«الصدى الصامت» أول معرض للفن المعاصر في «قلعة بعلبك»

العلاقة بين الفن والأركيولوجيا في التجهيز والمسرح والسينما

من أعمال أي وي وي - من أعمال دانسيا دانيك
من أعمال أي وي وي - من أعمال دانسيا دانيك
TT

«الصدى الصامت» أول معرض للفن المعاصر في «قلعة بعلبك»

من أعمال أي وي وي - من أعمال دانسيا دانيك
من أعمال أي وي وي - من أعمال دانسيا دانيك

«الصدى الصامت» حدث ثقافي استثنائي ستشهده قلعة بعلبك الرومانية الأثرية بدءًا من 17 سبتمبر (أيلول) المقبل، حيث يفتتح معرض للفن المعاصر داخل القلعة، وتحديدًا في متحفها الموجود على مدخلها، وتتجاور المعروضات الأثرية القديمة الموجودة في المكان، مع النتاجات المعاصرة لفنانين عالميين ولبنانيين على مدار شهر. وإذا كانت القلعة قد كانت منذ عشرينات القرن الماضي مشتهى الموسيقيين والمسرحيين الذين أغرتهم معابدها للغناء والعزف فيها، ومن ثم تحولت إلى مكان لواحد من أقدم مهرجانات العالم العربي ولا يزال مستمرًا حتى اليوم، وهي مهرجانات بعلبك الدولية التي احتفت بستينها هذا العام، فإن بلدية المدينة ارتأت أن تجعل النشاطات في القلعة تتجاوز الاحتفالات الفنية الصيفية لتمتد على مدار العام.
ولذلك؛ فإن المعرض الذي سيجتذب فنانين، ومجمعين، ومديري متاحف عالمية، هذا غير محبي الفن من اللبنانيين، سيكون فيه معروضات لخمسة فنانين أجانب و4 لبنانيين. وهي تتمحور في غالبيتها حول ما يدور في المنطقة من أحداث، لفتت النظر إلى أهمية الآثار التي نفقدها يوميًا وبدم بارد، وأهمية الثقافة والهوية للشعوب. والفنانون التسعة هم أي وي وي، الذي يمثل عمله الذي سيعرض «أغورا»، أو ساحة لقاء للناس للتحادث حول المستقبل كما يرونه، وخاصة بوجود شبكة الإنترنت. أما الأميركية سوزان هيلر، التي تعيش في لندن منذ 20 سنة، فقد سبق لها وأن جاءت إلى لبنان في ستينات القرن الماضي، وهي سعيدة بعودتها مع فيديو تطلب منها عملا شاقًا جمعت فيه لغات صارت ميتة، ويتحدث بها خلال الفيلم أناس قضوا وذهبت لغاتهم معهم. هذا الفيلم استدعى سفرًا وبحثًا وتنقيبًا عن تسجيلات بعضها أهمل، وغيره لا يزال محفوظًا بعناية. أما اللبناني مروان رشماوي، فهو فنان مشهور خارج لبنان وغير معروف بالقدر الكافي في بلده، سيقدم خلال المعرض مجموعة من الأعمدة الإسمنتية التي يطلع منها حديد عارٍ كما نرى في بعض الأبنية غير المكتملة، فرشماوي يعتقد أن الهندسة المعمارية المستقبلية ستكون على هذا النحو، وعلينا أن نتفكر في الأمر سلفًا. سنتيا زافين، هي فنانة مختصة بالصوت، وهي الوحيدة التي سيعرض عملها خارج متحف بعلبك وفي معبد باخوس الجميل، وهو مبني على حيلة صوتية. وقد حضّر الفنان اللبناني زياد عنتر أيضًا عملاً خاصًا للمناسبة، ومثله باولا يعقوب، وهي عالمة آثار كان يتركز عملها على بيروت، ثم انتقلت إلى برلين، لتبدأ رحلتها في عالم الفن بالاتكاء على معرفتها الأثرية. وهناك لوران غراسو، الذي جهز فيديو من وحي مدينة «بونبيي» الإيطالية الشهيرة، وتيو مارسيه الذي سيعرض نصبًا تركها في أجواء مغارة لتتكلس بشكل طبيعي، وهي تشبه تلك التي كانت تنحت لقدماء الآلهة. أما دانيكا داكيك، فتقدم عملا مستوحى من حياة الغجر في بريطانيا ورومانيا.
وسيصل الفنانون ومتخصصون في الفن إلى بيروت قبل الافتتاح بيوم واحد على الأقل، ليكونوا حاضرين عندما تبدأ أعمال المعرض، كما أن الجميع سيشاركون في ندوة ستقام بالمناسبة في 19 من الشهر بالتعاون مع متحف «قصر سرسق».
وتخبرنا ديان أبيلا، وهي منظمة المعرض بالتعاون مع كارينا الحلو، بأن بلدية بعلبك ترغب في فتح القلعة، وإنعاش المدينة طوال السنة، وليس فقط خلال المهرجانات الصيفية: «لذلك التقت رغبتنا مع ما يطمحون إليه وما يتمنونه للمدينة». وتشرح ديان أن محافظ بعلبك بشير خضر، سيعمل على تأمين المعرض باتباع إجراءات السلامة نفسها التي تم اتخاذها أثناء المهرجانات. ومعلوم أن المدينة ليست بعيدة عن الحدود السورية مما يجعل البعض يتردد في الذهاب إليها. لكن ديان تشرح أن أحدًا من الفنانين الأجانب لم يساوره قلق، بل جميعهم كانوا متحمسين للفكرة؛ لما للقلعة من أهمية تاريخية، وشهرة لارتباطها بالفنون. وعملت المنظمتان على أن تكون المعروضات على مستوى المكان الذي شهد مرور حضارات كبرى، وبالتالي فإن الحدث لا بد أن يكون على قدر المتوقع منه. والقصد من المشروع ليس الربح، بل هو مدعوم من بنوك لبنانية، ويقام بالتعاون مع جمعية «STUDIACUR-ART» وهي جمعية غير ربحية مسجلة في فرنسا، وتهدف إلى دعم الفن المعاصر والفنانين في العالم، من خلال تنظيم معارض ومؤتمرات والحثّ على التنمية في مجال الفن. وكذلك، هناك نشاط مواز للمعرض تنظمه مؤسسة «APEAL»، تقوم به فرقة «زقاق» المعروفة بمواهبها الفنية، حيث سيتم تدريب مسنين من المدينة من الرجال والنساء لتقديم مسرحية عن الحياة في بعلبك، ويتم تسجيل العمل والتحضيرات له في فيلم وثائقي. و«أبيل» هدفها نشر الفنون خارج العاصمة، وألا تبقى حبيسة مدينة معينة، كما أنها تحضّر لافتتاح متحف للفن في بيروت بحلول عام 2020
ويعقد مؤتمر صحافي في 31 أغسطس (آب) الحالي، في مبنى منظمة اليونيسكو، في بيروت، للإعلان عن المعرض وتقديم المزيد من التفاصيل الفنية حول الأنشطة. ومعرض «الصدى الصامت» هو أول معرض للفن المعاصر يقام في متحف قلعة بعلبك الأثرية، وينظم برعاية وزارتي الثقافة والسياحة ومنظمة اليونيسكو وبلدية بعلبك.
والمعرض يشكّل حوارًا بين الآثار والفن المعاصر، ويستمر حتى 17 أكتوبر (تشرين الأول)، ويتم الافتتاح بحضور الفنانين اللبنانيين والأجانب المشاركين، وسياسيين ودبلوماسيين، وهواة وداعمين ومهتمين في الفن المعاصر، وأمناء متاحف ومؤسسات ثقافية ومعارض عالمية وفنانين عالميين.



عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف
TT

عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف

كنت أتهيأ للكتابة حين باغتتني رغبة في تصفح محتوى صفحة «الثقافة» في جريدة أجنبية. فوقع بصري، لحظة انبساط محتواها أمامي، على عنوان مُرَكبٍ من جزأين؛ الجزء الأول «مُلائِمَةٌ للقراءةِ في ليالي الشتاء»، وعرفت من الجزء الثاني أن الملائِمَةَ للقراءة هي عدد من روايات الجريمة يقترح مُعِدُّوها الاستمتاع بقراءتها في عطلة «الكريسماس». تلك قائمة لا أتوقع أن تقترحها الصحافة الثقافية العربية. «يا للمصادفة الغريبة» قلت في داخلي، فالمقالة التي كنت أنوي كتابتها تتمحور حول رواية الجريمة، أو الرواية البوليسية؛ لا أُفرقُ هنا بين النوعين. وكان للمصادفة امتداد آخر، إذ فرغت، وقبل قراءة تلك القائمة، من قراءة روايتين، هما روايتا جريمة «فسوق» لعبده خال، و«اللص والكلاب» للروائي العربي الكبير نجيب محفوظ.

عبده خال

ثنائية الركض والزحف

ركضت عبر «فسوق» عبده خال لأنها كانت القراءة الثانية، أو الثالثة؛ ووجدت في تعليقاتي وشخبطاتي في هوامش صفحاتها ما يغني عن قراءتها زاحفاً. أما أثناء قراءة رواية محفوظ، وكانت القراءة الثانية، كنت القارئ المتأني والبطيء لأنني لم أستطع مقاومة الرغبة في تفحص التقنية السردية فيها، ورصد لعبة الضمائر التي لا بد أن محفوظ استمتع بها أثناء الكتابة، واستمتع باستباق تلاعبه بالقارئ المحتمل بانتقاله من ضمير إلى آخر على نحو قد يجعل القراءة بطيئةً، أومُشوِشَّةً لبعض القراء.

يبدأ الفصل الأول بصوت السارد العليم - المحدود - بضمير الغائب: «مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن الجو غبار خانق وحر لا يُطاق. وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحداً» (5). وابتداءً من الكلمتين الأخيرتين من السطر الثامن، يتحول ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب المثنى، إلى صوت سعيد مهران مُخاطباً زوجتة سابقاً وزوجها الغائبين: «نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسماً واحداً؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديماً ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر» (5)، ثم إلى ضمير المتكلم «ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر» (5). وقبل نهاية الصفحة بسطرين، يتحول الخطاب إلى مونولوغ داخلي بضمير المُخاطب المفرد: «استعِن بكل ما أوتيت من دهاء، ولتكن ضربتك قوية كصبرك الطويل وراء الجدران» (5). وفي مكان آخر فيما بعد، يلتقي ضميرا المتكلم والمخاطب الجمع معاً في كلام سعيد مهران، وهو يتحدث إلى مستشارين متخيلين في محاكمة متخيلة: «لست كغيري ممن وقفوا قبلي في هذا القفص، إذ يجب أن يكون للثقافة عندكم اعتبار خاص، والواقع أنه لا فرق بيني وبينكم إلا أني داخل القفص وأنتم خارجه...» (100). من المستبعد ألا يتذكر البعض همبرت همبرت في رواية فلاديمير نابوكوف «لوليتا» وهو يخاطب المحلفين أثناء محاكمته. اللافت في الأمر أن سعيد وهمبرت «بطلان» مضادان «antiheroes»، ومُبَئِران، وساردان إشكاليان غير موثوقين في روايتي جريمة؛ سعيد مهران لص وقاتل، وهمبرت همبرت «بيدوفايل/pedophile/ المنجذب جنسياً للأطفال» وقاتل. مأزق أخلاقي يجد القارئ نفسه مُسْتَدْرَجاً إلى التورط فيه في حال تماهيه مع الشخصية جراء تقلص أو تلاشي المسافة الجمالية بينه وبينها.

البداية المُزاحة بالاستطراد

هنا البداية الأولى، الأصلية، للمقالة، وقد أزاحها إلى هذا المكان الاستطراد السابق، ولا أخفي أنني مِلْتُ إلى الاسترسال فيه. البداية الأصلية: الروائي والأكاديمي موكوما وانغوغي ودعوته في «نهضة الرواية الأفريقية» إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للقص الشعبي ومنه الرواية البوليسية؛ «جائزة القلم الذهبي» بكونها، في الأساس، مشروعاً يرفع القص الشعبي العربي من الهامش ويُنزله في المركز وبؤرة الاهتمام في المشهد الأدبي؛ ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن الرواية البوليسية في العالم وخُلُوِّه من أي ذكر لرواية بوليسية عربية واحدة، ثلاثة عوامل شكلت دافعاً على الكتابة عن الرواية البوليسية، وعن عبده خال، الذي أراه مشروع كاتب رواية بوليسية يعيش في كمون، أو لأقل، في حالة «توقف نمو» (ARRESTED DEVELOPMENT)، بغض النظر عمّا إذا كان يرى نفسه كذلك أم لا. الأمر مجرد رأي شخصي.

وانغوغي... الانحياز إلى الرواية البوليسية

بالإضافة إلى مناداته باعتبار الكتابات المبكرة - ما قبل جيل ماكيريري - جزءاً لا يتجزأ من «الخيال الأدبي والنقدي الأفريقي» (نهضة الرواية الأفريقية، 34)؛ دعا وانغوغي إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للأدب المكتوب باللغات المحلية وللأدب الشعبي، مؤكداً على الرواية البوليسية بالذات، واصفاً مجيء أدباء ماكيريري بأنه مثل «تسونامي أدبي» طمر الكتابات المبكرة «تحت سيل من الروايات الواقعية» التي كتبوها بالإنجليزية. وكانت قوة وزخم حركتهم السبب في إخفاق النقد الأدبي في استرداد الحقبة الأدبية المبكرة. لقد أرسى أولئك الأدباء تسلسلاً هرمياً «يعلي شأن كل ما هو أدبي على الفنون الشعبية» (253)، بينما الفجوة بين الأدبي والشعبي، في رأيه، مجرد تباينات سطحية، لا تعني له ولجيله شيئاً ذا بال، فهم يقرأون «الأدب جنباً إلى جنب الأدب الشعبي» أو يقرأون «ما هو أدبي مع ما هو شعبي في آن معاً» (255). ويرى أن النقد الأدبي الأفريقي الملتزم بالخط الفكري الممتد من تشينوا أتشيبي إلى تشيماماندا أديتشي كاذب ومزيف، وأنه ومجايليه يتطلعون إلى نقدٍ أدبي يتيح لهم قراءة الأعمال الأدبية لشكسبير وأتشيبي ونغوغي وا ثيونغو، على سبيل المثال، إلى جانب الروايات الشعبية والبوليسية.

الرواية الشعبية من الهامش إلى المركز

لا اسم في الذاكرة الأدبية العربية لناقد أو روائي أو أكاديمي عربي دعا، مثل وانغوغي، إلى الالتفات نقداً أو بحثاً إلى الرواية الشعبية العربية، فالمشهد العربي عموماً يشيح باهتمامه واعترافه بها عنها، وإن ينظر إليها فبنظرة دونية، باعتبارها أدباً من الدرجة الثانية، أو ليست من الأدب على الإطلاق. وكان الوضع سيستمر لو لم يطرح المستشار تركي آل الشيخ مشروع «جائزة القلم الذهبي»، لينقلها من الهامش إلى المركز، مثيراً بذلك موجات من التصفيق والترحيب، مقابل «حلطماتِ» وهمهماتِ رفضٍ لم يجرؤ على رفع صوته في وجه المشروع. الوضع سيكون مختلفاً تماماً لو لم يكن «الرسمي» مصدرَ القرار والتنفيذ لمشروع «القلم الذهبي».

في مقالته الموسومة بـ«جائزة القلم الذهبي وصناعة مشهد مختلف» المنشورة في مجلة «القافلة» (نوفمبر/ديسمبر 2024)، يكتب الأستاذ الدكتور حسن النعمي أن «جائزة القلم الذهبي»، «فريدة من نوعها في بناء جسور التلاقي بين الرواية والسينما» (31). ما أراه هو أن فرادة وتميز الجائزة ينبعان أساساً من التفاتها إلى المهمش، أو حتى غير المعترف به؛ القص الشعبي بطيف أنواعه. القص الشعبي هو الأساس والقواعد التي تبني عليها الجائزة «جسور التلاقي بين الرواية والسينما»، وما الرواية الأدبية «الواقعية» سوى مضاف إلى الجائزة على نحو استدراكي وعرضي.

وأتفق مع الدكتور النعمي في أن الجائزة ستصنع مشهداً مختلفاً، بيد أنه اختلاف من المحتمل أن يدفع، وعلى نحو لافت، بالقص الشعبي عموماً، والرواية البوليسية خاصة، إلى الواجهة، ما قد يؤدي إلى دخولها في مجال رادارت الصحافة والنقد. فتخرج الرواية البوليسية العربية من جب غيابها الملحوظ الذي ناقشته الصحافة العربية، وكُتِبَ عن أسبابه مراراً وتكراراً، قبل أن يتأكد - غيابها - عالمياً، أيضاً، من خلال ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية (جولة حول العالم عبر 80 رواية بوليسية). وكان عبده وازن (إندبندنت عربية) وباقر صاحب (جريدة «الصباح»)، ممن كتبوا عن هذا الغياب الذي وصفه وازن بالفادح.

غياب الرواية البوليسية في «المجلة العربية»

لم تسعفني ذاكرتي إلا برواية محلية واحدة (فسوق) عبده خال وأنا أفكر فيما أشارك به في ملف «المجلة العربية» عن غياب الرواية البوليسية العربية (نُشر الملف في 1/4/2011). «فسوق» رواية بوليسية بامتياز حتى وإن لم يصرح مؤلفها بأنها كذلك، لاحتوائها على عناصر الرواية البوليسية الثلاثة: الجريمة، نبش قبر جليلة محسن الوهيب وسرقة جثتها ومضاجعتها؛ «المجرم/السارق، داود الناعم/شفيق الميت»؛ التحقيق والقبض على المجرم. أو وفقاً لتنظير تزفيتان تودوروف في «تصنيف القص البوليسي»، يتألف المتن الحكائي في «فسوق»، كما في أي رواية بوليسية، من القصة الأولى، وهي سرقة جثة جليلة، والقصة الثانية، قصة التحقيق المنتهية بالتعرف على من سرق الجثة ليمارس معها «النكروفيليا». القصة الأولى، كما يُنَظِّر تودوروف، تحكي ما يحدث بالفعل، بينما تشرح الثانية، قصة التحقيق، «كيف عرف القارئ أو السارد» عنها. بالتحديد تنتمي «فسوق» إلى النوع المعروف باسم «police procedural»، القص البوليسي الذي تأخذ فيه إجراءات وأساليب عمل الشرطة موقعاً مركزياً في البنية والثيمات والحدث كما يوضح جون سكاغز في كتابه «قص الجريمة».

لم يخطر ببال عبده خال أنه سيصبح ذات يوم عضواً في لجنة تحكيمٍ روايات جريمة/بوليسية جزءٌ من مهمتها. ربما يحفزه هذا على السماح لكاتب «فسوق» في داخله بالنمو والتطور، ليكتب روايات بوليسية أخرى.

* ناقد وكاتب سعودي