الألعاب الفكرية أفضل من حبة الدواء.. في تخفيف الألم

نظم الواقع الافتراضي تقلل الآلام وتساعد على إعادة المشي للمشلولين

مجموعة من السياح يرتدون نظارات الواقع الافتراضي أثناء بعض المسابقات في أولمبياد ريو 2016 (إ.ب.أ)
مجموعة من السياح يرتدون نظارات الواقع الافتراضي أثناء بعض المسابقات في أولمبياد ريو 2016 (إ.ب.أ)
TT

الألعاب الفكرية أفضل من حبة الدواء.. في تخفيف الألم

مجموعة من السياح يرتدون نظارات الواقع الافتراضي أثناء بعض المسابقات في أولمبياد ريو 2016 (إ.ب.أ)
مجموعة من السياح يرتدون نظارات الواقع الافتراضي أثناء بعض المسابقات في أولمبياد ريو 2016 (إ.ب.أ)

قد يحلم الأفراد المعانون من الآلام المزمنة، بأن يكون لديهم جسم ثان خال من الألم، إلا أن تجارب جديدة أثبتت أن جلوسهم بالقرب من صورة خارجية لأجسامهم ذاتها، تهزم آلامهم!
وأظهرت تجارب أجراها باحثون بريطانيون لتوظيف نظم الواقع الافتراضي لتكوين صورة وهمية لتجربة «الوجود سم خارج الجسم» على مصابين بالآلام المزمنة تخفيفها للآلام مؤقتًا بشكل أكثر من تخفيفها عند تناول الأدوية. ووجد بعض المصابين أن حدة الألم انخفضت لديهم بمقدار الثلث.
ويعاني نحو عُشر البالغين في بريطانيا من شكل من أشكال الألم المزمن الذي لا يزال العلماء يعرفون جزءًا من أسبابه فقط. وقد افترضت كثير من الدراسات أن الآلام قد تكون نابعة أيضًا من المخ البشري بالدرجة ذاتها التي تنبع بها من أجزاء الجسم الأخرى.
وهذا ما قاد الباحثين إلى اختبار نظم الواقع الافتراضي والألعاب الإلكترونية الانغماسية التي يستغرق فيها المستخدمون كلية ويندمجون معها، وكذلك الألعاب الأخرى الموجهة لتشتيت أفكار المصابين بالألم المزمن.
وأجرى باحثون في جامعة انغليا راسكين بمدينة كمبردج تجارب على 18 متطوعًا من المصابين بالآلام المزمنة التي تراوحت بين عرق النسا والصداع النصفي (الشقيقة)، وألم الظهر. وجلس المشاركون لمدة دقيقتين، وهم يرتدون خوذًا مزودة بشاشات وكاميرات تلتقط صور ظهور المشاركين وترسلها نحو الشاشة.
وأرسلت موجات من الضجيج الخفيف نحو آذانهم وغطيت رؤوسهم بإحكام لمنع حدوث تشويش خارجي، ثم ضربت بشكل خفيف إما بطونهم أو ظهورهم بعصا.
وتكهن الباحثون في دراستهم المنشورة في «المجلة الأوروبية للألم» بأن عملية «ترك الجسم وراءك» قد تساعد في خفض حدة الألم، مثلما يحدث في التجارب التي أجراها باحثون آخرون على تخفيف الألم لدى الأشخاص الذين يعانون من الآلام الوهمية في أطرافهم حتى بعد بترها تمامًا.
وقال الباحثون إنه بغضّ النظر عن نوع الضربات الخفيفة التي تلقاها المشاركون فإن الألم قد خف في المتوسط بنسبة 37 في المائة، في حين قال بعضهم إن الألم انحسر لديهم تمامًا. وأضافوا أن الألم قد يكون قد انحسر لشعور المشاركين بأن قد فقدوا ملكية أجسامهم، وبالتالي الآلام فيها!
وقالت جين أسبيل إحدى المشرفات على الدراسة إن مثل هذه الوسائل قد تكون مفيدة لتخفيف الألم على المدى البعيد، فقد يوجد خطأ ما في طريقة تعامل المخ مع كل الإشارات الواردة من الجسم، ولقد يمكن للواقع الافتراضي إصلاح هذا الخطأ.

مشي المشلولين

على صعيد آخر وظف علماء أميركيون وبرازيليون نظم الواقع الافتراضي لتدريب مشلولين مصابين بأضرار في الحبل الشوكي، على المشي مجددا. وقد تمكنت امرأة مشلولة من المشي بعد 13 عاما من حدوث الشلل لديها بفضل مشروع لتدريب المخ يطلق عليه «مشروع المشي مرة ثانية» في مدينة ساوباولو بالبرازيل، أدى إلى إعادة الأحاسيس إلى رجليها.
وكانت المرأة التي يبلغ عمرها 32 سنة واحدة من ثمانية من المصابين بأضرار في الحبل الشوكي شاركوا في البرنامج. وخضع المشاركون لـ12 شهرا من التدريبات لساعتين في الأسبوع على الأقل استخدموا فيها أجهزة يمكن التحكم بها بواسطة إشارات المخ.
وقد تم تعليمهم جميعا كيفية التعامل مع «شخص رقمي منسوخ يشابههم» في نظام للواقع الافتراضي. وقام الباحثون بتسجيل التغيرات الحاصلة في مخطط رسم إشارات الدماغ، ونمط تقلص العضلات، وحركة الأطراف الإرادية، وحساسية المنطقة التي تقع مباشرة تحت موقع الضرر في الحبل الشوكي. واستخلصت البيانات من 11 قطبا كهربائيا وضعت على رؤوسهم.
وطلب الباحثون من المشاركين تصور كيفية المشي في العالم الافتراضي، ويبدو أن التدريب على هذا الأمر أدى إلى إعادة غرس أفعال الأطراف البشرية في المخ مرة أخرى. ثم وفي مرحلة لاحقة أدخل الباحثون أجهزة أخرى تمكن المشلولين من السيطرة على وضعية الجسم والتوازن وإمكانية استخدام الأطراف العليا لهم، ومنها معدات للمشي مزودة بلجام يوضع فوق الرأس.
وقال الدكتور ميغويل نيكوليليس الباحث في جامعة ديوك الأميركية الذي أشرف على التجارب إن الباحثين وظفوا نظم الواقع الافتراضي لكي تعمل انطلاقا من نشاط المخ لدى المشلولين. وأضاف أن العلاج أجبر المشلولين على خلق صورة ذهنية للحركة، وكلما نجحوا في تلك الحركات كانت أجسامهم تأخذ بتنشيط الأعصاب التي ظلت خامدة أثناء شللهم. وقد بدأ أول المشاركين بالحركة بعد مرور 7 أشهر على بداية التجارب.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».