مهرجان الفنون الشعبية.. نقل الفن إلى خشبة المسرح

ضمن احتفالية «صفاقس.. عاصمة للثقافة العربية 2016»

جانب من أحد عروض المهرجان ({الشرق الأوسط})
جانب من أحد عروض المهرجان ({الشرق الأوسط})
TT

مهرجان الفنون الشعبية.. نقل الفن إلى خشبة المسرح

جانب من أحد عروض المهرجان ({الشرق الأوسط})
جانب من أحد عروض المهرجان ({الشرق الأوسط})

نوعت هيئة تنسيق تظاهرة «صفاقس.. عاصمة للثقافة العربية 2016» من برامجها الثقافية والمعرفية، بغرض إبراز الجوانب الحضارية والثقافية في تونس، من خلال برمجة مجموعة هامة من الأنشطة الثقافية، آخرها الدورة الأولى لمهرجان الفنون الشعبية الذي انطلق في الخامس من سبتمبر (أيلول) الحالي، ويتواصل حتى يوم 11 من الشهر نفسه.
وافتتح عرض «فلاقة» المهرجان، وقد مزج المخرج بين الآلات التراثية والآلات الموسيقية العصرية، كما أعاد توزيع بعض الأغاني التي ارتبط بعضها بصفحة من صفحات المقاومة الوطنية الشعبية للاستعمار الفرنسي، التي كان يقودها مقاومو الجبل، أو ما سماهم الاستعمار «الفلاقة».
«الفلاقة» في افتتاح مهرجان الفنون الشعبية عرض حمل الفن الشعبي إلى الركح، وأضفى عليه ما يلزم من مؤثرات ضوئية، ليجسد شكلا من أشكال التدخل الفني على التراث الموسيقي، لضمان خلوده، وإعادة تأصيله في ذاكرة الأجيال الجديدة من موسيقيين ومتفرجين، خصوصا من الأجيال الشابة.
واستحضر عرض «فلاقة» التعابير الشعرية والموسيقية العاطفية والوطنية للمناضلين الفلاقة إبان مقاومة الاستعمار الفرنسي.
وأعلنت هدى الكشو، المنسقة العامة لهذه التظاهرة الثقافية، عن اقتران بعث هذا المهرجان بإعداد ونشر قاموس مصطلحات للشعر الشعبي «سيكون مرجعا هاما على المستوى الوطني والعربي، باعتبار أنه سيكون الأول من نوعه»، على حد قولها.
وخلال الأمسيات الشعرية المختصة في الشعر الشعبي دون سواه، حضر ثلة من الشعراء الشعبيين التونسيين من مختلف الولايات (المحافظات)، من بينهم نجيب الذيبي وبلقاسم عبد اللطيف وعلي شعير وإسماعيل الورداني والمولدي هضب ومحمد بلمبروك وسالم الأندلسي والجليدي العويني، وهم من كبار الشعراء الشعبيين في تونس.
وقال رضا بسباس، عضو الهيئة التنفيذية للتظاهرة، إن أحداث المهرجان بداية تحقيق حلم نشر ثقافة الشعر الشعبي والأدب الشفوي الذي لم ينل حظه من الدراسة في تونس إلى الآن.
واعتبر أن القاموس المزمع إحداثه بمناسبة المهرجان سيكون مقدمة عمل علمي يهتم بالشعر الشعبي الذي يلتقي في أغراض ونواحٍ كثيرة مع الشعر العمودي. ومن جهته، بين الشاعر التونسي منصف المزغني أن الشعراء بتنوع اختصاصاتهم وانتماءاتهم لأصناف الشعر العمودي والشعبي، وحتى بما يحصل بينهم من اختلافات، يقولون لغة واحدة: هي الشعر.
وألقى بهذه المناسبة على مسامع الشعراء الشعبيين قصيدتين تفاعل معهما الحضور. كما قدم محمد أنور اللجمي، مدير الدورة الأولى لمهرجان الفنون الشعبية التي امتدت على ثلاثة أيام، بيانات عن مختلف الفعاليات التي تجمع بين الندوات الفكرية والعروض الموسيقية والإلقاء الشعري، والتي ستقام في كل من المركب الثقافي محمد الجموسي، والمعهد الجهوي للموسيقى، والفضاءات العامة بمدينة صفاقس.
وانطلقت التظاهرات الاحتفالية بسهرة للشعراء الشعبيين في منطقة أولاد بن مبروك، بمنطقة عقارب من ولاية صفاقس.
ومن أبرز فعاليات مهرجان الفنون الشعبية سهرة «نجمة المحفل» التي تتوج التظاهرة، وسهرة الحضرة الختامية، علاوة على ندوة فكرية، وإنتاج قاموس جديد خاص بمصطلحات الشعر الشعبي.
وأقيمت مساء الثلاثاء سهرة «المرقوم»، وهي استعراض للفنان التونسي نعمان الشعري، يضم أعمالا غنائية تراثية من مختلف جهات البلاد، وينتظر أن يكون خارطة غنائية وطنية، وأقيمت في الليلة نفسها سهرة شعرية. وخلال هذا المهرجان، تزور مدينة صفاقس فرقة من مستغانم الجزائرية، وفيها الرقصات الصحراوية الشهيرة، وغيرها من المشاهد واللوحات الفرجوية التي تعكس ثراء التراث الغنائي الجزائري.
كما تخصص سهرة لفرقة طبال جزيرة قرقنة (القريبة من صفاقس)، وينتظر أن تنقل للجماهير فنون البحر، وما تكتنزه من تراث مادي ولا مادي وفير.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».