تحية إلى «أبي الطيب المتنبي» من عبير نعمة في قلعة بعلبك

ترحال في تراث المنطقة وموسيقاها بالشراكة مع مارسيل خليفة

عبير نعمة من المطربات القليلات اللواتي يجدن الأداء بما يزيد على عشرين لغة
عبير نعمة من المطربات القليلات اللواتي يجدن الأداء بما يزيد على عشرين لغة
TT

تحية إلى «أبي الطيب المتنبي» من عبير نعمة في قلعة بعلبك

عبير نعمة من المطربات القليلات اللواتي يجدن الأداء بما يزيد على عشرين لغة
عبير نعمة من المطربات القليلات اللواتي يجدن الأداء بما يزيد على عشرين لغة

لعشاق أبي الطيب المتنبي والموسيقى المشغولة برهافة ليلة خاصة مساء الجمعة القادم، ضمن احتفاليات «مهرجانات بعلبك الدولية» بمناسبة مرور ستين سنة على انطلاقتها، تقدمها الفنانة الموسيقية والملحنة عبير نعمة، يستمع خلالها الحضور إلى مجموعة من الأغنيات المستوحاة من رحلة «أبي المحسد» في أرجاء المنطقة، وأخرى هي من أناشيد وكلاسيكيات تلك البلدان التي جال فيها من البصرة إلى بغداد وحلب ودمشق مرورًا بلبنان وصولا إلى إيران. بأكثر من 10 لغات ستقدم عبير نعمة أمسيتها التي تحمل اسم «المتنبي مسافرا أبدًا»، التي لحنت بعضها برفقة أخيها جورج نعمة، كما ستغني مختارات من توقيع مارسيل خليفة هي جزء من ألبومها الذي سيبصر النور قريبًا، ويحوي عشرين أغنية بينها الموشح والطقطقوقة والكلاسيكي والطربي والتهويدي، والفولكلوري. ستقف نعمة في «معبد باخوس» المهاب، وتقدم ريبرتوارا شرقيا وغربيا، هو ليس للنخبة، كما يظن البعض «وإنما لمختلف الأذواق والأمزجة».
«المتنبي مسافرًا أبدًا» عمل كانت قد قدمته عبير نعمة في الأساس، في أبوظبي بمبادرة من «هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة» التي كانت تحتفي خلال معرض الكتاب، منذ سنتين بهذه الشخصية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس. ومن يومها تقول عبير نعمة: «جال العمل في عدة مهرجانات وقدم على مسارح كبيرة، وهو يتطور تدريجيًا وينمو وينضج، وها هو يصل إلى بعلبك متطورًا جدًا، وقد اكتسب ألقًا جديدًا»، معتبرة أن وقوفها على إدراج بعلبك شرف كبير، يملأها غبطة وإحساسًا بالمسؤولية.
وتشرح عبير نعمة: «إن هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة كانت قد عرضت عليها الفكرة وتم التوافق على أن تستوحى سيرة المتنبي ومناطق تجواله، لتقديم مجموعة من الأغنيات المتنوعة على المسرح، وتجمع في ألبوم. وهو ما حصل وقدم العمل الموسيقي متكاملاً مع عزف للأوركسترا البلغارية، وحظي الألبوم، بعد صدوره، بنجاح كبير في الإمارات. وما سيراه الجمهور في بعلبك مبني على هذا المشروع، وأضيفت إليه أعمال من التي لحنها لها مارسيل خليفة في ألبومها الجديد، الذي لم يبصر النور بعد. أي إن المتفرج سيكون له حظ رؤية عمل موسيقي متنوع، لم يسبق أن كان على المسرح سابقًا بهذه الحلة.
من المتنبي وإلى أبعد، إنه ترحال في المنطقة تقابله أغنيات من مناطق توازيها أو تشبهها، وغناء بلغات متعددة. تنويعة تتنقل خلالها نعمة من الطربي إلى الشعبي والتراثي إلى أغنيات أخرى أقل شهرة. وفي الحفل ضيوف وموسيقيون من أرمينيا وإسبانيا ولبنان.
يذكر أن عبير نعمة من المطربات القليلات اللواتي يجدن الأداء بما يزيد على عشرين لغة، مما يجعلها سفيرة الحوار الثقافي والموسيقي في المنطقة، وهي تختص بغناء أنواع موسيقية مختلفة تجمع بين الطرب الشرقي والعربي - الأندلسي. وهي مهتمة بالتنوع الغنائي، وسجلت برنامجًا تلفزيونيا من إعدادها وتقديمها من 40 حلقة يحمل اسم «اثنوفوليا موسيقى الشعوب»، حيث تقوم بتسليط الضوء على موسيقات الشعوب خلال تنقلها في بلدان مختلفة.
عبير نعمة في بعلبك مساء الجمعة، وقصائد أبو الطيب المتنبي ستصدح في أرجاء القلعة، إنه حدث قد يهم كثيرين، من عشاق الشعر. الحفلة المقبلة لمهرجانات بعلبك الممتدة حتى 28 من الشهر الحالي، ستكون لليزا سيمون يوم 21 المقبل، حيث تغني لوالدتها نينا سيمون التي سبق لها أن دوت حنجرتها في بعلبك، وها هي ابنتها لتعود لتحيي هذه الذكرى، على طريقتها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».