«عشاء بلا هواتف» حملة لاستعادة الروابط الأسرية على المائدة

دراسة: 47 % من الناس ينشغلون بالأجهزة الذكية خلال الوجبات

«عشاء بلا هواتف» حملة لاستعادة الروابط الأسرية على المائدة
TT

«عشاء بلا هواتف» حملة لاستعادة الروابط الأسرية على المائدة

«عشاء بلا هواتف» حملة لاستعادة الروابط الأسرية على المائدة

أطلقت مجموعة تدعى «كمون سنس» معنية بتثقيف الآباء والأمهات، دعوة إلى التخلي عن الهواتف الذكية أثناء تناول العشاء. كانت المجموعة قد أطلقت حملة، أواخر الأسبوع الماضي، تتحدى خلالها مختلف أفراد الأسرة للتخلي عن هواتفهم الذكية أثناء تناول العشاء، وتبادل الحديث مع بعضهم بعضًا تحت اسم «عشاء بلا هواتف».
ومن خلال إعلانات تنشرها خلال فترة انعقاد دورة الألعاب الأولمبية، تأمل المجموعة في أن تتمكن من توضيح كيف يمكن للأجهزة الإلكترونية الحديثة عزل الإنسان عما يدور حوله عن طريق ترويج هاشتاغ «عشاء_بلا_هواتف». وتتولى محطة «إن بي سي» إذاعة الإعلانات في وقت الذروة أثناء تغطية الألعاب الأولمبية.
من ناحيتها، تنظر «كمون سنس» إلى هذه الحملة باعتبارها مجهودًا من المفترض استمراره لسنوات عديدة، ومن المقرر أن تتضمن الحملة مستقبلاً إعلانات خاصة بالتخلي عن الهواتف الذكية خلال الإجازات، وكذلك أثناء عشية العام الجديد وأعياد الميلاد.
كانت «كمون سنس» قد أجرت بالفعل أبحاثًا مكثفة حول التأثير السلبي للأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية على الأطفال والأسر، مما دفعها لأن تقرر تركيز جهودها على فترة تجمع مختلف أفراد الأسرة معًا لتناول العشاء، وذلك أنها توصلت إلى أن كثيرًا من الأسر تواجه صعوبة بالغة حيال اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان ينبغي السماح بوجود هواتف ذكية وأجهزة إلكترونية أخرى مشابهة بين أيدي أبنائها أثناء العشاء أم لا.
وفي إطار دراسة مسحية جديدة أصدرتها المجموعة أخيرًا بالتعاون مع مؤسسة «بي إس إيه»، توصلت إلى أن ما يزيد على نصف الآباء والأمهات أو أولياء الأمور أعربوا عن قلقهم حيال التأثير السلبي لوجود الأجهزة الإلكترونية الحديثة على طاولة العشاء. وقال 35 في المائة إنهم خاضوا بالفعل شجارًا حول مسألة استخدام الأجهزة الإلكترونية أثناء الجلوس حول طاولة العشاء.
بيد أنه رغم هذه المخاوف، قال 47 في المائة إنهم أو أحد أفراد الأسرة حمل معه أخيرًا جهازًا إلكترونيًا أثناء تناول العشاء. وأقر 19 في المائة بأنهم يبقون على أجهزتهم الإلكترونية على الطاولة أثناء تناولهم الطعام، الأمر الذي اتضح أنه يتسبب في إعاقة المحادثات بين أفراد الأسرة، حتى حال عدم استخدام الأجهزة. والمثير أن الأسر بشكل عام أبدت سعادتها حيال تأثيرات التكنولوجيا، حيث أعرب 61 في المائة عن اعتقادهم أنها تسهم في جمع شمل الأسرة.
وفي تعليقه على ذلك، أوضح مايكل روب، مدير شؤون الأبحاث لدى «كمون سنس»، أن هذه النتائج ترسم صورة معقدة، مضيفًا أنه «من الواضح أنهم يناضلون للتعامل مع مثل هذا الأمر فيما بينهم. ويبدو كما لو أنهم يشعرون بالتمزق إزاء كيفية إضفاء صبغة عصرية على هذه اللحظات الأسرية».
وأشار روب إلى أن الدراسة ركزت على فترة تناول العشاء على وجه التحديد، لأنها الفترة التي تتيح لأفراد الأسرة تبادل أطراف الحديث والتواصل الشخصي فيما بينهم. وقد كشفت دراسات أن تناول أفراد الأسرة وجبات الطعام معًا أمر مهم لتنمية الحصيلة اللغوية وتبادل الأفكار حول الغذاء. كما خلصت دراسات إلى أن الأطفال الذين يتناولون العشاء مع أسرهم أقل عرضة للمشكلات السلوكية.
ورغم أن فكرة تجمع أفراد الأسرة حول المائدة لتناول العشاء معًا قد تبدو قديمة أو عفا عليها الزمن، فإن روب أوضح أن الدراسة التي أجرتها «كمون سنس» كشفت أن هذا التقليد لا يزال شائعًا للغاية.
بوجه عام، شملت الدراسة ما يزيد على 800 أسرة تضم أطفالاً تتراوح أعمارهم بين 2 و17 عامًا عبر مجموعات عرقية واجتماعية واقتصادية متنوعة. وخلصت إلى أن 70 في المائة من الأسر تنجح في تخصيص وقت لتناول العشاء معًا 5 مرات أو أكثر أسبوعيًا.
واعترف روب بأن هذه النسبة «أكبر مما كنت أتوقع، لكنها تكشف الأهمية التي توليها الأسر لفكرة التجمع معًا لتناول العشاء».
وأوضح روب أن «كمون سنس» لا تسعى لدفع الأفراد للتخلي عن هواتفهم الذكية تمامًا، لكنها تشجع الآباء والأمهات على فرض قواعد صارمة تحظر اصطحاب الأجهزة الإلكترونية الشخصية أثناء تناول العشاء مع باقي أفراد الأسرة.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».