الغموض يلفّ هدنة حلب.. والمعارضة السورية ترفضها في ظل سريان التهجير القسري

تجارب الروس والنظام في خرق وقف إطلاق النار يفقد المبادرات مصداقيتها

مقاتلون من الجبهة الشامية في استراحة لتناول الطعام قرب حلب (رويترز)
مقاتلون من الجبهة الشامية في استراحة لتناول الطعام قرب حلب (رويترز)
TT

الغموض يلفّ هدنة حلب.. والمعارضة السورية ترفضها في ظل سريان التهجير القسري

مقاتلون من الجبهة الشامية في استراحة لتناول الطعام قرب حلب (رويترز)
مقاتلون من الجبهة الشامية في استراحة لتناول الطعام قرب حلب (رويترز)

لم تتبلور بعد صيغة الاتفاق الذي تسعى الولايات المتحدة وروسيا لإبرامه لتثبيت وقف إطلاق النار في مدينة حلب السورية لمدة 48 ساعة أسبوعيًا، للسماح بوصول المساعدات الإنسانية من الأمم المتحدة إلى المناطق المحاصرة، والحد من الطلعات الجوية لطيران النظام السوري فوق المدينة.
غير أن المعارضة السورية، بجناحيها السياسي والعسكري، سارعت إلى رفض هذه الهدنة قبل ولادتها، استنادًا إلى التجارب السابقة في عدم التزام الروس أنفسهم ونظام بشار الأسد بالهدن المماثلة التي أبرمت في حلب وغيرها وبادروا إلى خرقها قبل أن يجفّ حبرها. إذ اعتبرت المعارضة أن «الهدنة غير جدية، وهي خارج البحث والتداول». ورأت أن «المشروع الساري التنفيذ الآن هو التهجير القسري والتغيير الديموغرافي الذي يتجاهله أي تفاهم ثنائي أميركي روسي».
وبغض النظر عن نتائج ما بعد الاتفاق، أشارت المعلومات إلى أن أبرز عناصر هذا الاتفاق العتيد إتاحة الوصول الفوري للمساعدات الإنسانية إلى حلب عبر طريق الكاستيلو، الذي تسيطر عليه قوات النظام حاليًا، والسماح لحواجز قوات الأسد بالتحقق فقط من سلامة أختام الأمم المتحدة على شاحنات المساعدات الإنسانية دون تفتيش الشحنات أو نقل محتوياتها. يضاف إلى ذلك حصر حركة طائرات النظام بطلعات غير قتالية في مناطق محدّدة. ولم يتضح ما إذا كان الاتفاق المزعوم سيتطرق إلى وقف القتال في أنحاء البلاد، وهو ما تسعى الولايات المتحدة لاستئنافه بعدما انهار في وقت سابق هذا العام.
وعلى الرغم من الإيجابية التي تنطوي عليها بعض بنود مشروع الاتفاقية، فإن الفصائل المسلّحة رفضت هذه الهدنة «لعدم جديتها». وأكد مصدر عسكري معارض لـ«الشرق الأوسط»، أن الروس «غير جديين في التوصل إلى هدنة أو فرض هدنة في حلب أو غيرها»، وأردف: «هم يريدون استدراج الأميركي ليكون شريكًا معهم في معركتهم التي أثبتت عدم جدواها على مدى عام كامل». وتابع قوله: «بالنسبة إلى الثوار، هذه الهدنة غير جدية وهي خارج البحث والتداول، لأن المعارك قائمة ومستمرة». وكشف المصدر العسكري أن «الثوار نفذوا هجومًا اليوم (أمس) على الجبهة الجنوبية، وحققوا تقدمًا، مستفيدين من سحب النظام بعض التعزيزات منها إلى حماه».
أما على صعيد الموقف السياسي، فاعتبر أحمد رمضان، عضو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، أن «التحدي الذي يواجه اتفاق الهدنة الجديد هو مدى التزام روسيا وحلفائها به، إذ لم يسبق لهم أن التزموا بأي اتفاق هدنة». ورأى رمضان في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «في حال توقف قصف الصواريخ يبدأ القصف بالبراميل المتفجرة، ولم يسبق أن تم الالتزام بوقف الأعمال العدائية، وإنما التصعيد باستمرار باستهداف المدنيين والمؤسسات الخدمية والعامة». وأضاف رمضان: «من الواضح أنه لا توجد آلية إلزامية لتطبيق أي تفاهمات أو قرارات يجري التوصل إليها، وبالتالي، المشروع الذي يتواصل هو التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، الذي للأسف لا يتم التحدث عنه ضمن التفاهم الثنائي الأميركي الروسي، إلا في نطاق التغاضي عن ذلك وتمريره تحت مزاعم الهدن التي يمررها النظام وحليفه الإيراني».
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه أعلن قبل نحو أسبوع في جنيف عن إخفاق وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري وروسيا سيرغي لافروف في التوصل إلى اتفاق بشأن التعاون العسكري ووقف الاقتتال في أنحاء سوريا، وتحدثا عن قضايا «ينبغي تسويتها قبل إعلان اتفاق». إلا أن ما تردد عن إمكان إعطاء روسيا ضوءا أخضر أميركيا لقصف فصائل تصنفها «إرهابية» طرح علامات استفهام عن أبعاد هذا الاتفاق، إذ شدد أحمد رمضان على «رفض أي اتفاق يعطي القصف الوحشي الذي تقوم به روسيا وتستخدم فيه أسلحة محرمة وقوة مفرطة أي شرعية باتفاقات وتفاهمات مع أي طرف». واستطرد: «روسيا تبحث عن ذلك باستمرار للهروب من مسؤولياتها القانونية والسياسية والأخلاقية، ومن المفارقة أنها تقترب من إنهاء عامها الأول على تدخلها عسكريًا في سوريا بذريعة مواجهة الإرهاب، ولم تقم بأي فعل حقيقي في التصدي للإرهاب العابر للحدود، خصوصا تنظيم داعش». قبل أن يوضح أن «المرة الوحيدة التي زعم فيها الروس قتل قيادي في (داعش)، تبين أن الولايات المتحدة من فعل ذلك»، لافتًا إلى أن روسيا «تستغل الضوء الأخضر الذي يمنح لها، لتصفية حساب مع الشعب السوري وقتل وتهجير أكبر عدد منهم».
ما يستحق الذكر في هذا السياق أن المفاوضات بين المعارضة والنظام في جنيف وصلت خلال شهر يوليو (تموز) الماضي إلى طريق مسدود، بسبب استئناف قوات النظام وحلفائها عملياتها العسكرية ضد مناطق سيطرة المعارضة في مدينة حلب ومحاصرتها، والردّ بهجوم واسع لفصائل المعارضة المسلحة، وسيطرتها على مواقع عسكرية استراتيجية للنظام جنوب المدينة، أبرزها الكليات العسكرية والرموسة، حيث تمكنت عبره من فك الحصار جزئيًا عن المناطق الشرقية. وعمّا إذا كان «الائتلاف» قد تلقى أي إشارات عن المبادرة التي قال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا سيطرحها قريبًا، أعلن رمضان أن خطة دي ميستورا «ترتكز بشكل أساسي على التفاهم الأميركي - الروسي، وغالبا ما أدى تعطيل التفاهم إلى إصابة المفاوضات وجهود الأمم المتحدة بالشلل، والعجز عن تحريك عجلة الحل السياسي». وأضاف: «ثمة فيتو روسي يتسبب في كثير من الأحيان بتقويض محاولات العودة لمفاوضات جادة، كما أن اللامبالاة الأميركية تجاه تصاعد الجرائم والقصف والإبادة، شجعت بشار الأسد وحلفاءه على محاولة فرض ما يسعون إليه بالقوة المفرطة والقتل الوحشي». واختتم رمضان بالقول: «ينبغي إعطاء الأولوية لتوفير الحماية للمدنيين السوريين، وهذه مسؤولية مجلس الأمن خصوصا الدول دائمة العضوية».



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.