«الغرافيتي» في النمسا .. فن أم جريمة تخريب

شركة مواصلات فيينا تخسر 7 آلاف يورو في اليوم الواحد

رسم غرافيتي على أحد القطارات في النمسا ({الشرق الأوسط})
رسم غرافيتي على أحد القطارات في النمسا ({الشرق الأوسط})
TT

«الغرافيتي» في النمسا .. فن أم جريمة تخريب

رسم غرافيتي على أحد القطارات في النمسا ({الشرق الأوسط})
رسم غرافيتي على أحد القطارات في النمسا ({الشرق الأوسط})

هل «الغرافيتي» فن أم جريمة تخريب يجب أن يعاقب عليها القانون؟ إن «الغرافيتي» رسم على جدران دون إذن رسمي من ملاكها أو سلطاتها!
وفي حديث إعلامي، قال ناطق باسم شركة مواصلات فيينا إن خسائرهم العام الماضي فقط تجاوزت 7 آلاف يورو في اليوم الواحد بسبب رسومات غرافيتي طليت بها نوافذ ودواخل قطارات أنفاق، مما يتطلب توقيفها عن العمل، وسحبها لتنظيفها، حفاظا على السلامة، ولأسباب اقتصادية.
وأضاف ناطق باسم شركة المواصلات أنهم تمكنوا من خفض تلك التكلفة إلى نحو 4 آلاف يورو، بسبب زيادة كاميرات المراقبة التي تعمل 24 ساعة في اليوم، لا سيما في المحطات الطرفية والبعيدة، مشيرا إلى أن العقوبة في مثل هذه الحالات قد تصل إلى السجن 5 سنوات بتهم التسبب في أضرار جسيمة بممتلكات عامة.
ومن أشهر المتهمين بالرسوم في القطارات الذين ألقي القبض عليهم وحوكموا شاب بريطاني الجنسية، تقول شركة المواصلات إنه وحده قد كلفها 200 ألف يورو.
من جانب آخر، اشتهر في فيينا طولا وعرضا، وطيلة عامي 2013 – 2014، رسم غارفيتي اختصر على كلمة «بوبر»، وتكتب PUBER.
فقد ظلت هذه الكلمة تكتب بشكل فني باللون الأحمر، وتظهر كالنبت الشيطاني في معظم الجدران ما أن يتم طلاء بعضها وتجديده، مما سبب إزعاجا للشرطة ولملاك تلك المنازل، فتمت ملاحقتها بحثا عن مصدرها ومعناها دون أثر.
والغريب أنه لم يظهر لها معنى حتى بعدما تم إلقاء القبض على راسمها، وهو شاب سويسري برازيلي الأصل (30 عاما)، ظل يكتبها ليلا متنقلا بدراجة تقوده من حي لآخر.
وبعد محاولات كثيرة، وبعدما أطلقت وسائل إعلام يمينية على الفاعل اسم «عدو الجمال» و«عدو الشعب رقم 1»، نجحت الشرطة في الإمساك به. وكما قالت في بيان، ألقي القبض عليه متلبسا بالجرم المشهود وهو يرسم بقلم بوية من نوع خاص من تلك التي تستخدم في الغرافيتي، وعند تفتيش شقته تم العثور على أدوات غرافيتي. وللغرابة، اتضح أنه جاء فيينا طلبا لجمع بعض المال، وأنه كان أحيانا يعمل مسؤول أمن ببعض تلك المباني.
وقد جرم وعوقب بـ14 شهرا سجنا، مواجها 232 تهمة أصر الدعاة أنهم لم يتمكنوا من إزالة الرسم دون تكلفة، هذا فيما قال هو إن الكلمة لا تعني أي شيء، وإنه لا يدري لماذا كان يرسمها.
يذكر أن فيينا لا تخلو من بضعة مواقع تسمح قانونيا بممارسة رسم الغرافيتي، ولهذا يسميها البعض بالمناطق «الحرة»، وأشهرها حائط تحت جسر يعبر نهر الدانوب.
من جانب آخر، تؤمن قطاعات أخرى أن الغرافيتي فن وإبداع يكسب بعض المدن، رغم أنف السلطات، طابعا مميزا، سواء في ذلك كان رسومات كلوحات جميلة أو أخرى تحمل زخما وطابعا لثورة ورغبة في التعبير الصارخ احتجاجا عن قضايا اجتماعية. وفي هذا السياق، وحفاظا على مثل هذه الأعمال، تشكلت في فيينا مجموعة هدفها توثيق تلك الرسومات باعتبارها «فن» عليهم حفظه قبل أن تتم إزالته.
وفي هذا السياق، يقوم أولئك النشطاء بطلعات منظمة تبحث عن تلك الرسومات الجدرانية، وتصورها بغرض الحفظ، ولعرضها عبر صفحات إلكترونية حتى تصبح في متناول الجميع. ليس ذلك فحسب، بل تعمل قطاعات في استضافة معارض داخل صالات تخصص لفنانين معروفين عالميا، لعرض بعض رسومات الغرافيتي، تعبيرا عن اهتمامهم، ورعاية منهم لما يصفونه بالغرافيتي بوصفه فنا تعبيريا ليس بالضرورة أن يكون جميلا قدر ما هو وسيلة للتعبير عن أحاسيس وقدرات، ومن تلك المعارض معرض أقامه جامع أعمال فنية للسويسري الذي أصبحت فيينا تعرفه باسم PUBER.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».