قناة تلفزيونية جديدة مخصصة للعاصمة البريطانية

«لندن لايف».. تعكس التوجه الجديد للبث المحلي

قناة تلفزيونية جديدة مخصصة للعاصمة البريطانية
TT

قناة تلفزيونية جديدة مخصصة للعاصمة البريطانية

قناة تلفزيونية جديدة مخصصة للعاصمة البريطانية

مع الطفرة التي يشهدها العالم في عدد القنوات التلفزيونية والمحطات الفضائية، فليس غريبا أن تضاف واحدة أخرى إلى القائمة. فقد بدأت قناة أرضية جديدة البث رسميا قبل أسبوع ومخصصة للندن، وتحمل اسم «لندن لايف» وتبث بلا انقطاع على مدار الساعة. رخصة البث منحت لإيفغني ليبيديف، إمبراطور الإعلام الروسي الأصل، البريطاني الجنسية، ابن الملياردير ألكساندر ليبيديف، الذي يملك عددا من الصحف البريطانية.
وقال الابن في مقابلة مع هيئة البث البريطاني بي بي سي إنه يأمل أن القناة الجديدة ستتيح إيجاد فرص عمل وتطلق مواهب جديدة لدى الشباب، مضيفا أن «لندن لايف ستدخل بيوت خمسة ملايين شخص يعيشون في بريطانيا، وإذا حصلنا على جزء من هذا فإن ذلك سيكون شيئا عظيما ونعتبره نجاحا من وجهة نظرنا».
المتابع لأخبار العاصمة البريطانية يعرف التطور الذي تشهده المدينة في نواحي الحياة المختلفة. ليست أكبر عاصمة في العالم من ناحية عدد السكان لكن تنوعها الثقافي والعرقي وعدد اللغات المحكية فيها والذي يصل إلى ما يقارب 250 لغة يضعها في موقع فريد بين مدن العالم. ثراؤها وكونها أحد أهم مراكز المال في العالم جعلها نقطة جذب لرؤوس الأموال وأثرياء العالم خصوصا من الشرق الأوسط وروسيا والصين.
ويقول علماء الاجتماع إن القرن التاسع عشر هو قرن تشكيل «الدولة القومية»، أما القرن 21 فأصبح يعرف بقرن صعود «دولة المدينة». وإذا كان هناك مدن ترتقي إلى هذه المرتبة فإن لندن تتمتع بهذه الصفات التي تميزها ليس فقط عن باقي المدن البريطانية، وإنما عن مدن العالم أيضا، ومن هنا جاء قرار وزير الثقافة البريطاني السابق جيرمي هانت بالمصادقة على منحها تصريحا للبث التلفزيوني.
وقال إيد فيزي وزير الدولة للشؤون الثقافية إن قناة «لندن لايف ستكون مثالا يقتدى به لمستقبل البث المحلي التلفزيوني»، مضيفا في مقابلة مع الجريدة اللندنية الشهيرة «إيفنينغ ستاندرد»، شقيقة القناة الجديدة، أن توجه الحكومة الائتلافية (المكونة من حزبي المحافظين والديمقراطيين الأحرار) منذ استلامها مقاليد الحكم عام 2010 هو إعطاء السلطات المحلية صوتا أكبر في إدارة شؤون البلاد، وهو ما أصبح معروفا باسم «المجتمع الكبير»، قناة البث التلفزيوني للعاصمة لندن سيتبعه قنوات أخرى لمدن بريطانية أخرى. «أرى لندن كسلسلة من القرى بهوياتها الخاصة التي تعكس اختلافها وارتباطها في نفس الوقت»، قال الوزير فيزي. «لندن لايف مهمة جدا، وستقدم تغطية إخبارية تركز على القضايا المحلية لمن يسكن هذه المدينة.. هناك مدن بريطانية كبرى أخرى مثل مانشستر (في شمال بريطانيا) وبريستول في الجنوب الغربي تفكر في خطط مشابهة، لكن لندن لايف ستكون الأكبر والأهم، وستكون الشعلة في التوجه الجديد، أي ولادة مفهوم التلفزيون المحلي. وهذا يعتمد على نجاح هذه التجربة التي تخص سكان العاصمة الذين يصل تعدادهم إلى تسعة ملايين نسمة». وقالت الحكومة البريطانية إن عشرات التصاريح ستمنح في المستقبل لمدن أخرى.
تصريح قناة «لندن لايف» هو الأول الذي تمنحه الحكومة البريطانية منذ 1997، عندما منحت القناة 5 تصاريح بالبث لتنضم إلى القنوات الأربع الأخرى الرئيسة في بريطانية.
مشروع البث المحلي هو من بنات أفكار جيرمي هانت وزير الثقافة السابق المثير للجدل، الذي أصبح وزيرا للصحة. وكان الوزير هانت يعتقد أن هناك فجوة في السوق الإعلامي، الذي عليه أن يستهدف جمهورا متعطشا لمتابعة القضايا المحلية، من فنون وثقافة على أجهزتهم الذكية.
المحطات التلفزيونية الأرضية الرئيسة تتناول بعض القضايا المحلية. فمثلا في نهاية النشرة الإخبارية لهيئة البث البريطاني بي بي سي، تنتقل النشرة لتقدم نشرات محلية. لكن الوزير هانت اعتبر أن ذلك غير كاف، ومن هنا قرر أنه يجب أن تكون هناك قنوات تتناول القضايا المحلية بإسهاب. ومنح 19 رخصة لقنوات محلية.
وبعد أيام من البث الذي ابتدأ مساء يوم الاثنين الماضي، اتضحت الزوايا المحلية المتنوعة في تغطية القناة، وهذه تضمنت النوادي الرياضية والدراما الترفيهية التي تتخذ من لندن موضوعا لها، إضافة إلى البرامج الوثائقية التي تتناول الحياة في العاصمة، «وهذه تعطي سكان لندن مادة دسمة يتعرفون من خلالها على عاصمتهم» قال فيزي.
وقالت القناة إنها ستخصص بعض برامجها للتوجه إلى الفئات العمرية (16 - 34)، كما أنها ستركز على الأخبار المحلية وكرة القدم. كما أن النشرات الإخبارية والأفلام ستكون من إنتاج أشخاص من أبناء المدينة، لهم معرفة جيدة بخباياها.
ويعتقد فيزي أننا نعيش في فترة ذهبية للبث التلفزيوني. وقال إنه على الرغم من أن الكثير منا يمتلك وسائل اتصالات حديثة وذكية تسمح لك بمشاهدة البرامج المرئية عليها فإن نسبة المشاهدة التلفزيونية في ازدياد. «وإن هناك الكثير من القصص والجوانب الترفيهية التي يمكن أن تتخذ من الحياة في لندن موضوعا لها، وتظهر المدن الآخر مقارنة بلندن بأنها أقل أهمية».
القناة الجديدة هي مؤسسة إعلامية أخرى تضاف إلى وسائل الإعلام التي يمتلكها ألكسندر ليبيديف وابنه إيفغني. وبدأ إمبراطوريته مع صحيفة «إيفنينغ ستاندر» اللندنية اليومية التي كانت مهددة بالإفلاس عام 2009، واشتراها بجنيه إسترليني، وحوَّلها تحت إشراف ابنه إلى صحيفة توزع مجانا في محطات المترو في لندن وقد عادت إلى الربحية بعد أن كانت تسجل خسائر سنوية بثلاثين مليون جنيه إسترليني سنويا (46 مليون دولار). وفي 2010 اشترى ألكسندر ليبيديف بنفس المبلغ الرمزي صحيفتي الإندبندنت و«الإندبندنت أون صاندي» اللتين كانتا على شفا الإفلاس.
اختار ألكسندر ليبيديف الإقامة في روسيا وتفرغ للعمل محررا في صحيفة «نوفيا غازيتا»، وأوكل مهمة إدارة إمبراطوريته في بريطانيا إلى ابنه إيفغني ليبيديف، الذي يحمل الجنسية البريطانية، والبالغ من العمر 34 سنة.
وعشية إطلاق القناة صرح إيفغني ليبيديف لقناة «بي بي سي» بأن صحيفة الإندبندنت ونسختها المختصرة المصغرة «أي إندبندنت» وعددها الأسبوعي، الذي يصدر كل أحد «الإندبندنت أون صاندي» معروضة للبيع إذا ما كان هناك عرض مناسب.
وكان إيفغني أطلق «آي إندبندنت» النسخة المصغرة من «الإندبندنت» وبسعر زهيد (20 بنسا)، وقد حققت الصحيفة نجاحا كبيرا، لكن الصحيفة الأم «الإندبندنت» وعددها الأسبوعي، الذي يصدر كل أحد «الإندبندنت أون صاندي» ما زالا يسجلان خسائر، مثلما أشار إيفغني لـ«بي بي سي»، وإن انخفضت من 20 مليون جنيه إسترليني في السنة إلى خمسة ملايين جنيه إسترليني.



هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».