أنقرة تدفع بمزيد من التعزيزات إلى الشمال السوري.. والمعارضة تمهل الأكراد 3 أيام للانسحاب شرقًا

مصادر ترجح أن يكون التوغل البري التركي خطوة باتجاه «المنطقة الآمنة»

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونطيره الاميركي جون كيري أثناء لقائهما في جنيف أمس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونطيره الاميركي جون كيري أثناء لقائهما في جنيف أمس (أ.ف.ب)
TT

أنقرة تدفع بمزيد من التعزيزات إلى الشمال السوري.. والمعارضة تمهل الأكراد 3 أيام للانسحاب شرقًا

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونطيره الاميركي جون كيري أثناء لقائهما في جنيف أمس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونطيره الاميركي جون كيري أثناء لقائهما في جنيف أمس (أ.ف.ب)

واصلت تركيا يوم أمس الجمعة، الدفع بمزيد من التعزيزات العسكرية إلى الداخل السوري، وبالتحديد إلى مدينة جرابلس الحدودية ومحيطها بأقصى شمال تركيا، ما يوحي بأن التواجد التركي في سوريا قد يستمر لفترة غير محدودة في ظل عدم استبعاد قوى المعارضة أن يكون التوغل البري لأنقرة خطوة باتجاه إنشاء «المنطقة الآمنة» التي كثر الحديث عنها في السنوات الخمس الماضية.
ناشطون أفادوا بأن أنقرة نشرت الجمعة 4 دبابات شوهدت تتجه صوب الحدود السورية بعدما جرى الدفع بأكثر من 10 دبابات يوم الخميس، وأشاروا إلى دوي انفجارات مصدرها جرابلس في مؤشر على استمرار العمليات فيها بعد إخراج تنظيم داعش منها بإطار عملية عسكرية مشتركة بين القوات التركية وفصائل الجيش السوري الحر بدعم جوي من التحالف الدولي.
وأعلن وزير الدفاع التركي، فكري إيشيك، أنه تم فرض السيطرة الكاملة على جرابلس، وأن قوات الجيش الحر بدعم تركي ماضية في تطهير محيط المدينة من مقاتلي التنظيم المتطرف. وأكد إيشيك أن العملية العسكرية حققت هدفين، الأول هو تأمين الحدود التركية، والثاني يتمثل بمنع وحدات حماية الشعب الكردية من الوصول إلى المنطقة.
وبهذا التدخل، منعت تركيا، أكراد سوريا من وصل مناطق نفوذهم في شمال شرقي البلاد في الحسكة وعين العرب (كوباني) بمنطقة عفرين الواقعة في شمال غربي ريف حلب، حيث بات الأكراد اليوم ملزمين بالبقاء شرق نهر الفرات، أي في عين العرب وريفها وامتدادًا إلى الحدود العراقية شرقًا، في حين بقي معقلهم الثالث في «جيب» عفرين، معزولاً في الغرب. أما قوات المعارضة، فقد وسّعت تمددها على الشريط الحدودي مع تركيا، بدءًا من جرابلس غرب نهر الفرات، وإلى العمق مسافة 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية، وهي تسعى لمواصلة المعارك غربا باتجاه محيط بلدة الراعي وريف مدينة أعزاز، لوصل مناطق نفوذها بأعزاز، ما يعني أنها تحاول التقدم غربا على طول 50 كيلومترًا. أما «داعش»، فهو موجود بريف جرابلس، وريف مدينة الباب (30 كيلومترًا شمال شرقي حلب)، ويمتد نفوذه من هناك عبر ريف حلب الشرقي إلى مدينة الرقّة، معقله الرئيسي في سوريا.
هذا، واستمر خلال الساعات الماضية السجال بين فصائل المعارضة السورية وميليشيات «قوات حماية الشعب» الكردية، التي أصرت على نفي التقارير التي أوردها المقاتلون المعارضون عن استمرار حضورها غرب نهر الفرات، وادعت الميليشيات الكردية أن من يعزز مواقعه في المنطقة وبالتحديد في جرابلس هما المجلسان العسكري والمدني للمدينة. كذلك ادعى عبد العزيز محمود يونس، مسؤول العلاقات العامة في ميليشيات «قوات سوريا الديمقراطية» (ذات الغالبية الكردية) في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «من يقول إنه اشتبك مع وحدات حماية الشعب غرب الفرات، إنما هو واهم ولديه تخيلات»، جازما بأنّه لم يعد هناك أي وجود للوحدات في المنطقة المذكورة. فلقد قال يونس إن «الوحدات أنهت مهامها التي توجت بتحرير منبج وريفها»، مدعيًا أن المجلسين العسكري والمدني للمدينة هما القوة التي تدير شؤونها حاليا، وأضاف: «أما الطرف الذي يقولون إنه يعزز مواقعه في جرابلس فهو المجلس العسكري للمدينة، وليس وحدات حماية الشعب».
في المقابل، قال ناشطون سوريون إن المعارضة المسلحة أمهلت ميليشيات «قوات سوريا الديمقراطية» 3 أيام للانسحاب من غرب الفرات في شمال سوريا. وأشار هؤلاء إلى نجاح المقاتلين المعارضين في بسط سيطرتهم على قرية العمارنة، الواقعة إلى الجنوب من جرابلس، بعد اشتباكات مع ميليشيات «وحدات حماية الشعب» الكردية. وأضافوا أن «الأمور تسير للأسوأ، باعتبار أن الوحدات الكردية تصر على البقاء غرب نهر الفرات».
ومن جهة ثانية، نقلت «شبكة الدرر الشامية» عن مصادر تأكيدها أن الطائرات والمدفعية التركية استهدفت يوم أمس مواقع سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، في محيط بلدتي منغ وتل رفعت في ريف حلب الشمالي. ونفى إدريس الرعد، الناطق باسم «فيلق الشام» نفيًا قاطعًا انسحاب الميليشيات الكردية إلى شرق نهر الفرات، لافتا إلى أنهم وبعكس ذلك تمامًا «يقومون حاليًا برفع سواتر ترابية في قرى متقدمة بريف جرابلس».
وللعلم، كان المتحدث باسم قوات التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، ستيف وارن، قد أعلن الخميس أن «قوات سوريا الديمقراطية» انسحبت إلى شرق نهر الفرات، مشيرًا إلى بقاء قوات أخرى منها لإنهاء عملية إزالة العبوات الناسفة بالمنطقة، وأن الوجهة القادمة ستكون مدينة الرقّة. ومن جهته، شدد ريدور خليل، الناطق الرسمي باسم ميليشيات «وحدات حماية الشعب» في بيان، على أن «لا أحد يستطيع التحجج بوجود وحدات حماية الشعب غرب نهر الفرات في مدينة منبج وريفها ليتذرع بمهاجمتها؛ لأنهم يعلمون علم اليقين أن وحداتنا انسحبت من تلك المناطق بعدما قدمت الدعم والمؤازرة للمجلس العسكري لمنبج وريفها لتحريرها من إرهاب (داعش)»، ونبّه بأن «أي اعتداء على منبج سيكون اعتداء على أهل منبج ومجلسيها العسكري والمدني اللذين في الأساس تم تشكيلهما من أهلها، وهم أولى بإدارة شؤون مناطقهم والدفاع عنها».
في هذه الأثناء، طالب ما يسمى بـ«لواء السلاجقة»، الذي أسس في عام 2013 وينشط ضمن ميليشيات «قوات سوريا الديمقراطية» في ريف محافظة حلب الشمالي، تركيا بـ«الانسحاب من الأراضي السورية فورًا»، معلنًا في بيان استعداد عناصره لـ«الدفاع عن أنفسنا والوقوف إلى جانب مجلس جرابلس العسكري وأبنائها لدحر الإرهاب ومختلف أشكال الاعتداء والاحتلال لمناطقنا في الشمال السوري». وفيما تقاطعت المعلومات عن توجّه ميليشيات «قوات سوريا الديمقراطية» بعد الضغط عليها للتراجع إلى شرق نهر الفرات لتحرير مدينة الباب بعدما أنهت تحرير منبج وريفها، أبلغت مصادر قيادية كردية «الشرق الأوسط» بأن مجلس الباب العسكري هو المخوّل باتخاذ الإجراءات والقرارات الخاصة بذلك، لافتا إلى أن «قوات سوريا الديمقراطية» ستدعم قرارات وخيارات المجلس المذكور.
وقد فتح الموقف الأخير الذي أدلى به نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، وقوله إن «الأتراك مستعدون للبقاء في سوريا ما لزم الأمر للقضاء على تنظيم داعش»، الباب واسعا أمام طرح المنطقة الآمنة التي لطالما سعت إليها تركيا والمعارضة السورية. وكتب المعلق في صحيفة «حرييت» التركية عبد القادر سلفي، أن الهدف من العملية «درع الفرات» يتضمن إقامة منطقة آمنة خالية من المجموعات الإرهابية، ووضع حد لتقدم الميليشيات الكردية. وأضاف أن 450 جنديًا شاركوا في العملية خلال اليوم الأول للهجوم، لكن الرقم قد يرتفع إلى 15 ألفًا، على حد تعبيره.
وحول موضوع «المنطقة الآمنة»، رجّح هيثم المالح، رئيس اللجنة القانونية في «الائتلاف» السوري المعارض، أن يكون التوغل البري لأنقرة خطوة أولى باتجاه المنطقة الآمنة، باعتبار أن الوقت بات مناسبا لتحقيقها. واعتبر ميشال كيلو، عضو «الائتلاف» والمعارض السوري البارز أن مسألة المنطقة الآمنة «لا تزال غير محسومة» باعتبار أن الأتراك «يشترطون أن يؤمن التحالف الدولي الغطاء الجوي لهذه المنطقة، وحتى الساعة فإن أنقرة لم تتلق أي أجوبة واضحة في هذا الخصوص». وقال كيلو لـ«الشرق الأوسط» إن «المنطقة الآمنة بحاجة لإتمام جملة من التفاهمات بخصوصها، وأبرزها تفاهم وتناغم أميركي – روسي»، مرجحا أن تؤدي جملة المتغيرات التي شهدها الميدان السوري وبخاصة الدخول التركي البري إلى الأراضي السورية إلى تقريب الحل السياسي المنشود. وأضاف كيلو: «أنقرة على استعداد للقيام بكل ما يخدم أمنها ومصلحتها ووحدتها، والخطوة الأخيرة التي قامت بها تندرج في هذا السياق».
من جهته، قال المالح لـ«الشرق الأوسط»، إن تركيا ما كانت لتقوم بالتوغل في سوريا لولا تحسين علاقتها بروسيا، لافتا إلى أن «الهدف المعلن لهذه الحركة هو محاربة (داعش)، لكن الغرض الأساسي منها مواجهة الـPYD الذي يشكل عبئا على الثورة السورية، قبل أن يشكل عبئا على الأتراك».



مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».