فتحت الولايات المتحدة جبهة جديدة ضد تنظيم داعش في ليبيا، مما قد يساعد قوات حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليا في استعادة مدينة سرت الساحلية من سيطرة التنظيم المتطرف، لكنه قد يزيد أيضا من تعقيدات المشهد الداخلي في البلاد.
وتتشكل القوات التي تقاتل تنظيم داعش في سرت (450 كيلومترا شرق طرابلس) من وحدات عسكرية صغيرة من الجيش الليبي المفكك، ومن جماعات مسلحة تنتمي إلى مدن عدة في غرب ليبيا، أبرزها مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) التي تضم المجموعات الأكثر تسليحا في البلاد؛ إذ تملك دبابات وطائرات حربية من نوع «ميغ» ومروحيات قتالية. وقد تشكلت هذه الجماعات عام 2011 خلال الانتفاضة الشعبية التي قتل فيها العقيد معمر القذافي. وبعد إطاحة النظام، احتفظت هذه الجماعات بأسلحتها وأصبحت الجهة العسكرية الأبرز في ليبيا، والأكثر تأثيرا في أمنها.
ولهذه القوات قيادة مشتركة تتخذ مقرا لها في مصراتة، وتتبع حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقرا لها. ورغم امتلاكها طائرات وتنفيذها غارات على مواقع لتنظيم داعش في سرت، فإن القوات الحكومية التي خسرت أكثر من 300 من عناصرها منذ انطلاق العملية العسكرية ضد سرت في مايو (أيار) الماضي، تفتقد إلى الأسلحة التي تصيب أهدافها بدقة، ولا يمكن لهذه القوات استيراد الأسلحة بفعل الحظر المفروض على ليبيا من الأمم المتحدة.
وتخوض القوات الحكومية المجهزة بسيارات رباعية الدفع، والمحملة بأسلحة رشاشة ومضادة للطائرات، وبعدد محدود من الدبابات، حرب شوارع في مواجهة تنظيم داعش، الذي يعتمد على القناصة والسيارات المفخخة، والألغام التي زرعها بين المنازل.
وبهذا الخصوص، يقول رضا عيسى، أحد المتحدثين باسم عملية «البنيان المرصوص» العسكرية في سرت: «لا شك في أن وجود سلاح فعال ودقيق سيسرع الانتهاء من المعركة».
لكن باتريك سكينر، الخبير في الشؤون الليبية في «مجموعة صوفان» الاستشارية الأميركية، يرى أن الغارات الأميركية التي بلغ عددها منذ الاثنين الماضي 8 غارات على مواقع وآليات للتنظيم في المدينة «لم تغير قواعد اللعبة بعد، إلا أنه من المثير متابعة (هذه الضربات) لمعرفة ما إذا كانت ستتواصل».
وبدأت القوات الأميركية تنفذ غارات ضد مواقع لتنظيم داعش في العراق وسوريا منذ أشهر طويلة، وذلك في إطار قيادتها تحالفا دوليا يسعى للقضاء على التنظيم المتطرف. وإلى جانب قدراتها العسكرية الهائلة من الصواريخ الموجهة إلى الطائرات من دون طيار، تملك القوات الأميركية كنزا من المعلومات حيال تكتيكات التنظيم وتحركاته، وذلك بحكم علاقاتها مع الأجهزة الاستخباراتية الإقليمية.
ويقول الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ماتيا توالدو إن القوات الحكومية «تقاتل تنظيم داعش في (إمارته)، لذا كان من الطبيعي أن يوافق (الرئيس الأميركي باراك) أوباما» على مساندتها.
وأعلنت حكومة الوفاق الوطني أن الغارات الأميركية تمت بطلب من الحكومة التي يرأسها فايز السراج. وفي هذا السياق، يرى توالدو أن القوات الحكومية «تريد أن تظهر للقوات الليبية المسلحة الأخرى، خصوصا تلك المتمركزة في الشرق، أنها تتمتع أيضا بعلاقات جيدة مع القوى الخارجية».
وتأتي هذه الضربات بعد إقرار باريس رسميا بوجود لقواتها الخاصة على الأرض في الشرق الليبي، حيث تساند قوات اللواء خليفة حفتر، وهو ما أثار تنديدا ومظاهرات في مدن موالية للحكومة احتجاجا على عدم تنسيق هذا الانتشار مع الحكومة المعترف بها دوليا.
ويقود حفتر قوات عسكرية مؤلفة أيضا من خليط من الجيش المفكك وجماعات مسلحة، ويخوض حربا ضد تنظيمات متشددة ومتطرفين.
لكن بعض المراقبين يرون أن التدخل الأميركي قد يؤدي إلى زيادة التعقيدات في بلاد تشهد أزمة اقتصادية كبرى وانفلاتا أمنيا.
ويعتبر سكينر أن حكومة الوفاق ستستفيد من الضربات الأميركية «على المدى الطويل»؛ إذا إنها «ستكون قد بنت (قنوات اتصال) فعالة مع واشنطن».
فيما يرى توالدو أن حكومة الوفاق قد تعتمد على الدعم الأميركي لصرف النظر عن «المشكلات التي تواجهها في مسألة توفير السيولة والخدمات العامة».
لكن التحرك الأميركي يثير حفيظة سلطات الشرق، التي لطالما اعتبرت مسألة محاربة تنظيم داعش «نقطة استقطاب رئيسية لها».
وأدانت القوات الليبية في الشرق أول من أمس الغارات الأميركية، معتبرة أن «سرت أصبحت ورقة سياسية لها دورها البارز والكبير في الانتخابات الأميركية، كما أن لها الدور الكبير في تثبيت حكومة» الوفاق في طرابلس. كما أعلنت دار الإفتاء الليبية، أعلى سلطة دينية في البلاد، رفضها الضربات الأميركية، بعدما رأت أن المساندة العسكرية الأميركية تمثل «محاولة لسرقة جهود» المقاتلين الليبيين و«انتهاكا لسيادة» ليبيا.
ولم يعرف حتى الآن ما إذا كانت الضربات الأميركية على سرت ستتوسع ليشارك فيها أعضاء التحالف الدولي الآخرون، الذين يخوضون الحرب الدولية ضد الإرهاب إلى جانب واشنطن في سوريا والعراق.
وبعيد تنفيذ أولى الضربات الأميركية الثلاثاء الماضي، دافع الرئيس الأميركي باراك أوباما عن انخراط بلاده في الحرب على تنظيم داعش في سرت، قائلا إن هزيمة التنظيم المتطرف تخدم المصلحة الوطنية الأميركية.
وتوقع المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جيف ديفيس هذا الأسبوع أن تستمر الضربات الأميركية «لأسابيع وليس لشهور».
ويقول توالدو إنه «من المبكر معرفة ما إذا كانت الحملة ستستمر»، مضيفا: «كم عدد الأهداف التي يمكن أن تضربها غارات جوية في منطقة تبلغ مساحتها نحو 20 كيلومترا مربعا؟».
هل تزيد الضربات الأميركية من تعقيدات النزاع الليبي؟
وزارة الدفاع الأميركية أعلنت استمرارها لعدة أسابيع
هل تزيد الضربات الأميركية من تعقيدات النزاع الليبي؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة