«نسوية كافيه»: مقهى شبابي يجمع المدافعين عن قضايا المرأة في بيروت

يعمل من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية

«نسوية كافيه»: مقهى شبابي يجمع المدافعين عن قضايا المرأة في بيروت
TT

«نسوية كافيه»: مقهى شبابي يجمع المدافعين عن قضايا المرأة في بيروت

«نسوية كافيه»: مقهى شبابي يجمع المدافعين عن قضايا المرأة في بيروت

حاملا رسالة المرأة الباحثة دائما عن السلام والوئام، رافعا شعار «لا للعنصرية لا للعنف»، هو مكان يبدو غريبا بعض الشيء لكن من يقصده يدرك فعلا أن للمرأة تطلعات تفوق كل التوقعات، خصوصا أنه يطمح إلى إيصال أصوات النساء إلى مدى أكثر رحابة.
إنه «نسوية كافيه» مقهى أنشأته، مجموعة نسائية من المتحمسات لنصرة حقوق المرأة في بيروت قبل أربع سنوات، لتهيئة مساحة يستطيع سكان العاصمة اللبنانية أن يلتقوا فيها لمناقشة قضايا المرأة.
وتقول فرح سلكا، منسقة مجموعة نسوية في حديث لـ«الشرق الأوسط» التي التقتها في المقهى: «نركز في نشاطاتنا على قضايا النساء اللبنانيات والتي لا تناقش علنا كالتحرش الجنسي في أماكن العمل، والتمييز ضد الخادمات الأجنبيات، وقضايا الاغتصاب، ومشاركة المرأة السياسية، إضافة إلى العنف الأسري».
وتتابع: «كل ذلك يحصل من دون تدخل من الأجهزة البيروقراطية، وبعيدا عن أي قيود أو ضوابط من أي نوع كان على أيدي مجموعة تعتبر من الجماعات القليلة الممولة ذاتيا في لبنان».
ويعد المقهى مكانا رائعا ومساحة ترحب بجميع القادمين إليها، إذ تقع في قلب العاصمة بيروت وتحديدا في محلة مار مخايل - الأشرفية، وتقدم فيه المشروبات والمأكولات والكتب وخدمات الإنترنت بأسعار مخفضة.
وتسعى المجموعة إلى تمويل نشاطها من خلال حفلات جمع التبرعات التي تقيمها لرواد المقهى، فيما استقبال الضيوف يستمر من الساعة الـ10 صباحا حتى الـ10 مساء من كل يوم، وحتى الساعة السادسة مساء يوم السبت، حيث يتم عرض الأفلام المتعلقة بالقضايا المطروحة وعقد اجتماعات تساهم في خلق روابط بين الأعضاء.
وأحيانا يفتح المقهى أبوابه أيام الآحاد في المناسبات الخاصة كتنظيم سوق لبيع الخضار العضوية أو إقامة الصلاة الخاصة بالجالية السريلانكية.
وردا على سؤال تجيب سلكا: «نحن نعيش في وطن تسوده الفوضى ويحكمه أمراء الحرب وتنعدم فيه القوانين والعدالة والمساواة ولا يهتم فيه أحد بحماية الآخر وصون حقوقه والحفاظ على سلامته».
وهذا بالطبع ينعكس سلبا على أوضاع معظم النساء، «لا سيما النساء المهجرات الفقيرات واللواتي ينتمين إلى الأقليات، نحن نهتم بقضايا الإنجاب وما ينتج عن ذلك من ضغوط يتعرضن لها العاملات في عملهن ولا سيما حقوقهن بأخذ إجازة الأمومة»، وفق تعبيرها.
وعلى الرغم من وجود 50 ناشطة، تمثلن القلب النابض للحركة النسوية، فإن العضوية لا تقتصر عليهن، فالناس يصبحون أعضاء في مجموعة تعنى بإطلاق مبادرات كالتي احتضنها المقهى، لكن العضوية غير ثابتة، لأن أعداد المنتسبات قد يتزايد أو يتناقص تبعا لحالة البعد (المكاني) ولما تملكنه من وقت فراغ واستعداد للالتزام بمواعيد معينة.
ويبيع المقهى قمصانا كتبت عليها عبارات تعبر عن أهداف الجماعة النسائية منها «لا للتحرش الجنسي» و«أنا لم أعد عنصريا».
ومن المبادرات التي أطلقها المقهى في الآونة الأخيرة مبادرة «ليبومو» وهي كلمة تعني المعدة في الكونغو، وقد لاقت إقبالا كبيرا وساهمت في تحقيق بعض الدخل الإضافي لخادمات أجنبيات في لبنان. حيث قامت بعض الأفريقيات والآسيويات منهن مرة كل أسبوع بإعداد مجموعة من أصناف الطعام التقليدية في بلادهن للزائرين.
ويتزايد الإقبال على مقهى نسوية حيث يجد فيه كثيرون مجالا لمناقشة مختلف القضايا، وتكوين صداقات جديدة، فضلا عن تجريب أنواع جديدة من أصناف الطعام في أمسيات «ليبومو».
في المقابل توضح الناشطة رولا ياسمين أنه من الحملات التي قامت بها المجموعة حملة «مغامرات سلوى». وهي ضد التحرش الجنسي، والعمل لا يزال جاريا، على صياغة قانون يجرم التحرش الجنسي في أماكن العمل ويركز أيضا على موضوع العنصرية.
ومن البرامج برنامج «غيري عادتك بتزيد سعادتك» الذي تشرح فيه بعض أعضاء المجموعة أثناء زيارتهن الكثير من المدارس والجامعات والكشافة وغيرها كيفية القيام بتغيير من منظار نسوي، خصوصا أن النساء ما زلن يواجهن التمييز الظاهر على كل الأصعدة إن في القوانين أو الممارسة اليومية ولا سيما ضمن مراكز عملهن.
بدورها توضح الناشطة ماري لين زخور (تعمل في مجال تكنولوجيا الإنترنت وتتولى حاليا تنفيذ مشروع عن النساء في مواقع القيادة ومجال التكنولوجيا) أن هناك سيدات تتواصلن معنا من مدن وبلدات لبنانية مختلفة، غير أنهن لا يقصدن جميعهن المقهى وكثيرات يتصلن طالبات المشورة والنصح في الوقت عينه.
لا تنحصر مجمل نشاطات المقهى في العاصمة بيروت، إذ كثيرا ما تنظم المجموعة محاضرات وورش عمل خارجها، وتتواصل بشكل دوري، مع وجوه نسائية جديدة من طرابلس وعكار والمتن، تفصحن لها عن حكاياتهن التي تبقى طي الكتمان.
وفيما يتعلق بالتنسيق مع منظمات أخرى تشير سلكا إلى أن «النسوية» تنسق بشكل مباشر مع منظمات أخرى تعنى مثلها بالشؤون ذاتها، ولديها طروحات وإنجازات إيجابية بخصوص أوضاع النساء ومنها منظمتا «كفى» و«سوا من أجل سوريا»، فيما تنفيذ الأنشطة يتم بطرق غير تقليدية بالاستعانة، في بعض الأحيان، بمواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت.
وتختم سلكا كاشفة أن «نسوية كافيه» بات يضم 250 شخصا، مبدية أملها بحصول ثورات، على صعيد الأشخاص وعلى الصعيد السياسي، معتبرة أن العقليات والخطابات لن تتغير حتى تنتفض النساء جميعا من أجل تغييرها.
وتضيف أنه على الرغم من أن الطريق طويل خصوصا مع سيطرة النظام الذكوري على مجتمعنا، فقد حصدنا نجاحا هائلا عبر استقطاب مجموعات مثمرة، لكننا نبقى بحاجة بالطبع إلى تضافر جهود كل الناس الطيبين المؤمنين بقيم العدالة والمساواة من رجال ونساء.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».