الانتخابات تعزز اقتصاد الهند المتعثر بحصيلة إنفاق تبلغ خمسة مليارات دولار

الصناديق العالمية تضخ 2.9 مليار دولار للاستثمار في الأسهم والسندات الهندية

تجهيزات الأعلام للحملات الانتخابية تحتل جزءا ضخما من الميزانية («الشرق الأوسط»)
تجهيزات الأعلام للحملات الانتخابية تحتل جزءا ضخما من الميزانية («الشرق الأوسط»)
TT

الانتخابات تعزز اقتصاد الهند المتعثر بحصيلة إنفاق تبلغ خمسة مليارات دولار

تجهيزات الأعلام للحملات الانتخابية تحتل جزءا ضخما من الميزانية («الشرق الأوسط»)
تجهيزات الأعلام للحملات الانتخابية تحتل جزءا ضخما من الميزانية («الشرق الأوسط»)

يتوقع أن يشهد الاقتصاد الهندي المتعثر محفزات جديدة من المليارات التي ستضخها الأحزاب السياسية والمرشحون والحكومة في الانتخابات القادمة، لاختيار الحكومة السادسة عشرة للهند والمزمع إجراؤها في السابع من أبريل (نيسان) والتي ستمتد على مدار خمسة أسابيع.
وفيما يوصف بأحد أكثر الانتخابات الهندية تكلفة، يتوقع إنفاق خمسة مليارات دولارات في هذه الفترة الزمنية القصيرة. وتأتي انتخابات عام 2014 في وقت يشهد فيه الاقتصاد الهندي تباطؤا في النمو حيث بلغت نسبة النمو 4.9 في المائة، وتراجع القطاع الصناعي نتيجة التباطؤ في الطلب العالمي والمحلي. في الوقت ذاته شهدت الهند انخفاضا قياسيا في سعر صرف الروبية وأدى تراجع الأداء الاقتصادي إلى جعل البلاد سوقا غير جاذبة للمستثمرين.
ومن المتوقع أن تعزز الانتخابات العامة القادمة الاقتصاد بمعدلات إنفاق عالية خلال تلك الفترة، بحسب المدير العالم لاتحاد الصناعات الهندية، تشارانجيت بانيرجي.
وأشارت دراسة أخرى أجرتها هيئة الأعمال والتجارة الهندية أن الطلب سيعزز الاقتصاد من خلال الأثر المضاعف، وهو ما يعني زيادة الدخل القومي عدة مرات.
وسوف تشهد الشركات العاملة في مجال الإعلام - مثل القنوات التلفزيونية والصحف ولوحات الإعلانات ووسائل الإعلام الاجتماعية والضيافة - وشركات تشغيل الحافلات والتاكسي والخيام والمطاعم والخطوط الجوية تأثيرا إيجابيا مباشرا للميزانيات الانتخابية للأحزاب السياسية كما هو الحال بالنسبة لآلية الحكومة.
ومن المتوقع أن تصل تكلفة الانتقالات في الحملات الانتخابية لأكبر حزبين داخل الهند - المؤتمر وبهاراتيا جاناتا - إلى مئات الآلاف من الدولارات.
وقالت شركة هاي فلاينغ للطيران، أقدم شركة طيران في الهند، إنها أجرت أسطولها الكامل من المروحيات والطائرات الصغيرة بأسعار تتراوح بين 85000 و150000 روبية في الساعة.
قال آر بوري، رئيس شركة إير تشارترز إنديا، شركة أخرى لتأجير الطائرات: «هناك طلب كبير على الطائرات المروحية والأحزاب السياسية لا تلقي بالا للتكلفة».
وذكر تقرير بيتش ماديسون ميديا أوت لوك أن نحو مليار دولار سينفق على الدعاية سواء في وسائل الإعلام أو الوسائل الأخرى، والذي يصل بالكاد إلى نصف حجم الإنفاق في انتخابات 2009. وقال التقرير «يخطط حزبا بهاراتيا جاناتا والمؤتمر لإنفاق بين أربعة إلى خمسة مليارات دولار على الدعاية».
ويتوقع أن تنال شركات التكنولوجيا مثل غوغل ومواقع الشبكات الاجتماعية مثل تويتر الجزء الأكبر من هذه الأموال عبر التسويق على الإنترنت.
ويقول رئيس فرع غوغل في الهند، غوراف كابور، إن شركته تتوقع هذا العام تحقيق المزيد من الأرباح أكثر مما حققته خلال الانتخابات السابقة لا من الأحزاب الكبيرة فقط بل من الأحزاب الإقليمية الصغيرة أيضا.
إنفاق خمسة مليارات دولار على انتخابات العام الحالي تعني إنفاق ثلاثة أضعاف الأموال التي أنفقت على الحملات الانتخابية السابقة، وهي ثاني أضخم إنفاق بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية التي وصل معدل الإنفاق فيها إلى سبعة مليارات دولار.
وفي بحث آخر آجراه دويتشه بنك، الذي قام بدراسة البيانات الاقتصادية خلال التحضيرات للانتخابات وبعد الانتخابات الخمسة الأخيرة التي أجريت أعوام 1996 و1998 و1999 و2004 و2009. أشارت الدراسة إلى أن هناك أدلة على ارتفاع النمو في أعقاب كل انتخابات. وأضاف التقرير أن الناتج المحلي الإجمالي يتجه إلى الارتفاع تدريجيا بعد الانتخابات. ومع اقتراب موعد انتخابات 2014. زادت الروبية الهندية لتصل إلى أعلى وأقوى مستوياتها خلال أسبوعين تقريبا. وقامت الصناديق العالمية بضخ 2.9 مليار دولار للاستثمار في الأسهم والسندات الهندية. وأوضح البحث الذي أجراه دويتشه بنك أن نهاية حالة الغموض السياسي بعد الانتخابات يمكن أن تكون عاملا مهما لتحسين الحالة الاستثمارية، ومن ثم تعزيز النمو الاقتصادي.
وأشار البحث إلى الارتفاع التدريجي – على وجه العموم – لتدفقات المؤسسات الأجنبية بعد الانتخابات. وباستثناء انتخابات عام 1998 التي شهدت مشكلة حادة بسبب الأزمة الآسيوية، كانت الانتخابات الأخيرة في 2004 و2005 بمثابة تحفيز للمستثمرين الأجانب، بيد أن انتخابات 1999 شهدت أيضا ارتفاعا طفيفا بحسب ما أشار إليه التقرير.
والجدير بالذكر أن لجنة الانتخابات الهندية قررت زيادة نسبة الإنفاق في حملات المنافسة على المقاعد البرلمانية بمقدار ثلاثة أضعاف ما كانت عليه تقريبا، حيث يمكن للمشاركين في الانتخابات أن ينفقوا ما يصل إلى 115 ألف دولار (أي ما يقارب 70 مليون روبية).
بيد أن المرشحين أنفقوا أكثر من هذا المبلغ. ويقوم المرشحون السياسيون بمنح الكثير من الأشياء المجانية للناخبين وذلك في شكل أموال نقدية أو سلع استهلاكية أخرى مثل أجهزة إعداد الأطعمة وأجهزة الكومبيوتر المحمولة والتلفزيونات والغسالات وما إلى ذلك. وتعد تلك الأشياء المجانية من الأمور الواقعية التي تحدث في الحياة السياسية الهندية، حيث تأتي هذه الأموال من السوق السوداء.
وتعد هذه الأشياء المجانية التي تُمنح في موسم الانتخابات من العادات المحببة في الهند، حيث يرحب الناخبين بالحصول على تلك المنح المجانية في ضوء ارتفاع تكاليف المعيشة.
ويقول سومياجيت سينغ، الطالب الجامعي البالغ من العمر 20 عاما والذي حصل على كومبيوتر محمول مجانا في حملات الدعاية التي تسبق الانتخابات – «يعد هذا الأمر جيدا، حيث يحتاج الجميع إلى الحصول على جهاز كومبيوتر، ولكن كيف يمكن للكثير من الأشخاص أن يتحملوا تكلفته؟» والجدير بالذكر أن الحصول على هذا الكومبيوتر المحمول كان له تأثير على تصويت سينغ.
وبناء على ذلك، ستكون انتخابات 2014 هي أكبر عملية ديمقراطية في العالم ممولة من خلال الأموال غير الشرعية.
ويقول أحد المسؤولين بلجنة الانتخابات الهندية – المكلف بمراجعة إنفاق المرشحين - «من الصعب للغاية رصد تفاصيل نفقات المرشحين من خلال الآليات الرسمية».
وبعد مرور عقد من الزمان على البقاء في منصبه، يتوقع منظمو الاستفتاءات خسارة الائتلاف الذي يقوده حزب المؤتمر مع فوز حزب بهاراتيا جاناتا – الجماعة المعارضة – في ضوء وجود ناريندرا مودي، مرشح منصب رئيس الوزراء.
وقبل الإعلان عن الانتخابات بشكل رسمي، بدأ حزب بهاراتيا جاناتا حملته الانتخابية بالفعل عبر البلاد. ومن اللافت للانتباه هو وجود فريق مكون من سبعة أعضاء – يضم بين أعضائه ديباك كانث، المستثمر في المجال المصرفي لدى سيتي بنك والذي يتخذ من لندن مقرا له – حيث حصل على أكثر من 4 مليارات دولار من التبرعات القادمة من الخارج.
ووفقا للدراسة التي أجرتها غرفة التجارة والصناعة في الهند، فمن المفترض – وجود ثلاثة إلى أربعة مرشحين بارزين للتنافس على كل مقعد من المقاعد البرلمانية، وذلك في ضوء المنافسة التي تشهدها الدوائر بين التحالف الوطني الديمقراطي والتحالف التقدمي المتحد والأحزاب الإقليمية الأخرى وحزب آم آدمي. وبناء على ذلك، فربما تشهد كل دائرة من الدوائر الانتخابية إنفاق ما يتراوح بين 200 إلى 250 مليون روبية في الحملات الانتخابية.
ويمكن أن تنفق الأحزاب والمنظمات ما يتراوح بين 8 و10 مليارات روبية بالنسبة للأشكال الأخرى من النفقات المرتبطة بالحملة مثل اللافتات واللوحات الإعلانية الضخمة وتنظيم الاجتماعات العامة ونقل مديري الحملات الانتخابية باستخدام طائرات الهيلكوبتر وما إلى ذلك. ومع الوضع في الاعتبار ما تنفقه الأحزاب الإقليمية الصغيرة وكذلك حزب المؤتمر وحزب بهاراتيا جاناتا، فإننا بصدد الحديث عن نفقات الأحزاب بإجمالي يتراوح من 35 إلى 40 مليار روبية. وبالإضافة إلى نفقات المرشحين، فستبلغ قيمة نفقات الأحزاب في الانتخابات العامة في 2014 ما قيمته 300 مليار روبية. ولا يتضمن هذا المبلغ تكلفة ما تنفقه لجنة الانتخابات الهندية، بالإضافة إلى تكلفة نشر القوات لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وتشير دراسة التجارة والصناعة في الهند إلى أن الانتخابات التي ستجرى في أندرا برديش وأوديشا ستحقق المزيد من التعزيزات بما قيمته 10 إلى 15 مليار روبية.
ويقول جاغديب تشوكار، البروفسور السابق بمعهد الإدارة الهندي: «يتمثل الهدف الأساسي في تحقيق الفوز أيا كانت التكلفة، ولذلك نجد أن الأحزاب تنفق ببذخ على هذه الانتخابات»، موضحا أن مثل هذا الإنفاق يساعد هذه الأحزاب أيضا على تكوين صورة جيدة لها لأطول فترة.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».