مصادر أوروبية: شروط متناقضة عطلت إنجاز الاتفاق الروسي ـ الأميركي

قالت لـ «الشرق الأوسط» إن كيري ولافروف أخرجا مصير النظام السوري من بنود الاتفاق الموعود

لاجئون سوريون في مخيم غرب العاصمة القبرصية نيقوسيا بعد إنقاذهم من البحر أثناء جموح القارب الذي تم تهريبهم فيه (أ.ف.ب)
لاجئون سوريون في مخيم غرب العاصمة القبرصية نيقوسيا بعد إنقاذهم من البحر أثناء جموح القارب الذي تم تهريبهم فيه (أ.ف.ب)
TT

مصادر أوروبية: شروط متناقضة عطلت إنجاز الاتفاق الروسي ـ الأميركي

لاجئون سوريون في مخيم غرب العاصمة القبرصية نيقوسيا بعد إنقاذهم من البحر أثناء جموح القارب الذي تم تهريبهم فيه (أ.ف.ب)
لاجئون سوريون في مخيم غرب العاصمة القبرصية نيقوسيا بعد إنقاذهم من البحر أثناء جموح القارب الذي تم تهريبهم فيه (أ.ف.ب)

في لقاء مطول أجرته «الشرق الأوسط» مع مصادر أوروبية معنية عن قرب بالملف السوري وبتطوراته، يبدو الاتفاق الذي يسعى الطرفان الأميركي والروسي لإبرامه منذ 14 يوليو (تموز) الماضي والذي تسارعت الجهود بشأنه في الأسبوعين المنقضيين «قريبا وبعيدا في الوقت عينه». فنقاط الخلاف لا تبدو كثيرة ولكنها في الوقت نفسه تظهر على أنها «عصية على الحل» لما يترتب عليها من تبعات لاحقة.
تقول المصادر المشار إليها إن الوزيرين كيري ولافروف عمدا، بسبب إلحاح الثاني، على إخراج موضوع مصير رئيس النظام السوري من دائرة النقاش باعتبار أنه موضوع «خلافي» وأن التوقف عنده «سيحبط العملية السياسية برمتها». وعوضا عن ذلك، قرر الرجلان التركيز على الوضع الميداني وتحديدا السعي لإعادة إحياء عملية وقف الأعمال العدائية انطلاقا من مدينة حلب ومحيطها ووضع حد لحالات الحصار الموجودة «ومن ضمنها حلب» ودفع النظام ومعارضيه للعودة إلى طاولة المفاوضات في جنيف.
وكشفت هذه المصادر أن الطرفين متفقان على تحييد طيران النظام وعلى التنسيق في موضوع الضربات ضد «داعش» وجبهة تحرير الشام «النصرة سابقا» بمعنى «تحديد مشترك للأهداف التي ستضرب» بحيث تنزع من الجانب الروسي ورقة التحجج بضرب النصرة لاستهداف المعارضة المسلحة التي تصفها واشنطن بـ«المعتدلة». ويسعى الأميركيون للوصول، بعد وقت ما، إلى تشكيل «غرفة عمليات مشتركة» أميركية - روسية فيما لا يظهر الجانب الروسي تحمسا لتطور من هذا النوع سيحرجه، بمعنى ما، باعتبار أن هناك غرفة عمليات مشتركة موجودة في بغداد وتضم روسيا وإيران والنظام.
بيد أن هذه العناوين دونها عوائق أولاها أن الطرفين مختلفان حول ما يمكن أن تقوم به موسكو لـ«معاقبة» النظام في حال أخل بالاتفاق واستمر بمهاجمة مواقع المعارضة المعتدلة جويا وأرضيا. وثمة من يعتقد بين الغربيين أن موسكو لا تمسك بكل الحبال التي تحرك النظام الذي لن ينفذ بالضرورة «الأوامر» التي قد يتلقاها. ويضاف إلى العائق الأول استمرار الخلاف بين الطرفين حول هوية التنظيمات المصنفة إرهابية وتحديدا حول مجموعتين هما أحرار الشام وجيش الإسلام. وفيما تتمسك واشنطن بأن تمتنع موسكو عن ضربهما، فإن روسيا مصرة على إدراجهما على لائحة التنظيمات الإرهابية المباحة وتضغط على واشنطن لدفع الفصائل «المعتدلة» للابتعاد عنهما. وتضيف المصادر الغربية أن الطرف الأميركي «لا يملك حرية التصرف المطلقة إذ عليه أن يأخذ بعين الاعتبار حال المعارضة السورية من جهة وموقع هذين الفصيلين داخلها ومن جهة ثانية الرعاية الإقليمية لهما ورؤية العواصم المعنية للدور الذي تؤديانه. وبحسب مصادر قيادية في المعارضة السورية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، فإنها ترى أن عملية الفصل «لا يمكن أن تتم قبل أن تفرض هدنة عسكرية شاملة». يضاف إلى ذلك أن تمزيق المعارضة بهذا الشكل سيضعفها بوجه النظام وسيدفع إلى معارك جانبية إضافية.
ولا تتوقف الأمور عند هذا الحد. ففي منطقة حلب، ما زال الجانب الروسي يرفض أن تكون عملية وقف الأعمال العدائية شاملة وأن تضم أحياء المدينة الجنوبية، فيما واشنطن مصرة على ضرورة التعامل مع حلب كوحدة موحدة، وهي ترى في ذلك مؤشرا على «صدقية» الهدنة لما لحلب من وزن رمزي وديموغرافي وسياسي.
إلى جانب المشاكل التقنية، تدور بين واشنطن وموسكو «حرب من نوع آخر» ميدانها الوسائل الإعلامية. وترى المصادر الأوروبية أن إصرار الجانب الروسي على القول إن الاتفاق «قريب»، غرضه رمي المسؤولية على واشنطن في حال لم يحصل التفاهم المطلوب. أما «تفاؤل» الوزير كيري الذي تنقل هذه المصادر عن معاونيه تأكيدهم أنه «مثالي» وأنه يعتقد أن الجهة الأخرى «حسنة النية»، فمرده إلى «دوافع سياسية داخلية» كرد على منتقديه داخل وخارج وزارة الخارجية. وفي مداخلته عبر دائرة تلفزيونية مغلقة أول من أمس، بمناسبة اجتماع «النواة الصلبة» في مجموعة الدعم لسوريا في وزارة الخارجية البريطانية، عاد كيري ليضع تفاؤله في الواجهة وليؤكد أن الاتفاق «قريب».
رغم العقبات التقنية والسياسية العميقة «رغبة موسكو في فرض رؤيتها للحل وربما عدم تخليها عن خيار الحسم العسكري..»، تعتبر المصادر الأوروبية أن عيب «مشروع» الاتفاق الروسي - الأميركي أنه «في أفضل الأحوال» سينجح في ترميم هدنة مترنحة وإعادة أطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات. لكن مشكلته الكبرى أنه يترك المسائل السياسية الأساسية للمفاوضات. وبكلام آخر، فإنه يعيد المسألة برمتها إلى المربع الأول لأنه «لا يطرح مشروعا سياسيا»، ولأن الهدنة «لن تدوم ما دام لم يلح في الأفق حل سياسي». وربما أبرز دليل على ذلك أن رسالة المبعوث الأميركي مايكل راتني إلى فصائل المعارضة السورية المسلحة التي نشرت نهاية الأسبوع الماضي «لا تتناول الجوانب السياسية إلا بفقرة نهائية واحدة وبكلام عمومي».
من هنا، تتحدث المصادر الأوروبية عن «خيبة» المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي كان يعول على الاتفاق الأميركي - الروسي الموعود: «ليس فقط من أجل إعادة إطلاق المفاوضات ولكن خصوصا لإظهار الطريق الذي يتعين سلوكه للوصول إلى الحل المنشود» ومن ذلك كيفية الانطلاق في عملية الانتقال السياسي ومعالجة المسائل التي أفشلت ثلاث جولات من المحادثات في جنيف. وهذه المسائل وردت كلها في الوثيقة التنفيذية للهيئة العليا للمفاوضات وكذلك في «ورقة» دي ميستورا أو على الأقل في مسودتها كما نشرت الأسبوع الماضي. والفرق الجوهري بين الورقتين أن الثانية تنص على استمرار الأسد في منصبه بـ«صلاحيات بروتوكولية» طيلة المرحلة الانتقالية، بينما الأولى تدعو إلى رحيله مع بدء العمل بها. وعمد رياض حجاب، أول من أمس في لندن إلى رفض المقترح غير الرسمي حتى الآن للمبعوث الدولي بقوله إنه «لا يتعين على أحد أن يعول على قبول المعارضة لصيغة تبقي على الأسد في السلطة لدقيقة واحدة». في أي حال، فإن المصادر الأوروبية ترى أن الأسد «لن يقبل بطرح دي ميستورا اليوم وقد تحسن وضعه العسكري بعد أن رفض أقل من ذلك بالأمس عندما كان وضعه سيئا»، ناهيك عن موقف الأطراف الداعمة له وعلى رأسها روسيا وإيران.
وعما إذا كان اجتماع لندن الأخير أنتج شيئا؟ تقول المصادر الأوروبية التي شاركت فيه إن الاجتماع سمح للهيئة العليا المعارضة بأن تعود إلى واجهة المشهد السياسي بعد أن غابت عنه عقب تعليق محادثات الجولة الثالثة، وأن تبين أنها تعمل «جديا» على بلورة مقترحات وتقديم أفكار وخصوصا إظهار أن هناك «طريقا ثالثا» غير استمرار نظام دموي أو هيمنة تنظيمات إرهابية، وعنوانه الحل السياسي القائم على بيان جنيف واحد وعلى عملية انتقال ممسوكة والمحافظة على وحدة الدولة وبناها وتعدد مكوناتها.
يبقى أن الانتقال من حيز المقترحات إلى حيز التنفيذ مسألة أخرى لا يبدو اليوم أن شروطها الموضوعية متوافرة.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.