رامسفيلد يعود إلى واشنطن

فيلم وثائقي عن وزير الدفاع الأميركي الذي قاد التدخل في العراق وأفغانستان

مخرج الفيلم إيرول موريس يتحدث إلى وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد خلال الفيلم
مخرج الفيلم إيرول موريس يتحدث إلى وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد خلال الفيلم
TT

رامسفيلد يعود إلى واشنطن

مخرج الفيلم إيرول موريس يتحدث إلى وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد خلال الفيلم
مخرج الفيلم إيرول موريس يتحدث إلى وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد خلال الفيلم

عاد إلى واشنطن دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع في إدارة الرئيس السابق بوش الابن، الذي قاد التدخل العسكري الأميركي في أفغانستان، وفي العراق، وفي بقية عمليات «الحرب ضد الإرهاب»، بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001.
إلا أن رامسفيلد لم يعد بسبب استجواب أمام الكونغرس، حيث كان يقدم أرقاما وإحصائيات لا نهاية لها، ولم يعد لمؤتمر صحافي، حيث كان يستعلي علي الصحافيين بعبارات فصيحة، وفلسفات غريبة. مثل فلسفة «المجهول المعروف».
تلك العبارة هي التي أعادت رامسفيلد الذي يعيش في مسقط رأسه في إيفانستون (ولاية إلينوي) إلى واشنطن. «المجهول المعروف»، الفيلم الوثائقي الذي بدأ عرضه أمس في واشنطن، من دون استجواب، ومن دون مؤتمر صحافي، لكن مع عاصفة من الجدل ليست فقط عن رامسفيلد، ولكن أيضا عن مخرج الفيلم: إيرول موريس الذي يعد هو نفسه شخصية مثيرة للجدل.
وتعرض موريس لكثير من الانتقادات لأنه لم يسأل رامسفيلد أسئلة صعبة، ولأنه دخل معه في مواجهة كلامية وكأنه يريد أن يبرهن على أنه أكثر فصاحة منه.
رد موريس على هذا النقد قائلا: «أريد أن أعطي المشاهدين فرصة أن يدخلوا إلى عقل هذا الرجل، ويفسروه. أريد منهم أن يحكموا على أخلاقياته، بدلا من أن أفرض عليهم رأيي». يتابع الفيلم رامسفيلد منذ أن دخل البحرية الأميركية في خمسينات القرن الماضي، ثم دخل الكونغرس في الستينات. وخلال خمسين سنة في واشنطن صار من نجوم السياسة اللامعين، ووصل القمة عندما صار وزيرا للدفاع في السبعينات (إدارة الرئيس فورد)، ثم مرة أخرى مع بداية الألفية (إدارة الرئيس بوش الابن).
ويركز الفيلم الوثيقة على المرة الثانية وعلى فصاحة وفلسفة لم يشتهر بها وزير دفاع سابق، واسم الفيلم من عبارة مشهورة خلال مؤتمر صحافي عن حرب العراق، حين سأله صحافي: «هل تعرف حقيقة أن هناك أسلحة دمار شامل في العراق (السبب الرئيس لغزو العراق)؟»، وأجاب: «أنا أعرف وأنتم تعرفون أيضا أنه توجد أشياء نعرف أنها معروفة، وتوجد أشياء نعرف أنها مجهولة. توجد أشياء كنا نعتقد أنها معروفة، لكنها الآن مجهولة. وتوجد أشياء كنا نعتقد أنها مجهولة، لكنها الآن معروفة. وتوجد أشياء نحن نجهل أنها مجهولة. وتوجد أشياء نحن نعرف أنها معروفة. وتوجد أشياء نحن نعرف أنها مجهولة».
وبسبب الضجة التي أثارتها هذه الإجابة استغلها رامسفيلد وسمى بها كتاب مذكراته: «المعروف والمجهول» غير أن اسم الفيلم هو «المعروف المجهول».
وقالت هوراندي، محررة الأفلام في صحيفة «واشنطن بوست»، بعد أن شاهدت الفيلم في عرض مسبق: «سيصاب المشاهدون الذين سيشاهدون (المعروف المجهول) بخيبة أمل إذا كانوا يريدون أجوبة حول دور رامسفيلد في تخطيط وتنفيذ غزو العراق في عام 2003. سيغادرون القاعة بمزيد من الإحباط عن الذي دخلوا به القاعة».
في الحقيقة، ظل هذا هو الوضع منذ أن كان رامسفيلد وزيرا للدفاع. ظل يقول، إن «الزمن سيحكم عما إذا كانت حرب العراق خطأ أو صوابا».
وهكذا، يتأرجح الفيلم بين معلومات جديدة ومعلومات مكررة. وفي الحالتين يتحدى رامسفيلد كل من له عقل، وتابع حرب العراق. مثلما عندما يقول، إن «الولايات المتحدة لا تقتل الناس». هنا، تدخل المخرج موريس بسرعة، وذكره بضرب مزرعة الرئيس العراقي السابق صدام حسين في الدورة بالعراق. حتى في ذلك الوقت، لم يكن سرا أن القوات الأميركية أرادت قتل صدام حسين بأربع قنابل خارقة للتحصينات، لتصل إلى مخابئ تحت الأرض.
لكن، في الفيلم، يميل موريس نحو السماح لرامسفيلد بأن يكرر رأيه من دون منازع، ولا حتى سأل موريس سؤالا متابعا.
ورغم أن موريس عرض الصورة الشهيرة التي التقطت عام 1986 وفيها رامسفيلد (مبعوثا من الرئيس ريغان) يبتسم وهو يصافح صدام حسين، لم يسأل موريس رامسفيلد عن الصورة.
لكن لا يقل موريس فصاحة عن رامسفيلد في الدفاع عن الطريقة التي أخرج بها الفيلم. قال: «قبل بداية عرض الفيلم، وضعت قائمة فيها أسئلة أتوقعها من الصحافيين. ووضعت إجابة عن كل سؤال. سعدت لأنهم سألوني ما توقعت. وسعدت أكثر لأنهم سألوني ما لم أتوقع. تسعدني انتقادات لا أتوقعها».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».