إليسا تحيي آخر حفل لمهرجانات «أعياد بيروت»

غنت الفرح وكانت صلة وصل بين العاصمة ونجومها

إليسا خلال الحفل الختامي لمهرجانات بيروت ({الشرق الأوسط})
إليسا خلال الحفل الختامي لمهرجانات بيروت ({الشرق الأوسط})
TT

إليسا تحيي آخر حفل لمهرجانات «أعياد بيروت»

إليسا خلال الحفل الختامي لمهرجانات بيروت ({الشرق الأوسط})
إليسا خلال الحفل الختامي لمهرجانات بيروت ({الشرق الأوسط})

ازدحمت مدرجات مهرجانات «أعياد بيروت» في سهرتها الختامية بمحبّي الفنانة إليسا، فجاءوا بالآلاف يوافونها مودّعين معها أحد أهم النشاطات التي ازدانت بها العاصمة هذا الصيف.
هذه الحفلة من الموسم الخامس للمهرجانات المذكورة كانت الأخيرة على لائحة برنامجها الفنّي، الذي حمل على مدى شهر كامل أسماء لامعة من أهل الغناء اللبنانيين والعالميين؛ تامر حسني وخوسيه فلتشيانو وإيلين سيغارا ووائل كفوري ونوال الزغبي وغيرهم.
لم تكد تطلّ الفنانة إليسا على مسرح «أعياد بيروت» في مجمّع «بيال» وسط العاصمة، وهي تنشد «حكيلي» لفيروز، حتى اشتعلت القاعة بالتصفيق الحار. فانحنت إليسا تحية لمحبّيها ولتكمل بعدها الغناء، وهي ترتدي فستانًا أبيض وأسود، تلألأت عليه النجوم من هذين اللونين لتتراقص معها على أنغام الموسيقى. فكانت بمثابة لوحة تعبيرية فرحة من نوع آخر رافقت الفنانة اللبنانية طيلة السهرة، إذ كانت تهتز معها يمينًا ويسارًا انسجامًا مع كلّ خطوة تقوم بها على الخشبة.
«اشتقت إليكم كثيرًا وإلى هذا المسرح بالذات»، خاطبت إليسا جمهورها الغفير، الذي احتلّ إلى جانب مقاعد المسرح مساحات واسعة من قاعة الحفل وقوفًا. ثمّ انطلقت في برنامجها الغنائي، لتبدأه بأغنية الراحلة داليدا «حلوة يا بلدي». ولتعود تتحدّث إلى الجمهور قائلة: «يبدو أن الأجواء جميلة جدًا، أليس كذلك؟ إذن عبّروا لي عن فرحكم». ولتشدو على أثرها أغنية «لو فيّ»، التي دفعت الحضور إلى الوقوف حماسًا وهو يرافقها بالغناء ملبّيًا طلبها. وبقيت إليسا بين كلّ أغنية وأخرى تخاطب جمهورها وتتوجّه إليه بعبارات محبّبة، واقفة على أحوال مزاجه وأجواء الحفل مرة «كيف الأجواء عندكم»؟ ومتفاعلة معه بشكل مباشر مرات أخرى، عندما كان يتناهى إلى مسمعها صراخهم وهتافهم باسمها لتسأل: «من يناديني الآن؟ دعوني أريد أن أغني، فأنا أيضًا أحبّكم كثيرًا».
ومع «أسعد واحدة» و«خدني معك» و«لو»، استطاعت إليسا أن تنقل مشاعرها وأحاسيسها إلى الحضور بشكل لافت. فقفزت ورقصت وتحمسّت مع الأولى، وأطربت سامعيها مع الثانية، وجسّدت شخصية المرأة النادمة مع الثالثة، التي حفظها اللبنانيون من خلال جنريك مسلسل «لو» في رمضان الماضي.
قدّمت إليسا استعراضًا غنائيًا مميزًا في سهرتها هذه، التي حسب ما وصفتها الأجمل من بين جميع الحفلات التي سبق وقدّمتها. فأظهرت قدرتها في الغناء والرقص والتمثيل في آن. وحافظت على طاقتها وحيويتها طيلة الحفل، بحيث كان من الصعب عليها أن تترك جمهورها ولو للحظات، بهدف أخذ فترة استراحة ترممّ فيها ماكياجها وتمسح فيها عرقها بسبب ديناميكيتها من ناحية، والحرارة الشديدة التي اجتاحتها بفعل حركتها الدائمة على المسرح من ناحية ثانية. فلم تكد تعتذر من الحضور عن مغادرتها الخشبة لثوانٍ، حتى عادت لتخاطبه قائلة: «لم أستطع فراقكم.. لقد عدت بسرعة إليكم.. فاجأتكم مو»؟
أما الأغنية التي شكّلت ذروة تفاعل جمهور إليسا معها، فكانت «سهّرنا يا ليل»، التي أطلقتها أخيرًا. فما إن ذكرت اسمها على مسامع الحضور حتى وقف يلوّح لها ويهتف باسمها وهو يدندن مطلع الأغنية دون موسيقى. وبعد هذه الأغنية التي أشعلت أجواء مسرح «أعياد بيروت» بشكل لافت، قدّمت إليسا أغنية «بدّي دوب» من بداياتها، ولتلحقها بـ«لولا الملامة» للراحلة وردة الجزائرية. ثم نقلت الحضور إلى أجواء رومانسية مرهفة عندما أدّت «يا ريت»، التي كانت أغنية المسلسل الرمضاني الذي حمل نفس الاسم.
حاكت إليسا في أدائها المتنوع لنسيج أغانٍ اختارتها من «ريبرتوارها» القديم والجديد مجموعة من الحالات، فكانت تعيش النشوة في كلّ واحدة منها. فتغوص تارة في أداء طربي «خدني معك»، لتنقلنا بعده إلى آخر روحاني «موطني»، ولتأخذنا إلى عالم البهجة في «سهّرنا يا ليل»، وإلى الرومانسية الحالمة في «لو».
طغى على حفلة إليسا التي اختتمت فيها «أعياد بيروت» برنامجها الفنّي الطويل، أداؤها لأغاني عمالقة الفنّ. فبين فيروز «نسّم علينا الهوا« و«حكيلي»، والراحلين عبد الحليم حافظ «أول مرة»، ووردة الجزائرية «لولا الملامة» و«أنا مالي»، وطوني حنا «خطرنا على بالك»، استطاعت أن ترضي شريحة لا يستهان بها من جمهورها الذي كان توّاقًا لسماع أغاني ألبومها الجديد، إلا أن برمجة طرحه في الأسواق لاحقًا التي اعتمدتها شركة روتانا بالاتفاق معها بعد أن داهمهما الوقت، دفعت إليسا لاختيارها أغانٍ لا تتعلّق به بتاتًا. وجاء هذا الخيار لينعكس إيجابًا على أجواء السهرة ككلّ، فأتحفتنا بأغانٍ لطالما رددناها وحفظناها منذ بداياتها حتى اليوم «بدّي دوب» و«عايشالك»، فأثارت الحنين في جمهور عشق صوتها هي الملقبّة بـ«ملكة الإحساس».
«لمّا غنّت إليسا» قد يكون العنوان المناسب لحفلتها الأخيرة في «أعياد بيروت» التي غابت عنها العام الماضي فافتقدها جمهورها. فلقد أعادت إلى «ستّ الدنيا» فرحتها فابتسمت سماؤها من جديد على وقع أدائها الملوّن بالسهل الممتنع، فودّع اللبنانيون مهرجانًا أنعش العاصمة، وأزاح عن كاهلها التوترات السياسية والبيئية التي تترنّح تحت وطأتها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».