أحمد خليفة: مسلسلات البيئة الشامية كاذبة.. والدراما السورية في أسوأ حالاتها

الفنان السوري قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يرى مهنة التمثيل تتجه نحو الانحدار

أحمد خليفة: مسلسلات البيئة الشامية كاذبة.. والدراما السورية في أسوأ حالاتها
TT

أحمد خليفة: مسلسلات البيئة الشامية كاذبة.. والدراما السورية في أسوأ حالاتها

أحمد خليفة: مسلسلات البيئة الشامية كاذبة.. والدراما السورية في أسوأ حالاتها

يتميز الفنان السوري المخضرم أحمد خليفة بتنوع الأدوار والشخصيات التي يؤديها، وخاصة في مجال الكوميديا ومسلسلات البيئة الشامية، حيث في رصيده عشرات المسلسلات المتنوعة، كما أنه متعدد المواهب فهو عمل مخرجا مسرحيا، كما أنه يكتب السيناريو التلفزيوني، وهو مؤلف أغان؛ حيث له في الإذاعة نحو مائة أغنية أداها مطربون سوريون، مثل سمير سمرة، ونعيم حمدي، وعصمت رشيد، ومائدة نزهت من العراق. وفي حوار معه تحدث الفنان أحمد خليفة لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «في الموسم الدرامي الحالي شاركت في الجزء الثاني من مسلسل (العراب) للمخرج حاتم علي بشخصية السمان، وفي المسلسل الشامي (عطر الشام) بشخصية السقا أبو حَكَمِي، وفي الجزء الثالث من المسلسل الشامي (طوق البنات) بشخصية الخضري». وحول رأيه بواقع مسلسلات البيئة الشامية (وهو ابن البيئة حيث ولد ويعيش في حي العمارة بمدينة دمشق القديمة) يضحك خليفة معلقا: «المسلسلات الشامية سيئة وشاركت فيها لأنها عمل يدر عليَّ دخلا ماديا، فالبيئة ليست كما تقدمها هذه المسلسلات إنها تكذب؟!.. البيئة الشامية قدمت بشكلها الصحيح في مسلسلات الخوالي وأيام شامية وليالي الصالحية فقط لا غير».
ولكن باب الحارة ألم يقدم البيئة الشامية بشكلها الصحيح؟ يجيبa خليفة: «الجزآن الأول والثاني فقط كانا مقبولين، ولذلك قرروا إنهاءه في الجزء الثاني، واستغربت استمراريته التي تحولت أجزاؤه فيما بعد إلى مصدر رزق للعاملين فيه، فالأجزاء التالية ليس لها علاقة مطلقا بالبيئة الشامية لا من قريب ولا من بعيد!.. لقد (موتوني) في الجزء الثالث، وكانت شخصيتي أبو أحمد (مقشش كراسي في الحارة)، ولذلك لم أكن موجودا في الأجزاء التالية، باستثناء أنني دُعيت لأكون مدققا للهجة الشامية في الجزأين السادس والسابع».
ولـ«خليفة» رأي في واقع الدراما السورية حاليا يوضحه قائلا: «الدراما السورية حاليا في أسوأ حالاتها، خاصة تلك المسلسلات التي تُصَوَّر في سوريا ومنها الاجتماعية المعاصرة، تابعت بعضها (إنها ثقيلة على عين المشاهد)، بينما المسلسلات التي تصور في الخارج لها سمة سورية مقبولة».
وحول واقع الكوميديا السورية؛ حيث للفنان خليفة مشاركات كثيرة فيها يقول: «أنا لست مشاركا فيها فقط، بل كتبت عددا من نصوصها، وآخرها أنجزته مؤخرا وأعطيته لإحدى شركات الإنتاج وهو بعنوان (سالم وسليم وسلمى)، وهو في جزأين من ستين حلقة، وأعتقد أن نصه جيد ولا يتجه للتهريج، وبشكل عام الكوميديا السورية متراجعة، وتعاني قلة المخرجين الكوميديين، ومن الفشل في وجود جزء ثان من مسلسل كوميدي نحج بجزئه الأول، فبعد سنوات يقدم جزء ثان هذا خطأ، برأيي على الكاتب هنا أن ينجز الجزأين معا ليكونا بالأفكار والأسلوب نفسهما، أما إذا كتب جزءا ثانيا من مسلسل كوميدي نجح في جزئه الأول وبعد سنوات من عرضه، فسيكون مصيره الفشل، وهذا ما حصل مثلا مع مسلسل (يوميات مدير عام) و(دنيا)، ولو أعرف أن الجزء الثاني منهما سيكون بهذا الوضع لكنت اعتذرت عن المشاركة فيهما».
وحول ظاهرة دخول مخرجي السينما على الدراما التلفزيونية، يقول خليفة: «تقصد دخول جود سعيد مؤخرا في مسلسل أحمر، برأيي لم يقدم شيئا جيدا فهذا ليس ملعبه؟! إن كاميرا السينما غير كاميرا التلفزيون والتخصص هنا أمر جيد، ليبقَ في السينما أفضل له. هناك مخرج متمكن بالفعل في السينما والتلفزيون وهو باسل الخطيب».
وحول مشاركاته في الدراما المصرية وتجربة الفنانين السوريين فيها يوضح خليفة: «كنت موجودا في الدراما المصرية من خلال مشاركتي في مسلسلي (العميل 1001) في عام 2006، و(عابد كرمان) مع المخرج الراحل نادر جلال في عام 2010». وهل تجيد اللهجة المصرية؟.. يبتسم خليفة:«(هي زي السلطة عندي) لقد أقمت في مصر بحي الدقي خمس سنوات، وبرأيي من شارك في الدراما المصرية من السوريين كانوا جديرين وأكفاء، ولو لم يكونوا كذلك لما أتيحت لهم الفرصة للوجود في الدراما المصرية، ولنقل الواقع كما هو.. المصريون سبقونا في مهنة التمثيل سبعين سنة، ولذلك هم مجتهدون أكثر منا؟!.. وتعاملهم مع الممثلين أفضل بكثير من تعامل المخرجين والمنتجين لدينا مع الممثلين».
وعن ظاهرة الشللية في الدراما السورية يقول خليفة: «هي ظاهرة قديمة جدا، ومن الطبيعي أن تكون موجودة رغم أنها ظاهرة سلبية ولا يمكن لأحد أن يكافحها، حيث يعتمد المخرج مثلا على المقربين لديه لأنه يعرف إمكاناتهم وطريقة عملهم، والمنتجين حاليا يأتون بأي شخص وما هب ودب ليشارك في مسلسلاتهم، وهؤلاء ليس لهم علاقة بالتمثيل، ولذلك مهنة التمثيل لدينا تتجه نحو الانحدار، ولست مطمئنا أن يأتي جيل فني يرث جيل الكبار لدينا، وبالنسبة إليَّ لم أدخل في أي شلة فنية».
وحول غياب المسلسلات التاريخية والسيرة الذاتية في السنوات الأخيرة، يرى خليفة أن السبب يعود إلى المشاهدين فلم أحد يرغب في مشاهدة هذا النوع من المسلسلات.
وعن عرض معظم مسلسلات العام بشهر رمضان، يراه خليفة ظاهرة غير جيدة؛ فهي كما يقول تسبب فقدان قيمة بعض المسلسلات الناجحة.. «إنها تحترق في الزحمة الرمضانية؛ حيث لن يتمكن المشاهد مثلا من متابعة 40 مسلسلا في شهر واحد، فيذهب الصالح في الطالح».
وحول علاقته بالإخراج يشرح خليفة: «أنا أحب الاختصاص، وتفرغت للتمثيل فقط مع أنني أصنف في نقابة الفنانين مخرجا تلفزيونيا ومسرحيا وممثلا، وأمتلك أدواتهم جميعها، وكنت مديرا للمسرح العمالي بدمشق في عام 1977، وأخرجت عددا من المسرحيات فيه، ولكن لم أحصل على أي مردود مادي رغم تعبي وجهدي مع المسرح العمالي.. (لقد كافأوني فأهدوني كرافتة ومحرمة)».. يضحك خليفة.
لدى الفنان خليفة ولدان ورثا التمثيل عنه وهما مهند، الذي شارك في مسلسلات البيئة الشامية، وتقدم لدراسة الفن في المعهد العالي للفنون المسرحية.. و«لكن لم يقبلوه، رغم أنهم يعرفون أنه موهوب وابن فنان، ولكن يبدو أن لهم أسلوبهم الخاص في قبول الطلاب لديهم!.. مثلا الفنان عبد المنعم عمايري لم يقبلوه في المعهد إلا بعد أربع سنوات من تقدمه له، وكذلك الممثل تيم حسن بعد سنتين حتى قبلوه.. وابني الثاني محمد ممثل وكاتب سيناريو أيضا، وله مشاركات في كثير من المسلسلات المتنوعة».



ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».