«نجم سهيل» يظهر اليوم معلنًا تباشير انتهاء {اللّهاب} وقدوم الأمطار

العرب تغنوا به.. والأميركيون وجهوا من خلاله مركباتهم الفضائية

«نجم سهيل» يظهر اليوم معلنًا تباشير انتهاء {اللّهاب} وقدوم الأمطار
TT

«نجم سهيل» يظهر اليوم معلنًا تباشير انتهاء {اللّهاب} وقدوم الأمطار

«نجم سهيل» يظهر اليوم معلنًا تباشير انتهاء {اللّهاب} وقدوم الأمطار

يحل اليوم، موسم «نجم سهيل»، معلنًا انتهاء فصل الصيف اللاهب الذي سجل هذا العام درجات حرارة عالية، وشبه ثابتة في معظم مناطق الجزيرة العربية والخليج العربي، لم تشهدها المنطقة منذ عشرات العقود.
ويترقب السكان في هذه المناطق، فجر اليوم دخول نجم أو نوء سهيل، بالتزامن مع طلوع منزله الطرفة في برج الأسد، ويعد هذا النجم من أكثر نجوم السماء لمعانًا، ويبلغ طول موسمه 53 يومًا، مقسمة على أربعة منازل من منازل القمر، وهي: الطرفة ومدتها 13 يومًا، وهي آخر نجوم فصل الصيف، وفيها يبرد الجو نسيبًا، والثانية الجبهة ومدتها 14 يومًا خلافًا لباقي نجوم العام، وهي أولى نجوم فصل الخريف، ومعها يبرد الجو ليلاً ويتحسن الطقس نهارًا، أما الثالثة فهي الزبرة، ومدتها 13 يومًا، وفيها تزداد برودة الليل، حتى إنه ينصح في بعض أيامه بعدم النوم تحت أديم السماء لشدة البرد، والرابعة الصرفة وهي آخر نجوم سهيل وتمتد لمدة 13 يومًا، وسميت بذلك لانصراف الحر نهائيًا عند طلوعها.
ويعد نجم سهيل في الدرجة الثانية من حيث اللمعان بين نجوم السماء بعد الشعرى اليمانية، وظهوره مؤشر على بداية انتهاء ريح السموم، وبشير خير بقرب هطول الأمطار واستفادة الأرض منها، وقد قيل قديمًا: إذا طلع سهيل لا تأمن السيل. وفيه يتوفر الرطب لكنه هذا العام خالف هذه القاعدة فظهر مبكرًا لشدة الحرارة، حيث إن المثل يقول: إذا طلع سهيل تلمّس التمر بالليل.
وشكل نجم سهيل الذي ارتبط ظهوره بدلالات كثيرة أهمها: قصر النهار، وبرودة الجو نسبيا، اهتماما لدى العرب وخصوصا سكان الجزيرة العربية منذ القدم وإلى اليوم حيث تغنى به الشعراء، فالشاعر الكبير أبو العلاء المعري شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء الذي لم يشاهد النجوم واهتم بالفلك وهو الأعمى، ذكر نجم سهيل بقوله:
وسهيل كوجنة الحب في اللون *** وقلب المحب في الخفقان
أما مالك بن ريب الذي عاش وسط الجزيرة العربية فقد ذكر نجم سهيل عندما حضرته المنية في مدينة «مرو» وهو عائد من خراسان وشارك مع سعيد بن عثمان بن عفان والي خراسان في إحدى المعارك هناك بقوله في قصيدته اليائية الشهيرة التي يرثي فيها نفسه:
ولما تراءت عند مرو منيتي *** وحل بها جسمي وحانت وفاتيا
أقول لأصحابي ارفعوني فإنه *** يقر بعيني أن «سهيل» بداليا
وروي أن والي الطائف قد زوج فتاة تدعى «ثريا» من فتى يدعى «سهيل»، وكان عمر بن أبي ربيعة الشاعر قد شغف بهذه الفتاة حبا فأنشد يقول:
أيها المنكح الثريا سهيلا *** عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت *** وسهيل إذا استقل يماني
وفي البيت الثاني إشارة إلى التقسيم العربي للنجوم، إلى شمالية (شامية)، وجنوبية (يمنية)، والتأكيد من الشاعر على استحالة أن يلتقي النجمان، وقد عرف الأتراك سهيل بهذا الاسم العربي، للنجم المثير والأكثر ذكرا واهتماما عند العرب.
وفي العصر الحديث اتخذت المراكز الفضائية ومنها وكالة الفضاء الأميركية نجم سهيل وسيلة من وسائل تحديد الملاحة الفضائية، فمن خلال تحديد موقع سهيل يتم تحديد ثم توجيه بعض السفن والمركبات الفضائية إلى مساراتها البعيدة عن الكون.
وقد تم تصنيف نجم سهيل من النجوم ذوات العمر القصير بعد أن قدر العلماء عمر هذا النجم بـ27 مليون سنة، وهو عمر يعد تحد الحد الذي تنفجر عنده النجوم لتتحول إلى ثقب أسود، كما لم يتم تحديد بعد النجم المضيء إلا في التسعينات، حيث رجح العلماء هذه المسافة بنحو 1200 سنة ضوئية.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)