العجابئي والغرائبي في مجتمعات «ألف ليلة وليلة»

محسن الموسوي يكتب عن الذاكرة الشعبية وعلاقتها بالسرد ونظرياته

من أجواء ألف ليلة وليلة
من أجواء ألف ليلة وليلة
TT
20

العجابئي والغرائبي في مجتمعات «ألف ليلة وليلة»

من أجواء ألف ليلة وليلة
من أجواء ألف ليلة وليلة

ربما لا تعرف الثقافة العربية، ولا العالمية، متخصصًا في «ألف ليلة وليلة»، هذا الأثر الكبير والخالد، بحجم الدكتور محسن جاسم الموسوي، أستاذ الأدب العربي والمقارن في جامعة كولومبيا، الذي كتب بالعربية والإنجليزية مجموعة من الكتب والمقالات تجعله أول من وضع الكتاب في أطر معرفية وثقافية تقدم شرحًا وتفصيلاً لكل جانب من جوانبه. وكتابه الجديد «الذاكرة الشعبية لمجتمعات ألف ليلة وليلة» 2016 صدر حديثًا عن المركز الثقافي العربي في بيروت والدار البيضاء. وقبل الولوج إلى محتويات هذا الكتاب الضخم ومعالجاته وأفكاره وأساليبه، أشير إلى أن الموسوي نشر كتابه الأول عن ألف ليلة وليلة كأطروحة دكتوراه باللغة الإنجليزية سنة 1981 وتحت عنوان «الوقوع في دائرة السحر: ألف ليلة وليلة في نظرية الأدب». وظهر بالعربية بثلاث طبعات في بغداد والقاهرة وبيروت. وإذا كان القراء العرب قد عرفوا بأطروحة الدكتورة سهير القلماوي التي أشرف عليها الدكتور طه حسين في الثلاثينات، ونشرتها «دار المعارف» 1940-1941. فإن ذلك العمل المهم الذي تناول الأثر وظهوره في الثقافة العربية العباسية لم يحقق الانتشار المطلوب، لا لعدم أهميته، ولكن لأن القراء العرب تعاملوا مع ألف ليلة وليلة كأثر هامشي عادي تركوا أمره منذ زمن للعجائز والأمهات يتحدثون بشأنه لأطفالهم قبل ظهور التلفزة وما تلاها. لكن كتاب الموسوي أتى في لحظة تطلع واسعة في الثقافة العربية، وتعامل مع نقطة ضعفها: أي عقدة الانبهار بالغرب ورسوخ عقدة الخواجة عند علية المثقفين. اخترق الموسوي هذه العقلية من هذه النقطة، فهو يوضح في كتابه الجذري عمق التأثير النظري والأسلوبي لألف ليلة وليلة المترجمة في الثقافة السردية والشعرية، مشيرا إلى الأسماء الكبرى في الغرب منذ القرن الثامن عشر وبخاصة القرن التاسع عشر التي تعاملت مع الأثر بجدية بالغة. اجتاح الأثر الفئات الوسطى وبلغ الفلاسفة والروائيين والشعراء، ودفع الصحافة إلى نشره متسلسلا، بينما قامت مجلة «الروائي» البريطانية في القرن الثامن عشر بنشر الترجمة الإنجليزية عن نسخة أنطوان غالان.
كتاب الموسوي الأول «الوقوع في دائرة السحر: ألف ليلة وليلة في نظرية الأدب» وضع اللبنات الأساسية لمعرفة عمق التعامل النظري الأسلوبي مع هذا الأثر الذي حضر بعد ذلك. وعندما نتحدث عن عمق الأثر فنحن لا نتحدث فقط عن الصورة الشعرية والفكرة والبنية، وأساليب الروي والسرد، ولكننا نتحدث أيضًا عن «المضمر»: أي ذلك الباب الذي فتحته ألف ليلة وليلة (الليالي العربية، كما تشيع تسميتها في الغرب) والتي تدفق منها شخوصها من حمالين وفتيات وجن وخلفاء وسحرة ومردة وأصحاب الحرف. نحن نتحدث عن (شخوص) لم يألفهم السرد الغربي من قبل حيث الرواية تكوين رمزي (أليغوري) أو قصة للطبقة الوسطى عن مسألة عائلية محددة. اندفع هؤلاء من قمقم (غالان) ليجتاحوا الحياة الثقافية ويبدون متناسلين تمامًا عن التحولات الاجتماعية التي رافقت الثورة الصناعية وظهور فئات الكسبة والعمال والشغيلة عمومًا والموظفين. كانت أوروبا تشهد طفرتها الصناعية التي لا تفسرها لأذهانهم المندهشة غير خوارق ألف ليلة وليلة: كل شيء يتم في رمشة عين، والتحولات على أشدها بوتائر غريبة. وما كان مستقرًا اليوم ارتج وتغيّر. ومن كان غنيًا أصيب بالفقر، والفقير قد يصعد إلى فوق. كان سوق العملات والتجارة يزخر بالمفاجآت: هكذا وجد ديكنز هذا الفن في هذا القمقم فغرف منه ما كان أسلوبًا وبنية. شاعت مفردات الطلاسم والتمائم وغيرها برفقة ما هو عملي ومعيشي. هذه التغييرات ليست اعتيادية. هكذا تعامل معها الشعراء الكبار أمثال كولردج وشيلي وكيتس وتنسون وهكسلي وقبلهم لي هانت.
في «الذاكرة الشعبية لمجتمعات ألف ليلة وليلة» يأتي الدكتور محسن الموسوي إلى «الذاكرة» وأهميتها أولاً حيث علاقتها بالسرد ونظرياته. والذاكرة تشتغل على (الحكاية)، كما تشتغل على أي موضوع آخر. وشأن الخبر، هناك حكايات وقصص تحضر وأخرى تختفي لتحلّ بديلاً عنها حكايات قوية: يبيّن المؤلف اشتغالات الذاكرة على أنها أساسية لمعرفة آليات السرد. فالمدّون هو سجن الذاكرة، وسجن الحكاية، لأنه يريد وضعها في إطار معنى ويمنعها من الحركة والتمدد أو التكيّف: كانت الذاكرة تتكشف مع الأوضاع المستجدة والظروف. وهذا هو سر ديمومتها وحيويتها وثرائها. التدوين سجن للذاكرة وقيد للمحكي. ويبيّن الموسوي المقاربات الكثيرة بين مدونات تاريخية وأخبار الحكايات ويبيّن الفروق بين هذه: فالحكاية تمتلك عناصر متعددة مضافة وتتخلى بحيوية ما تعوزها وتفتقدها الحكاية ذاتها عند الجاحظ أو غيره مثل السجستاني والتنوخي.
وإذا كانت الثقافة العربية قد عرفت بهذا الأثر بشكل ما منذ القرن التاسع الميلادي، فإن لحضوره وتناميه قصتهما. وهي طويلة ومليئة بالملابسات شأن الاستقبال العاصف الذي ميّز هذا الحضور في أوروبا بشكل حكايات متفرقة أولاً في القرنين الثاني عشر والثالث عشر قبيل ظهور ترجمة أنطوان غالان 1704 وظهورها مترجمة بالإنجليزية 1706. ثم في اللغات الأخرى. لكن ما هو أبلغ من هذا الحضور هو الأثر: هذا الأثر بأوروبا والشرق برمته كان قويًا في أميركا اللاتينية والولايات المتحدة الأميركية، ذلك لأنه اقتحم خاصية السرد وآلياته التي تجعل لهذه المجموعة هذا الحضور وذاك التأثير.
ولا يعني هذا الاشتغال انعزاله عن العوامل الأخرى المؤثرة في التكوين والبنية: وهنا يقدم الموسوي المقاربة التوبوغرافية (التضاريسية) بتفصيل: فنحن نتقبل أن العواصم الكبرى (بغداد - القاهرة) مثلاً سحبت من الأطراف الكتاب والأدباء والمؤرخين والنحاة والفلاسفة. لكننا ننسى أن هذه الحواضر الكبرى التي تستقدم التجارة والثقافة تستقدم (الحكي) و(الرواية) والخبر، وتتمركز هذه في (الحواضر) وتخضع لعوامل الحاجة والطلب، كما أنها تخضع لمواصفات السوق: فالحكواتي/ الروائي يتخذ من هذه مهنة وحرفة، ويهمه أن يكون مقبولاً ومسموعًا بين منافسين آخرين يتوزعون الدروب والأسواق والمجالس. ولكي تكون الحكاية نافذة، عليه التحسين فيها باستمرار ومعرفة ما يدور من جديد. إن (التحسين) من صفات الذاكرة، فلا ذاكرة تسترجع الأمر كما كان، بل تسقط عليه المستجدات وتعطيه ثوبًا.
وللمقاربة الجغرافية - التضاريسية شأن آخر: فكما أن بغداد أو القاهرة تستقدم من الأطراف رموزها وعلماءها وتجارها، فإن الحكاية الإطار هي تعلة لمثل هذا الاستقدام والتكيف. هنا يُسقط الموسوي موضوعي (المؤلف) والنص الصامد، أي الأول والأخير، من الحساب ويأتي بديلاً عن ذلك بفرضيات بمنتهى الأهمية: فلكل روي ومحكي أساس، سواء أكان تاريخيًا أو حياتيًا. لكن هذا الأساس يخضع للتغيير والتطوير والتعديل والتشذيب والتأطير أيضًا ضمن سياق (أدرك شهرزاد الصباح) ومعه عبرة الحكاية. الإطار هو مركز (حاضرة المحكي). وهو لهذا السبب نافع ومؤذ في آن واحد. فهو نافع لأنه يستدعي الإضافة والتكييف، ومؤذٍ لأنه يمنع الحكاية من الحركة والتوسع والتمدد.
أما الجانب الثالث في المقاربة الجغرافية التضاريسية في العصور السالفة فيخص المدينة وما لديها من شوارع كبرى ودروب وأزقة و(زنقة)، وهي تلتف وتدور بدل الخطوط المتوازية والمستقيمة في حركة عمران المدن الحديثة. كذلك السرد: فهو يتخذ من هذه السبيل تدويرًا والتفافًا بما يجعل الحكاية مالكة لأكثر من عنصر ودافعا وفاعلا وحركة. هذا يحتم قراءة السرد لا في ضوء التطبيق الغربي التالي الذي أخذ عن ألف ليلة وليلة، ولكن في ضوء الواقع الجغرافي والحضري وكذلك التاريخي. وبمعرفته الواسعة بالعصور الوسطى وثراء اطلاعه على المرويات يتيح لنا الدكتور الموسوي أن نجري اشتغالات الذاكرة في آليات السرد.
يتفق الموسوي مع تودوروف في تطبيقات الأخير على العجائبي والغرائبي والخارق التي يستعين بها لتحليل ثلاث حكايات أو أكثر من ألف ليلة وليلة (ترجمة غالان) لكنه يرى هذه التطبيقات محدودة بالخارق الذي يشكل نسبة ضئيلة بين مجموعة الحكايات. فالمرويات المدينية واسعة وتحتم قراءة أخرى في آليات السرد وشخوص الحكي وعلاقة الفواعل بالأحداث، ولغة السرد وطبيعة العلاقة بين المحكي والمدون. وبكلمة أخرى فإن هذا الكتاب (الذاكرة الشعبية لمجتمعات ألف ليلة وليلة)، يفتح بابًا كبيرا للباحثين والقراء، ويضع هذا الأثر ومجتمعاته في سياق ثقافتنا العربية، واهتماماتها قديمًا وحديثًا: وهو يأتي إلى هذا الأمر بعدة واسعة من الاستراتيجيات النقدية والسردية، أغلبها حصيلة استنتاجاته وتبحره العميق في الموروث والحداثة. فلا يتعكز على اسمين أو ثلاثة من نقاد الغرب، وإنما يحاجج الجميع في ضوء المادة، ومفاهيم الذاكرة، وما تحمله هذه من استنتاج أو قياس. كتاب استثنائي بكل المقاييس.



«معرض الرباط للنشر والكتاب»... اللقاءات الفكرية حظيت بالحضور الأكبر

وفود من المدارس المغربية تزور المعرض
وفود من المدارس المغربية تزور المعرض
TT
20

«معرض الرباط للنشر والكتاب»... اللقاءات الفكرية حظيت بالحضور الأكبر

وفود من المدارس المغربية تزور المعرض
وفود من المدارس المغربية تزور المعرض

شهد معرض الرباط الدولي للنشر والكتاب هذه السنة إقبالاً واسعاً من الزوار الذين توزعوا على أروقته طيلة هذا الأسبوع. قُرّاء من مختلف الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، ومن مختلف مدن المغرب قدموا إلى الرباط وتمركزوا في ساحة «أو إل إم» بالسويسي يقودهم شغف البحث، ويسترعي اهتمامهم برنامج متنوع ضم أكثر من 240 فعالية ثقافية من ندوات وتقديم كتب وحوارات مفتوحة ومسابقات وجلسات تكريم، وبمشاركة كبيرة من مئات الناشرين المغاربة والأجانب الذين توافدوا من 48 بلداً. الدورة الحالية بدأت بافتتاح رسمي حضره الأمير مولاي رشيد والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، احتفاءً بحضور إمارة الشارقة ضيفَ شرفٍ للنسخة الثلاثين من معرض الرباط الدولي للنشر والكتاب.

هذه المناسبة شكَّلت فرصة لتسليط الضوء على العلاقات الثقافية التاريخية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية؛ حيث خصَّص فضاء العرض عدداً من الأجنحة لألبومات الصور والوثائق الرسمية التي تؤرخ لبدايات التواصل الثقافي والمراحل المختلفة من هذه العلاقة العريقة بين بلدين عربيين متباعدين جغرافيّاً، لكن بقواسم ثقافية مشتركة. وباعتبارها ضيف شرف الدورة، كان برنامج الشارقة الأكثر تنوعاً بين جميع الضيوف، إذ تضمن أكثر من 50 فعالية مزجت بين أماسي الشعر والجلسات الفكرية واللقاءات التواصلية بين المبدعين والناشرين، إضافة إلى خلوات مطالعة وورشات كتابة خُصصت لصقل مهارات اليافعين من طلاب المدارس والقراء الشباب.

الإقبال على الكتب المعرفية التي لها علاقة مباشرة بالتحصيل المدرسي والبحوث الأكاديمية كان كبيراً، حسب ما أفاد به العارضون المرتبطون بالمؤسسات التعليمية والمكتبية المشاركة، مؤكدين الحضور القوي لكتب الجامعة داخل بنية العرض المقدَّم في أنشطة النشر لهذا العام. يُضاف إلى ذلك طلب كبير سُجل على كتب التنمية الذاتية، وكتب السرد من روايات وقصص قصيرة، وأجناس أخرى من التأليف. وكان من اللافت أن مساهمة الفئات الناشئة من الأطفال والشباب في نسبة الشراء كانت كبيرة، وهو ما له علاقة على ما يبدو بحجم التسويق الإعلامي الذي حظي به المعرض هذه السنة، إضافة إلى الدور الذي لعبته الشراكات المبرمة مع المؤسسات التعليمية ونسيج المجتمع المدني المرتبط بقضايا الطفولة والشباب في جذب أعداد كبيرة من قراء الجيل الجديد. ويفسر ذلك أيضاً ما لُوحِظ من تنافس تسويقي كبير بين دور النشر المشاركة، التي عززت من جماليات فضاء العرض بألوان وتصاميم مميزة للكتب، واشتغال كبير على العناوين، وكذا اختيار أجناس محددة من المؤلفات ذات الطابع التشويقي من روايات عالمية مترجمة وأخرى عربية وكتب فلسفية تضع على صفحتها الأولى أسئلة كبرى مكتوبة بخط عريض، ودواوين شعر لأسماء معروفة وغير ذلك من أساليب إغراء القراء العامين الذين يشكلون في الغالب معظم الزوار المعنيين باقتناء ما يُعرض.

حفلات التوقيع كانت صاخبة هذه السنة، وتوزعت أشكالها بين جلسات محورية لتقديم بعض الكتب المنتقاة ومناقشة محتواها؛ حيث اعتمدها المعرض ضمن برنامجه الرسمي. وانتهت بتوقيع النسخ وإهدائها للحضور، وأخرى نظّمتها دور النشر لفائدة كُتابهم الذين نجحوا في استقطاب زبائن لكتبهم المطبوعة حديثاً، فوجدوا ضالتهم في قراء تجمعهم بهم في الغالب علاقة الأستاذية، من قبيل طلبة الجامعات والباحثين الشباب الذين حضروا كي يحظوا بنسخ موقعة من كتب أستاذتهم. وفي الجانب المقابل، كانت هنالك حفلات توقيع أخرى نخبوية ونوعية، وقّع فيها شعراء وروائيون كتبهم لأصدقاء معدودين تجمعهم بهم تجربة الكتابة ممن جاءوا تكريماً للصداقة وللمنجز الإبداعي المشترك.

اللقاءات الفكرية في فضاء الندوات حظيت بين جميع الأنشطة التفاعلية بالنصيب الأكبر من متابعة الزوار، فبين قاعة «حوار» «وتواصل» و«أفق» نوقشت قضايا كثيرة محلية وعربية وعالمية، وأجريت حوارات مع كتاب وفنانين من أسماء بارزة في عالم الأدب والفلسفة والتاريخ وغيرها من حقول المعرفة الإنسانية. وفي هذا الاتجاه، كانت القضايا الراهنة في طليعة ما ركزت عليه فضاءات النقاش؛ حيث أعادت الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية الجدل حول العدالة ومسألة المعايير الغربية المزدوجة في التعاطي مع الأحداث. حول هذا الموضوع، أعادت فعالية «ملتقى الكتاب» التي شارك فيها كل من الكاتب والناقد السوري صبحي حديدي والأكاديمي المغربي أنور المرتجي الذي طرح سؤال «الحاجة إلى فكر إدوارد سعيد»، في ظل المتغيرات في الرأي العام الغربي والتسويق الإعلامي المنحاز اتجاه قضايا المنطقة، لا سيما بعد أحداث غزة الأخيرة.

في الاتجاه ذاته، أُقيمت ندوة حملت عنوان «الإبداع الفلسطيني في مواجهة سياسة المحو»، وأثث نقاشها كل من الشاعر والناقد محمد بنيس والمفكر عبد الإله بلقزيز، اللذان حاورهما الإعلامي والشاعر ياسين عدنان حول دور الإبداع الأدبي والفني الفلسطيني في بناء الشخصية الفلسطينية التي احتفظت بكيانها الخاص وقاومت بقوتها الفنية المحتل ومحاولاته للتجاوز الهوياتي والمحو الثقافي.

وفي جلسة حوار أخرى اختار منظموها عنوان «الجماليات ومأزق العالم»، استعرض المغني والعازف اللبناني مارسيل خليفة جانباً من مشاغله الفنية على الصعيدين الفكري والوجداني؛ حيث بدأ بالتأكيد على أهمية القلق في التكوين النفسي للمبدع، ثم انتقل من الخاص للعام، حين شدد على أهمية أن تضطلع الموسيقى بمهمة المواجهة والسعي المستمر للتغيير.

على هذا النحو أيضاً ساهمت مؤسسات أخرى محلية ودولية من قبيل «إيسيسكو» والمجلس الوطني لحقوق الإنسان بعدد معتبَر من الأنشطة الحوارية التي زادت فضاء النقاش تنوعاً وثراء، فقدمت الأولى في ندوة رئيسية لها مفهوم الدبلوماسية الحضارية، واستعرضت الثانية الحق في المدينة وتحولات العمران.

وفي ظل توطد العلاقة بين المغرب وفرنسا ثقافياً ودبلوماسياً، وما صاحب ذلك من اتفاقيات الشراكة والزيارات المتبادلة بين وزيري الثقافة في البلدين، خصوصاً بعد حضور المغرب ضيف شرف لمعرض باريس للكتاب قبل أسابيع، ارتفع أداء الأروقة المخصصة للمكتبات الفرنكوفونية من حيث المشاركة والعدد، كما تعزز حضور الفعاليات الثقافية والحوارية وجلسات تقديم الكتب باللغة الفرنسية بشكل لافت، لعل توقيع اتفاقية أرشيفية بين مؤسسة «أرشيف المغرب» والمدرسة الوطنية للمواثيق بفرنسا داخل فضاء المعرض كان علامة من علامات تنامي التعاون الثقافي بين فرنسا والمغرب.