رحل الفنان اللبناني سمير يزبك عن عمر يناهز السابعة والسبعين بعد معاناة مع المرض. فصاحب لقب الحنجرة الذهبية ودّع الحياة في مستشفى «قلب يسوع»، بعد أن أدخل إلى قسم العناية الفائقة إثر امتلاء جسده الرقيق بالمياه. فهو أصيب منذ عدة سنوات بمرض عضال (في حنجرته) وفقد بعدها صوته إثر عملية جراحية أجريت له، فبقي يتواصل مع المقرّبين منه بالورقة والقلم. «لقد تعذّب كثيرًا وعانى من الكآبة، إلا أنه بقي رجلاً مؤمنًا حتى آخر لحظة من حياته». تقول زوجته حنان التي أضافت بغصّة في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أوصاني بأولادنا، وطلب منّي أن أحثّهما دائمًا على فعل المحبّة وبأن تكون تاجًا يكلّل حياتهما دائمًا». ووصفته بالقول: «لقد كان مثاليًا في تعامله مع الآخرين، لم يتشاجر يومًا مع أحدهم، بل كان يحبّ الحق ومدافعًا عنه أبدًا». وعن رأيه بالساحة الفنية قالت: «لطالما كان يرددّ أمام الأصدقاء بأنه علينا إعطاء الفرص للمواهب الفنيّة، التي يجب أن تغوص في الفن لا أن تطفو على وجهه، فيتوجّب علينا دعمها وإعطاؤها الوقت الكافي لذلك».
قلّة من الفنانين كانت لا تزال تتواصل مع سمير يزبك إثر معاناته مع المرض. ويقول أمير يزبك أحد الفنانين الشباب الذي تربطه بالفنان الراحل علاقة قرابة وصداقة وطيدتين: «لا أستطيع عن أتحدّث اليوم عن سمير يزبك، فأنا مصاب بحزن كبير، فهو كان بمثابة أبي الروحي، وكنت أتردد إلى منزله دائمًا ورافقته في أصعب أيامه. لقد رحل صاحب الحنجرة الجبلية تاركًا خلفه فراغًا كبيرًا، هو الذي لقّب بملك العتابا والميجانا والفولكلور اللبناني الأصيل».
يجمع كلّ من عرف سمير يزبك بأنه كان فنانًا لا يشبه غيره، إن بشخصيّته اللطيفة أو بصوته الحنون. ويعلّق أحد زملائه جوزف عازار الذي بدأ مشواره الفنّي بالتوازي معه: «لقد بدأنا مشوارنا معًا منذ أوائل الستينات، في مسرحية دينية عرضت على مسرح (مدرسة الفرير) في منطقة رأس بيروت. وبعدها كرّت السبحة لنعمل معًا في مسرحية (الشلال) عام 1963 التي قدّمناها في بعلبك بإدارة وإخراج روميو لحّود. وبقينا معًا في السنوات المتتالية، بحيث عملنا لمدة 10 سنوات في مسرحيات عدة (موّال والفرمان والقلعة) وغيرها، ودائمًا مع الفنان روميو لحود. فلقد كان رفيق درب وصديقًا وفنانًا حقيقيًا إن بموهبته أو بصوته المختلف». ويتذكّر: «آخر مرة التقيته كان في حفلة تكريمه في بلدته رمحالا (قضاء عاليه)، منذ نحو ثلاث سنوات عندما رفع له نصبًا هناك تحيّة لمشواره الفنّي الأصيل، يومها جاءنا خبر وفاة وديع الصافي، فحزن كثيرًا، هو المعروف بإحساسه المرهف».
أما روميو لحّود الذي تبنّى موهبة سمير يزبك منذ كان في الثالثة والعشرين من عمره، فيقول في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هو فنان لن يتكرر وصباح اليوم كان مظلمًا في غياب سمير يزبك، لقد تأثّرت كثيرًا برحيله، وهو الذي عمل معي لسنوات طويلة. فكان الفن يغمره من رأسه حتى أخمص قدميه، لديه أسلوبه الخاص في الأداء، ذواقة فن وغناء، وقلّة من الفنانين لديها تلك الصفات». وتابع: «لقد كان يقوم بتمرينات يومية لصوته، ولا أذكر أنني تجادلت معه أو تسبّب لي يومًا بالمشكلات. ولقد حقّق نجاحات كبيرة إن من خلال أغنيته (دقّي دقّي يا ربابة) أو (وينك يا خيّال) أو (موجوع)، وهذه الأغاني كرّسته فنانًا عربيًا شاملاً، إذ كان إلى جانب غنائه الجميل يعزف على العود ويلحّن موسيقى أغانٍ له ولغيره». ويختم روميو لحوّد: «لقد شهد سمير يزبك عصره الذهبي في سوريا، حيث اعتبره أهلها مغنّيهم المفضّل، فتم دعمه بشكل كبير من قبلهم، فكان يقدّم الحفلات الغنائية هناك الواحدة تلو الأخرى».
خسارة الساحة الفنية للفنان سمير يزبك ترجمها اللبنانيون على وسائل التواصل الاجتماعي كلّ بأسلوبه وعلى طريقته. فكتب الإعلامي جمال فيّاض: «يا ذاكرة حلوة نصحو اليوم على غيابك وأنت الغائب في الألم منذ أمس طويل.. وداعًا أيها الطبيب الموجوع من سنين وفي قلبك سكن اللهيب». فيما غرّدت الإعلامية ريما نجيم تقول: «وصرت أتمنى المغيب عن أرض ما إلنا بسعادتها نصيب، إلى حيث ربّ العالمين يمسح كلّ دمعة ويشفي الأوجاع»، مستوحية كلمتها من أغنية «موجوع» للفنان الراحل.
أما الفنانة إليسا فغرّدت تقول: «لقد استيقظت على خبر محزن، وهو غياب أحد عباقرة الفن في لبنان، رحمك الله سمير يزبك».
وكان للفنان الراحل مشوار فني غني، فقدّم أكثر من 300 أغنية «يا مصوّر صوّر» و«هزّي بمحرمتك» و«حنّي يا حنونة» و«اسأل علي الليل» و«دخلك يا حلوة بردان»، وغيرها من مسرحيات أمثال «موسم العزّ» و«البعلبكية» و«جسر القمر» و«فينيقيا». ولم يشارك الراحل سوى في فيلمين سينمائيين؛ «حبيبتي» و«الصحافية الحسناء». أما أحدث ما قاله عن الفن فكان خلال تكريمه في بلدته رمحالا: «الإبداع انتهى برحيل الرحابنة ونصري شمس الدين ووديع الصافي وفيلمون وهبي وزكي ناصيف وغيرهم. اليوم صار عصر الكومبيوتر بمثابة السجن لإبداعات أطفالنا وخيالهم، وقد اختفت الألحان والكلمات الجيّدة».
أما مراسم وداعه فستقام غدًا الأربعاء في بلدته رمحالا، حيث من المتوقّع أن يتم تكريمه رسميًا فيقلّد وسام شرف، وهو الذي كان يردّد دائمًا بأن الفنان يفضّل أن يكرّم في حياته وليس في مماته.
رحيل الفنان سمير يزبك صاحب الحنجرة الذهبية عن 77 عامًا
فقد صوته منذ سنوات وأوصى زوجته بأولادهما
رحيل الفنان سمير يزبك صاحب الحنجرة الذهبية عن 77 عامًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة