارت «مهرجانات طرابلس الدولية» التي تنظمها جمعية (طرابلس حياة)، الفنان كاظم الساهر لتختتم معه أيامها الثلاث ممددة بذلك للاحتفالات بالعيد. فيقدّم سهرة غنائية في 16 الحالي، تردد أن بطاقاتها نفدت منذ فترة طويلة هو الذي كسر الرقم القياسي في إحيائه حفلات الصيف في لبنان، والتي تنقّل فيها ما بين مهرجانات عدة نذكر منها «مهرجانات بيت الدين» و«مهرجانات إهدن».
ولمحبّي صاحب لقب «قيصر الأغنية العربية» فهم على موعد معه أيضًا في 15 الحالي، حيث سيحيي حفلة غنائية على مسرح كازينو لبنان تشاركه فيها الفنانة شهد برمدا (نجمة برنامج سوبر ستار).
وفي مدينة صيدا عاصمة الجنوب التي قررت هذا العام نفض إيقاع الرتابة عنها من خلال عودة «مهرجانات صيدا الدولية» إلى ربوعها، ستطلّ الفنانة نانسي عجرم على مسرح المهرجانات (واجهة صيدا البحرية) لتحيي حفلة غنائية في 16 الحالي. ويشاركها فيها الموسيقي اللبناني غي مانوكيان الذي سيعزف أشهر المقطوعات الموسيقية التي ألّفها، والتي يمزج فيها ما بين الشرقي والغربي وبينها «نسّم علينا الهوا» و«راجع يتعمّر لبنان» وغيرهما.
بعض الفنانين الذين لن يشاركوا في هذه الاحتفالات في لبنان نظرًا لارتباطاتهم الفنية خارجه، أو لأخذهم فترة عطلة طويلة يلتقطون فيها أنفاسهم من جهد حفلات الصيف، ارتأوا أن يعيدوا محبّيهم على طريقتهم من خلال طرح أغانٍ جديدة لهم في الأسواق أن من خلال أعمال فردية (سينغل) أو ألبومات كاملة.
وفي هذا الإطار قدّمت الفنانة إليسا ألبومها الغنائي الجديد «سهرنا يا ليل»، وهو العاشر في مسيرتها الغنائية، ويتضمن ست عشرة أغنية، تطلّ من خلالها على عشاقها بعد سنتين من طرح ألبومها الماضي «أسعد واحدة».
أما الفنانة هيفاء وهبي فقدّمت أغنية فردية بعنوان «أهضم خبرية»، كما قدّم الفنانان عاصي الحلاني وراغب علامة، وفي إطار الأغاني الفردية أيضا أغنيتان جديدتان «أحبّ الليل» للأول و«شفتك تلخبطت» للثاني.
وكذلك الأمر بالنسبة للفنان وائل جسار الذي أطلق ألبومه الجديد «عمري وذكرياتي»، والذي سيؤدّي أغانيه في حفلة يحييها لمناسبة عيد الأضحى في مصر وبالتحديد في منطقة (شرم الشيخ). كما سيطلّ من شرم الشيخ، كلّ من إليسا وملحم زين لإحياء حفلات عيد الأضحى هناك.
أما الفنانة ميريام فارس فقد اختارت دولة الإمارات العربية لإحياء حفلات العيد فيها، حيث تتشارك والفنان ماجد المهندس في سهرة غنائية يوم 12 الحالي على مسرح فندق (إنتركونتيناتل فيستيفال) في دبي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)