عالم الموضة ينعى وفاة المخضرمة سونيا ريكييل

المصممة التي طوعت الصوف وحببت المرأة فيه

في نهاية عرضها عام 1987
في نهاية عرضها عام 1987
TT

عالم الموضة ينعى وفاة المخضرمة سونيا ريكييل

في نهاية عرضها عام 1987
في نهاية عرضها عام 1987

أن يصدر بيان عن مكتب الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، ينعى فيه وفاة مصممة الأزياء سونيا ريكييل، فهذا يدل على أن الموضة مؤسسة لها شأن كبير في فرنسا، وأن المصممة التي توفيت عن عمر 86 عاما كانت لها مكانة مهمة في هذه المؤسسة، وهذا ما أشار إليه البيان بالقول إنها «لم تخترع الموضة فحسب، بل اخترعت أسلوبا يعكس متطلبات امرأة عصرية تريد الانطلاق والتحرر من القيود».
ورغم أن لغة البيان تتضمن مبالغة ترتبط عادة بأخبار النعي، فإنه لا أحد يُنكر تأثير سونيا ريكييل على الموضة الفرنسية، وعلى أذواقنا. فملكة الحياكة، كما كانت تُعرف، هي التي حببتنا في الصوف عندما منحته مرونة وخفة وألوانا غير مسبوقة. فقد كانت بدايتها في الستينات مع فساتين الحوامل المغزولة بالصوف. فقط طوعت خيوطه، ومنحته مرونة تتيح حرية الحركة، كما تموه على عيوب الجسم، وهو ما كان يخيف المرأة عموما من هذه الخامة. إضافة إلى هذا، اجتهدت في أن تجعله دافئا في الشتاء مُنعشا في الصيف، من دون أن تنسى أن تحقنه بجرعات قوية من الألوان، الأمر الذي أضفى عليه كثيرا من الشقاوة المطبوعة بالأسلوب الباريسي؛ هذا الأسلوب المتوهج الذي ظل مرادفا لاسمها إلى أن تقاعدت مُسلمة المشعل إلى ابنتها ناتالي.
ولدت سونيا ريكييل في عام 1930، واشتهرت في ساحة الموضة الفرنسية في بداية الستينات والسبعينات بأسلوبها الخاص أولا، وبشعرها الأحمر البرتقالي ثانيا. ورددت في كثير من مقابلاتها أنها دخلت عالم الموضة بمحض الصدفة، ولم تكن تتوقع النجاح والاستمرار. كانت البداية وهي حامل بمولودتها (ناتالي)، حيث تشجعت على تصميم مجموعة خاصة بالحوامل، طرحتها للبيع في محل يملكه زوجها، فلقيت إقبالا غير متوقع شجعها على الاستمرار. وسرعان ما أصبحت الأزياء وسونيا ريكييل بشعرها البرتقالي المتمرد عنوانا للتمرد، وتجسيدا لتحرر المرأة من التابوهات المتعلقة بالموضة ومفهوم الجمال. وفي عام 1968، افتتحت أول محل لها في باريس، وتحديدا في منطقة «سان جيرمان» البورجوازية، وضمت لائحة زبوناتها نجمات من عيار أودري هيبورن، وبريجيت باردو، وكاثرين دونوف، وغيرهن. وفي السبعينات، وصفتها مجلة «ويمنز وير دايلي» بـ«ملكة الصوف»، وهو اللقب الذي لا تزال محافظة عليه، حتى بعد حصولها على وسام الشرف الفرنسي في عام 2009 لعطاءاتها وتأثيرها في مجال الموضة. ومنذ عامين، أعلنت أنها تعاني من مرض باركينسز منذ 15 عاما تقريبا.
تجدر الإشارة إلى أن مواهبها لم تقتصر على التصميم فحسب، حيث شملت أيضًا تأليف القصص، ومنها قصة تتبع حياة فستان، كما ظهرت في لقطة من فيلم «بريت أبورتيه» للمخرج روبرت ألتمان، في عام 1994.
والآن، لا تزال ابنتها ناتالي تتبوأ منصبا شرفيا كرئيسة للدار، بعد أن تولت مهمة مديرة فنية لفترة قصيرة شهدت فيها الدار تراجعا في مبيعاتها، الأمر الذي دفع إلى إعادة النظر في بعض الاستراتيجيات وترتيب الأوراق. وكانت النتيجة تولي المصممة جولي دو ليبران هذه المهمة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».