علماء أميركان وإيطاليون يبنون قرية كاملة من النفايات

بيوت من الطين.. وشوارع من وحول الإسطبلات

عملية بناء البيوت من الطين والقش
عملية بناء البيوت من الطين والقش
TT

علماء أميركان وإيطاليون يبنون قرية كاملة من النفايات

عملية بناء البيوت من الطين والقش
عملية بناء البيوت من الطين والقش

عرف البشر بناء البيوت من الطين والقش منذ 9 آلاف سنة، ولا تزال بعض الشعوب الفقيرة تبني مثل هذه البيوت، إلى جانب علماء يدعون إلى العودة إلى بيوت الطين اقتصادًا بالنفقات والطاقة.
العلماء الأميركان والإيطاليون، بالقرب من الماسا لومبارديا الإيطالية، لا يستخدمون خلاصات النفايات والوحول في البناء فحسب، وإنما يبنون البيوت لأول مرة باستخدام جهاز طباعة ثلاثي الأبعاد (مجسم) في البناء. ويبدو الجهاز الضخم، الذي يرتفع إلى 12 مترًا عن الأرض، مثل جهاز طباعة بالحبر، يصب الطين المجبول بالقش بكل الأشكال.
تشرف على البناء شركة «المشروع المتقدم لإنقاذ العالم WASP» البيئية التي تريد أن تثبت للعالم إمكانية تضافر القديم (الطين والقش) مع الحديث (الطباعة المجسمة) لبناء قرية نموذجية تصبح مثالاً يحتذى به على المستوى العالمي. وأطلقت المجموعة على القرية اسم «مشروع شامبالا»، ويقع في مكان من إيطاليا بين مدينتي رافينا وبولونا.
ويتولى جهاز الطباعة صب الطين والقش في جدران يجري فتح الثغرات فيها للنوافذ والأبواب قبل أن تجف. ويعتبر الطين من أفضل المواد العازلة للحرارة، لكن الجهاز يبني، مع ذلك، الجدران مجوفة ليجري بعد ذلك حشوها بالمواد الطبيعية العازلة. وهذا يضمن وجود غرف باردة صيفًا ودافئة شتاء رغم تقلبات الجو في إيطاليا.
وتقول المهندسة إيلي فيني، من مشروع شامبالا، إن البيوت تصمد طويلاً جدًا ضد الزمن والعوامل المناخية. وواقع الحال أن المهندسة تتخصص بشق وبناء الطرق باستخدام النفايات المستمدة من براز ووحول الإسطبلات. وتشير إلى أن الفكرة مقتبسة أساسًا من بحث من جامعة نورث كارولينا للتقنية الزراعية، توصل إلى وجود نسبة زيوت عالية في هذه الوحول. وهي نسبة لا ترتفع إلى مستوى الزيوت في النفط الخام، لكنها تجعل مزيج الوحول والبراز، بعد معاملته، صالحًا لإنتاج مادة منه شبيهة بالأسفلت لتعبيد الطرق.
حولت فيني وزملاؤها وحول وبراز الإسطبلات إلى مادة لزجة عديمة الرائحة ذات خواص تشبه خواص المواد الرابطة مثل السمنت أو الجص. وتقول إن أسفلت الإسطبلات أثبت أنه لا يصمد أمام عوامل الطبيعة أقل من أسفلت الشوارع الكلاسيكي، فضلاً عن أنه لا يتأثر بدرجات حرارة تقل عن الصفر.
وعند تحضير أسفلت الوحول والبراز الحيواني اتضح أن هذا المزيج لا يكلف أكثر من 0,15 دولار للتر الواحد، وهذا يقل كثيرًا عن سعر الأسفلت التقليدي (القار). وقررت فيني وزملاؤها، بعد نجاح الأسفلت الجديد في امتحان المتانة في المختبر، تسجيل الطريقة كبراءة اختراع، كما أسسوا شركة تحمل اسم «بيو ادهيسيف الليانس» لترويجه.
ويمكن للأسفلت اللزج من الإسطبلات أن يكون بديلاً عن منتجات النفط في صناعة أجزاء السيارات، بحسب تقدير فيني. ومعروف أن شركة فورد للسيارات تحاول إنتاج بديل للبلاستيك من ألياف النفايات النباتية. وأسست شركة فورد، بالتعاون مع منتج معجون وصلصة الطماطم هاينز، مختبرًا مشتركًا يعمل فيه العلماء من الشركتين على اختبار صلابة المواد المصنوعة من ألياف الطماطم المجففة. وبالتالي معرفة مدى صلاحيات كل نوع منها في إنتاج هذا الجزء أو ذاك من أجزاء السيارة. وتخلف شركة هاينز 2 مليون طن سنويًا من جلود وبذور الطماطم، بحسب معطياتها.
ويشير تقرير نشره مختبر البناء التجريبي في مدينة كاسل السويسرية إلى أن بيت الطين قد استعاد أمجاده السابقة وما عاد «رمزًا للفقر» كما في السابق. وهكذا تشهد أوروبا العودة إلى بيوت الطين بعد أن سادت منذ نهاية التسعينات موجة العودة إلى بيوت القش والحلفاء. وتنبأ خبراء البناء في مختبر كاسل، وعلى رأسهم الباحث جيرنوت مينكة الملقب بـ«عرّاب الطين»، بمستقبل واعد للطين في قطاع البناء الأوروبي.
وجاء في تقرير مينكة أن لبيت الطين منافع جمة لإنسان أوروبا اليوم. فبيت الطين يحافظ على رطوبة الجو بنسبة 50 في المائة في الغرف الداخلية. ويستطيع الطين في الوقت ذاته امتصاص الرطوبة بشكل يغني عن نافذة الحمام التي تفتح لتنفيس الحمام من بخار الدش. والميزة الثانية لبيت الطين هي الاحتفاظ بالحرارة الداخلية للبيت، وثبت من خلال التجارب أن درجة الحرارة في بيت يبنيه مينكة بالطرق الحديثة لن ترتفع عن 25 درجة مهما كانت درجة الحرارة الخارجية. وعمومًا يختصر بيت الطين الكثير من تكاليف التدفئة في الشتاء، ويقول مينكة إن من يسكن أحد بيوته الطينية لن يدفع أكثر من 300 فرانك سويسري سنويًا لأغراض التدفئة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».