انطلاق «أسبوع الفن الإسلامي» في لندن: في مزاد كريستيز خزف ومخطوطات وسجاد.. وعلب من الذهب للملك فاروق

جانب من السجاد المعروض (تصوير جيمس حنا)
جانب من السجاد المعروض (تصوير جيمس حنا)
TT

انطلاق «أسبوع الفن الإسلامي» في لندن: في مزاد كريستيز خزف ومخطوطات وسجاد.. وعلب من الذهب للملك فاروق

جانب من السجاد المعروض (تصوير جيمس حنا)
جانب من السجاد المعروض (تصوير جيمس حنا)

تحتفل دور مزادات لندن هذا الأسبوع بأسبوع الفن الإسلامي والهندي والفن الاستشراقي، وتتنافس الدور الكبرى في تقديم كنوز متنوعة بعضها ينتمي إلى مجموعات ملكية أو إمبراطورية وبعضها يحمل لمحات تاريخية خاصة وأغلبية القطع المعروضة تقدم لنا حرفا أجادها الصناع في المشرق ولم يبق منها سوى نماذج محدودة. وكان لـ«الشرق الأوسط» جولة خاصة في أقبية داري مزادات كريستيز وسوذبيز للاطلاع على أهم القطع المعروضة للبيع في الموسم الذي ينطلق غدا الثلاثاء.

في قبو كريستيز تأخذنا رئيسة قسم الفن الإسلامي سارة بلمبلي في جولة جديدة مع أهم القطع التي يقدمها موسم مزادات الفن الإسلامي الذي ينطلق غدا ويستمر حتى الجمعة. القطعة الأبرز نموذج للفن التركي العثماني، هو وعاء نادر من خزف إزنيق يعود إلى عام 1510 زين داخله باللون الأزرق بينما زين وسطه بالأرابيسك مع رسوم لأشجار السرو المتمايلة. ومن خزف أزنيق أيضا قطعة تشبه المصابيح التي توضع في المساجد وقد تكون قد خدمت هذا الغرض لولا أن القطعة صماء لا يوجد بها فتحات لخروج الضوء ما عدا ثقبين وضع فيهما حلقتان معدنيتان للتعليق. تشير بلمبلي إلى أن القطعة هي واحدة من مجموعة موجودة في متحف توب كابي بإسطنبول وتضيف «لا يبدو أنها استخدمت للإضاءة ولكن هناك احتمالا أن تكون استخدمت لتزيد من تردد الصوت في المسجد، واحتمال آخر بأنها استخدمت للزينة فقط».
من المعروضات في مزاد العالم الهندي حلية مصنوعة من حجر اليشم ونقشت عليها «آية الكرسي» بالذهب وثبتت في برواز ذهبي تحمل نقوشا بديعة في الخلف تقول بلمبلي: «تعود القطعة إلى عام 1598 (1006 هجرية) في عصر المغول وتعتبر من أقدم القطع التي استخدم فيها حجر اليشم ويعتقد أنها صنعت للإمبراطور جاهانغير. ويعتقد أنها صنعت بغرض علاج اضطراب في ضربات القلب».
ومن حجر اليشم أيضا نرى مقبض خنجر مطعما بالذهب والأحجار الكريمة تميز بالمزج بين حجرين في إطار ذهبي واحد وهو أمر نادر ويحتاج إلى مهارة عالية.
من المخطوطات النادرة مصحف من أفغانستان يتميز بكتابة المصحف كله بماء الذهب والتفاصيل البديعة في الصفحات الأولى. تقول بلمبلي: «أمر نادر أن نرى مصحفا مكتوبا بالكامل بالخط الذهبي، وإن كان اسم الخطاط غير معروف فهو لم يوقع باسمه كما جرت العادة وقد يكون ذلك من باب التواضع. يوجد مصحفان مماثلان في متحف توبكابي». مخطوطة أخرى تضعها أمامنا بلمبلي وهي للخطاط سلطان محمد نور من أشهر خطاطي النستعليق في زمنه، تمتاز أيضا المخطوطة بأن كل صفحة بلون مختلف وتحمل النقوشات والزخارف التي توضع عادة في أول صفحتين.
ومن القرن العشرين يضم المزاد أيضا علبتين من الذهب الخالص لحفظ السجائر عليهما شعار الملك فاروق ملك مصر السابق، وأيضا إناءين من الفضة يحملان شعار الخديو إسماعيل.

* سجاد مملوكي وعثماني

* من ضمن 145 سجادة شرقية التي تبرز في المزاد هناك 26 قطعة من مجموعة الراحل بيتر ليمان - بارينكلو، جامع من هامبورغ الذي كان قد جمع بشكل دءوب مجموعة غير عادية من المنسوجات طوال حياته. من ضمنها قطعتان فريدتان إحداهما صنعت في القاهرة في العصر المملوكي وتعد مثالا - للنسيج المحكم النادر وتوضح تماما تحول النسيج في مصر في أوائل القرن 16 بعد الغزو العثماني من 1517. السجاد المملوكي في مصر من أقدم وأروع النماذج السجاد الموجودة حاليا وتتميز تصاميمها بتشابكات هندسية معقدة من الخيوط الملونة. وبعد سقوط القاهرة أمام الغزو العثماني في 1517 كان على ورشات عمل السجاد في القاهرة التكيف مع ذوق النظام العثماني الجديد وبدأت في الجمع بين جماليات التصميم التركي مع المواد والتقنيات لإنتاج السجاد المملوكي.

* ألف عام من الفن الإسلامي والهندي والاستشراقي في مزاد سوذبيز

* في سوذبيز التقينا مع بنديكت كارتر رئيس مبيعات المزادات في سوذبيز في الشرق الأوسط فقال إن المزاد يضم 237 قطعة تم اختيارها بعناية، يشير إلى أن هناك اهتماما واضحا من مقتني بعض القطع، هل ينبئ هذا عن موجة نشاط في سوق الفن الإسلامي؟ يقول: «من الصعب التنبؤ بما يحدث في هذه السوق تحديدا ولكن هناك مجموعة من جامعي التحف والمؤسسات تبدي اهتماما دائما بمزادات الفن الإسلامي طالما كان المعروض متميزا».
أهم قطعة في المزاد هي لوحة بورتريه من الفن الملكي القاجاري تصور فتح علي شاه وتتراوح قيمتها التقديرية ما بين اثنين ونصف مليون دولار وأربعة ملايين دولار أميركي. يشير كارتر إلى أن اللوحة تظهر في السوق للمرة الأولى منذ بيع في عام 1975. ورغم أن للسلطان فتح شاه عدد من البورتريهات الشخصية إلا أن هذه القطعة تحديدا تختلف في وجود شخص آخر معه وهو حفيده وخليفته. ومن خلال اللوحة أيضا يبدو أسلوب الفنان مهر علي وهو من الرسامين المفضلين لدى البلاط القاجاري، وما اشتهر به من دقة ووضوح خاصة في تصوير كل تفاصيل رداء الملك والجواهر التي تزين رداءه وعمامته وأيضا «الشيشة» التي وضعت أمامه، ويعلق كارتر هنا «في العادة يصور السلطان وهو يحمل سيفا أو خنجرا ولكن الشيشة تظهر لأول مرة في صوره وقد يكون ذلك لنقل جو من الارتخاء خاصة مع وجود شخص حفيده (الشاب) إلى جانبه».
والسلطان فتح علي شاه هو أحد سلاطين الأسرة القاجارية البارزين الذين حكموا بلاد فارس، وقد تميزت فترة حكمه الطويلة بالهدوء والأمان مع التركيز على التنمية الثقافية. وبصفته راعيا كبيرا للفنون، كلف فتح علي شاه عددا من الفنانين بأن يرسموا له لوحات بورتريه بالحجم الطبيعي، حيث كان يستخدم هذه اللوحات كوسيلة لتخليد حكمه من خلال الترويج الإعلامي.
ومن الأندلس يعرض كارتر إناء فخاريا مزينا برسم نسر ضخم ويقول «من النادر أن نرى قطعا مشابهة تعود للأندلس في الأسواق وهذا يفسر التنافس على شرائها متى ظهرت».
لا يكتمل مزاد للفن الإسلامي دون وجود الجواهر، وهنا يعرض لنا كارتر قطعا من مجموعة تعود للمغرب صنعها صائغ يهودي، «اعتاد الحرفيون اليهود على صياغة الجواهر للأعراس وفي هذه المجموعة التي باعت سوذبيز بعض القطع منها العام الماضي تتميز بصياغة دقيقة وجودة في الأحجار الكريمة المستخدمة». بعض الجواهر يغري باستخدامه، وخصوصا في القطع التي تمتاز بحالة جيدة، يشير كارتر إلى أن بعض المشترين يرتدون بالفعل بعض القطع خاصة الأقراط والأساور ويضيف «الجواهر المغربية والتي صنعها صاغة يهود دائما تحقق مبيعات عالية وقد يكون الشاري مقتنيا للتحف أو أحد المتاحف، فهناك دائما من يهتم بجمعها».
لا يختلف اثنان على جمال وجاذبية البلور الصخري الذي اعتاد الحرفيون على نحته لتكوين قطع مميزة تحب العين محاولة سبر أغوارها. من البلور الصخري في هذا المزاد هناك قطعتان الأولى هي مرصعة بالجواهر من العهد المغولي، الهند، تعود للقرن الـ18 للميلاد تقريبا، تبلغ قيمتها التقديرية ما بين 50 و85 ألف دولار أميركي. وتتميز الكأس بعروق الذهب التي تخيط بها تمثل أغصان الأشجار وتكمل زينتها بزهور من الياقوت والماس. القطعة الأخرى من البلور الصخري صغيرة ويمكن تخبئتها في راحة اليد، لا يبدو لها وظيفة محددة إلى أن نعرف أنها واحدة من مجموعة من قطع الشطرنج
تعود إلى القرن الـ21 للميلاد، وهي تشكل مثالا نادرا على فن النحت على مادة البلور الصخري في العهد الفاطمي، كما تقدم إضافة حقيقية إلى المجموعة المهمة من قطع الشطرنج الشهيرة التي تعود إلى تلك الحقبة التاريخية. ونظرا للمواد الفاخرة التي صنعت منها، تنتمي هذه القطعة على الأغلب إلى مجموعة من قطع اللعب التي صممت خصيصا لأحد كبار النبلاء.
باقي قطع المجموعة كما يشير كارتر يتوزع ما بين متحف فيكتوريا آند ألبرت في لندن ومجموعة الصباح في الكويت.
يشير كارتر إلى علبة لحفظ الأقلام مصنوعة من الفضة «هذه القطعة من أجمل الاكتشافات، تعود إلى القرن الـ17 العصر العثماني وتحمل طغرة السلطان محمد الرابع، تتميز بزهور التيوليب التي تميز الفن العثماني».
أما بالنسبة للمعروضات المتعلقة بمكة المكرمة فيضم المزاد ستارة عثمانية لباب الكعبة تحمل طغرة السلطان عبد الحميد وخريطة مبسطة لمكة خطها عبد العزيز حسني يعود تاريخها إلى القرن الـ19. وتحتوي هذه الخريطة على المقاييس الدقيقة للحرم المكي الشريف، مع توضيحات مفصلة عن الأماكن المقدسة وغيرها من المباني المحيطة بالمسجد الحرام. وتضم هذه المجموعة أيضا قطعة بلاط خزفي قيمة من مدينة إزنيق التركية عليها رسم الكعبة المشرفة، وتعود إلى القرن الـ17 للميلاد. ويمكن العثور على قطع مماثلة من البلاط في عدد من المتاحف العالمية، مثل المتحف البريطاني، ومتحف فيكتوريا وألبرت في لندن، ومتحف اللوفر في باريس، ومتحف متروبوليتان للفنون في نيويورك.

* في مزاد الفن الاستشراقي

* أما مزاد الفن الاستشراقي الذي تقيمه الدار غدا فيضم مجموعة من اللوحات لكبار الفنانين في أوروبا وأميركا ممن زاروا المشرق العربي ونقلوه عبر لوحاتهم للغرب، مثل جيروم ودينيه ولوفيغ دويتش وفريدريك آرثر بريدجمان. اللوحة الأبرز في المزاد هي التي رسمها لودفيغ دويتش لدى زيارتها للقاهرة وصور فيها مسيرة المحمل في شوارع القاهرة القديمة. نرى من خلالها أيضا تأثر الفن بالفن التأثيري. اللوحة رغم أنها تصور مرور المحمل إلا أن الفنان يغلف المحمل بغلالة من الدخان الكثيف الصادر من المباخر التي يحملها الحراس والمشاركون في المسيرة. ويبقى المحمل في خلفية الصورة مهيمنا على المشهد ولكن التفاصيل التي تجذب عين الفنان هي الأشخاص حول المحمل وفي أسفل الصورة، نرى ابتساماتهم وفرحتهم بالمشهد أمامهم ونلاحظ أيضا شخصية الدرويش الذي يرتدي مزيجا من الملابس الملونة.
يشير كلود بيننينغ رئيس قسم اللوحات الاستشراقية في سوذبيز أيضا إلى لوحة للفنان الإيطالي كارلو بيسولي صور فيها إسطنبول «هذه هي المرة الأولى التي تعرض فيها هذه اللوحة في مزاد فقد ظلت ضمن ممتلكات عائلة الفنان منذ عام 1847». هناك أيضا لوحة تصور بازار النحاسين في القاهرة للفنان الإنجليزي المعروف ديفيد روبرتس من عام 1842 وتتميز بأنها واحدة من مجموعة محدودة من اللوحات كبيرة الحجم التي نفذها الفنان وفيها تخلى عن الألوان المائية التي تميز لوحاته الأخرى واستخدم الألوان الزيتية. ومن القاهرة إلى الصحراء الجزائرية عبر لوحة للفنان إتيان دينيه الذي وقع في عشق الجزائر بعد أن زارها وقرر الإقامة فيها واعتنق الإسلام وركز جل اهتمامه على تصوير حياة القبائل في الجزائر. يشير بيننينغ إلى اللوحة «المالك الحالي للوحة ابتاعها من والدة الفنان ولم تعرض من قبل في الأسواق».
وبالنسبة لجاذبية الفن الاستشراقي للمقتنين الآن يقول بيننينغ إن جمهور الفن الاستشراقي اختلف بشكل واضح. فبعد أن كان متوجها بشكل أساسي للشخص الأوروبي لينقل له عالم الشرق الغامض والساحر، أصبح يلقى اهتماما خاصا من المقتنين في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما. يفسر الاهتمام «المثير في الأمر هو أن الطلب على لافن الاستشراقي تحول من الغرب إلى البلاد التي صورها الفنانون الغربيون في تلك اللوحات. لقد رأينا ارتفاع عدد المقتنين الأفراد والمؤسسات على حد سواء في شمال أفريقيا ومصر ومنطقة الخليج العربي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».