«البوركيني».. والتطرف اللاديني

أمام تحدي تجديد العلمانية وتجاوز فكر اليمين الفرنسي

أمرأة ترتدي البوركيني المثير للجدل على شاطئ البحر في مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا (رويترز)
أمرأة ترتدي البوركيني المثير للجدل على شاطئ البحر في مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا (رويترز)
TT

«البوركيني».. والتطرف اللاديني

أمرأة ترتدي البوركيني المثير للجدل على شاطئ البحر في مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا (رويترز)
أمرأة ترتدي البوركيني المثير للجدل على شاطئ البحر في مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا (رويترز)

ظهرت قضية «البوركيني» في فرنسا بعد منع 30 بلدية للباس البحر الذي ترتديه النساء المسلمات. أثار المنع جدلاً واسعًا على مستوى البلاد وفي وسائل الإعلام العالمية، كما جدّد الجدل الدائر في فرنسا حول العلمانية والحرية الدينية. كذلك صاحب النقاش الدائر حول خطوة البلديات، توسّع مخيف من طرف الشرطة في التضييق على المسلمات القاصدات البحر، ووصل التضييق لتحرير محاضر لنساء محجبات فقط واتهامهن بتهم غريبة من مثل إزعاج الناس. ومن الأشرطة التي توثق لهذا السلوك الفيديو المصوّر يوم الثلاثاء 23 أغسطس (آب) من طرف فايزة بن محمد، المتحدثة باسم «اتحاد مسلمي الجنوب» وأمينته العامة.
من واقع أن الجدل المثار حول «البوركيني» في فرنسا كانت له أسس قانونية، وجاء مدعومًا من طرف قرار لمحكمة إدارية بجنوب فرنسا بمدينة كان، استدعت الضجة الإعلامية، ومعها شدة الجدل السياسي والحقوقي الداخلي، تدخلا مباشرا من مجلس الدولة الفرنسي.
وعلى عكس قرار البلديات التي يسيطر على معظمها اليمين الفرنسي المناهض للإسلام، قرر مجلس الدولة يوم 26 أغسطس 2016 لا قانونية قرار منع «البوركيني»، ورفض مزاعم محكمة مدينة كان التي اعتبرته مسا بالنظام العام. وأبعد من ذلك، اعتبرت الفتوى القانونية لمجلس الدولة «القرار البلدي مساسا خطيرا بالحريات الأساسية» وهي حرية التنقل وحرية المعتقد والحرية الشخصية. وهذا رأي قانوني يعيد للأذهان ما أثير في إسبانيا عام 2010، حين صوتت 30 مدينة في إقليم قطالونية (كتالونيا) على قرار يقضي بمنع ارتداء «البرقع» في الإدارات العامة، لكنّ قرار المحكمة العليا رفض هذا المنع، واعتبره معاديا للحرية الدينية. وفي حين رأى كثيرون من المثقفين الفرنسيين قرار مجلس الدولة الأخير أنه «إنقاذ لسمعة العلمانية الفرنسية والحرية الفردية» باعتبار الفضاء العام مكانا للحرية وممارسة المعتقد، رآه آخرون «مكسبًا جديدًا للمسلمين وعودة غير علمانية للدين في المجتمع الفرنسي. وتراجعًا عن المسار الذي دشنته سياسة حظر ارتداء الحجاب في المدارس والإدارات العامة في العام 2004؛ ومنع النقاب في الأماكن العامة عام 2010»، وبالتالي، فهم يرون أن تدخل مجلس الدولة الأخير من شأنه عرقلة مسيرة سيطرة الدولة على الدين السائدة في فرنسا التي رسمها قانون جمهوري بتاريخ 9 ديسمبر (كانون الأول) 1905 فصل بين الدولة والدين.
ثم إن هذا القرار، قد لا يتوافق مع المزاج العام الفرنسي الذي يوجّهه الإعلام في زمن انتشار «الإسلاموفوبيا» (العداء للمسلمين والخوف منهم) في فرنسا عبر الأوساط الإعلامية والثقافية والإدارية وبعض الأجهزة الأمنية. ويبدو أن العداء للدين ورموز الدين الإسلامي، خاصة، أصبح له جذور اجتماعية صلبة، فحسب استطلاع رأي أجرته جريدة «لوفيغارو» اليمينية أياما قليلة قبل قرار مجلس الدولة، فيما يتعلق بوجهة نظر الفرنسيين الخاصة حول «البوركيني»، أجاب 76 في المائة من المصوّتين بـ«نعم» على سؤال «هل ترى أن ارتداء (البوركيني) يمكن أن يشكل خطرا على النظام العام؟».
نظرة تاريخية
من الناحية التاريخية والسوسيولوجية، فإن الميل المجتمعي في فرنسا لاستبعاد الدين، خاصة الأديان الأجنبية مثل الإسلام، يبدو طبيعيا لاعتبار أساسي، أوضحه فيلسوفا العلمانية الفرنسيان جون بيبيرو ومارسيل غوشي. إذ يرى هذا الأخير، أن «الشكل التفاعلي الذي نسميه اليوم بعلمانية الدولة ظاهرة خاصة بالغرب. وعلى وجه الخصوص، هو قلق يشغل بال فرنسا، التي أنتجت النسق العلماني وطبّقته في مستعمراتها». ورفض الدولة لكل انقياد تجاه الكنيسة في معناه العام هو العلمانية، ومصطلح العلمانية laïcité هو اختراع وحالة فرنسية خاصة بتعبير جون بيبيرو jean Baubéro.
ولئن كانت اختيارات الأفراد، أو الفرد، اختيارات دينية كما هو الحال في قضية لباس البحر «البوركيني»، فكيف يتحرك الفرد داخل الاجتماع البشري الذي يعيش فيه؟
الجواب على مثل هذا السؤال، تطبعه صرامة العلمانية الفرنسية بطابعها السوسيو-تاريخي الذي جسده قرار المنع من 30 بلدية. إن الموظف داخل أجهزة الدولة، والمصطاف في البحر، أو غيره يلزمه المبدأ العلماني بالحياد تجاه المعتقدات الأخرى جميعا، والانتماءات الوسيطة الأخرى كافة. والحقيقة أن فكرة الحيادية المتبناة من طرف العلمانية مثالية (طوباوية) لاعتبارين:
الأول، اعتبار معرفي، يرجع بنا إلى صراع الكنيسة والحركة العلمانية حول التعليم ومؤسسات المعرفة، والسلطة. فالسلطة المعرفية في حالة قيام الدولة العلمانية هي القاعدة الخلفية لدوام المرجعية الوضعية. ذلك أن المؤسسة التعليمية ستكون بالضرورة أشد المدافعين والناشرين للعلمانية من خلال التنشئة السياسية، والثقافة السياسية المبثوثة وسط المناهج التعليمية. فإذا كانت الدولة الدينية تعني الحكم باسم الله، فإن الدولة العلمانية تعني الحكم باسم السلطة المعرفية الوضعية المادية.
والثاني، يتعلق بالحياد المطلوب، فهو في العلمانية الفرنسية حياد تجاه المعتقدات الأخرى جميعًا، والانتماءات الوسيطة الأخرى كافة. وبهذه الحمولة يفقد الحياد معناه أصلاً، لأنه من جهة حياد وفق رؤية وفلسفة للحياة هي العلمانية. ومن جهة أخرى صعب التحقق خاصة عند وجود مرجعيات أخرى غير المرجعية العلمانية، عند الفرد أو الجماعة مثل المرجعية الإسلامية في حالة لباس المسلمات في البحر.
إن الحياد هنا يعني بالضرورة الدفاع عن التصوّر المنطلق منه، أضف إلى أنه، من الناحية العملية، فإن العلمانية تتحوّل إلى معول لهدم الحرية لتضمن هذا الحياد المثالي. إن التفاعلات الاجتماعية تعطي للسياسي أهمية كبيرة، وبالتالي، فمنع الحجاب بقرار قضائي أو قانوني، كما يقع في فرنسا مثلا، يحوّل الدفاع عن العلمانية إلى حركة مرتدّة عن حقوق الإنسان، ويظهرها كتصوّر متطهِّر، ومرجعية فوق بشرية، بل ديانة منافسة للديانات المعلومة.
ثم إن التطور التاريخي للعلمانية، ووجود الدين في الفضاء العام، تطوّر سار عبر مسارين خاصين: ففي أوروبا الغربية حافظت الكثير من البلدان على الوصل مع هوية الدين. في حين أن بعض البلدان كانت تخضع لنظام فردي شمولي، كما هو الحال أوروبا الشرقية سابقًا. وعلى الجانب الآخر، تعمل أنظمة ديمقراطية طويلة في معظمها على ضمان الحرية الدينية في دساتيرها، ومع ذلك تحظر العلمانية والدين في كثير من الأحيان، بشكل ضمني في الحاضر والممارسات الاجتماعية. وهو ما يفسر كون «عدد من الدول الأوروبية لا تزال تعاني من دين الدولة، وفق ليليان فوييه Liliane Voyé في دراسة قيمة حول الدين والسياسة بأوروبا». أكثر من ذلك فإن الواقع السوسيولوجي وفق الباحث في علم الاجتماع السياسي إيف لامبير Yves Lambert يؤكد أن هناك «حالة دينية تقبع داخل العَلمانية وتتكيف باستمرار مع الفضاء العام».
ولأن المسار المجتمعي الفرنسي والأوروبي يتغير دينيًا وعرقيًا، فإن الفيلسوف غي هارشر Guy Haarscher يؤكد أننا في حاجة إلى الاختلاف مع العلمانية الكلاسيكية. فالجوهر العلماني ما يزال صامدًا داخل المجتمع الفرنسي، وهذا ما يجعل النظرة الراديكالية حيال الدين ورموزه مثل «البوركيني» توافق المفهوم التقليدي للعلمانية الذي يحصر الدين في المجال الشخصي بعيدا عن المدرسة. فالحجاب ما هو إلا «غطاء للرأس»، بينما التوافق مع الحداثة يجعلنا نقبل بالتعددية، والدول الديمقراطية تستطيع أن تبقى في الجوهر علمانية. غير أن «العلمانية الفرنسية ليست محمية من طرف القانون الدولي».
وبشكل أكثر وثوقية ووضوحًا - كما يقول هارشر - «ليس هناك نص في الدول الديمقراطية يفرض فصلا دقيقا بين الدين والدولة». هنالك وزارات تهم الشأن الديني... ويتضح الأمر أكثر إذا نظرنا إلى الفصل بين الدولة والدين في بريطانيا والدنمارك واليونان وإسبانيا، حيث يبرز الطابع الديني في المدرسة والأسرة والمجتمع، فأطروحة كوي تغوص للبحث عن الأساس المرجعي للدولة.
في ظل الدولة المعاصرة، نلاحظ غياب العلمانية في غالبية دول العالم، ذلك أن «المنطلقات العامة لا تكترث لا للحقيقة العلمانية ولا للإرادة الجماعية للمؤمنين، بل يبحث عنها في الفضاء الحر الذي تفتحه الحريات العامة وخاصة حريات (العلمانية)».
وكما ذهب غي هارشر، يؤكد جون بوبيرو أن «العلمانية الفرنسية ليست النموذج الوحيد، بل هناك النموذج البلجيكي الذي كوّن عائلة من المفاهيم، وله نمطه الخاص في ظل تعددية الأديان، وفرنسا نفسها تعيش هذه الحالة، لهذا فإن النقاش المستمر في الدائرة الأنجلوساكسونية حول العلمانية يجب أن يؤخذ به في الدائرة الفرنسية، لتجاوز المشاكل التي تطرحها العلمانية من الزاوية السوسيولوجية».
أما مارسيل غوشي في كتابه «الدين في الديمقراطية» (ص 98)، فيرى «أننا أمام تحول تاريخي كبير في علاقة المجتمع والدولة. إذ راهنت العَلمانية على حصر الدين في النطاق الخاص الفردي، غير أنها فشلت، وفي «هذا الإطار يجب فهم السياق الذي وضع فيه إعادة تعريف العلمانية الذي يجري حاليا».
فهل يسمح قرار مجلس الدولة الفرنسي يوم 26 أغسطس 2016 بتغيير مسار الاختيار العلماني لفرنسا بتغيير قانون 1905 ليستجيب للتغيرات الطارئة على المجتمع الفرنسي؟
وهل تستطيع فعلا العلمانية الفرنسية الصارمة أن تحافظ على الحقوق والحريات في زمن الإسلاموفوبيا والإرهاب العابر للحدود؟
وكيف ستتعامل الطبقة الفرنسية المولعة باستغلال قضايا الهجرة والمسلمين في المعارك السياسية والانتخابية مع مثل هذه المستجدات القانونية، في زمن الصعوبات الاقتصادية، وتزايد مطالب الشباب الاجتماعية، وإصلاح التعليم بفرنسا؟
* جامعة محمد الخامس - الرباط



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.