بريدة تطلق اليوم «مهرجان التمور» كأكبر تظاهرة اقتصادية بالمنطقة

بإشراف عام من أمير منطقة القصيم فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز

أمير منطقة القصيم - أنواع من التمر خلال المهرجان («الشرق الأوسط»)
أمير منطقة القصيم - أنواع من التمر خلال المهرجان («الشرق الأوسط»)
TT

بريدة تطلق اليوم «مهرجان التمور» كأكبر تظاهرة اقتصادية بالمنطقة

أمير منطقة القصيم - أنواع من التمر خلال المهرجان («الشرق الأوسط»)
أمير منطقة القصيم - أنواع من التمر خلال المهرجان («الشرق الأوسط»)

ينطلق فجر اليوم الخميس في مدينة «بريدة» شمال العاصمة الرياض بـ350 كيلومترًا، أكبر مهرجان للتمور في العالم كأكبر تظاهرة اقتصادية فريدة من نوعها، يلتقي فيها المزارعون والتجار والمتسوقون على مدى 35 يومًا مقبلة لبيع وشراء مختلف الأصناف، من أجود أنواع التمور التي تشتهر بها منطقة القصيم. ويسجل مهرجان بريدة عاصمة التمور هذا العام حضورًا مميزًا بفعاليات جديدة وبرامج ثرية متنوعة، حرص المنظمون من خلالها على إحداث التطوير الذي سيسهم في تنشيط حركة السوق اليومية، ودقة الحركة التجارية وتقييمها وفق معايير مدروسة لخططها الاستراتيجية في منظومة العمل. وتحتوي منطقة القصيم على ثمانية ملايين نخلة، تنتج ستة ملايين منها أكثر من 205 آلاف طن، فيما يحرص مزارعوها كل عام على غرس نحو 200 ألف نخلة، نظرًا للقيمة الاقتصادية والغذائية التي يمثلها التمر للإنسان.
وتعد مدينة التمور في بريدة واحدة من أهم الإنجازات التي تتميز بها منطقة القصيم، ورافدًا اقتصاديًا مهمًا يلبي تطلعات المزارعين في بيع وشراء جميع أنواع التمور، بما يخدم جميع فئات المتداولين فيه، وتنظم فيها الندوات والمحاضرات العلمية والتثقيفية التي تناقش أمراض النخيل والتمور وطرق مكافحتها مثل سوسة النخيل، علاوة على توضيح خطوات عملية إنتاج التمور من الغرس، والتلقيح، والجداد، والمعالجة، وإعداد التمر للبيع، لدخوله في كثير من الصناعات مثل: «عجينة التمور، الدبس، الخل، الأعلاف»، كما تربط الزائر لها بالماضي عن طريق القرية التراثية التي تهتم بطرق زراعة النخيل القديمة. وتتميز المنطقة بزراعة أصناف فاخرة من التمور كالسكري الأصفر، والبرحي، والشقراء، وأم الحمام، والسكري الأحمر، والخلاص، ونبتة علي، والروثانا، وحلوة، وأم الخشب، ونبتة راشد، والونانة، والرشودية، والعسيلة، والمكتومي، والصقعي، وأم كبار، ونبتة سيف، والبريمى، وحوشانة، والمنيفي، والخضرا، والفنخا، والمطواح وقطارة والسالمية والسباكة.
من جانبه قدم أمين منطقة القصيم المهندس صالح الأحمد، الشكر والتقدير للأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم، المشرف العام على مهرجان تمور بريدة، لما يبذله من دعم ومساندة لمدينة التمور ومهرجانها العالمي، الذي يوليه الاهتمام الكبير، من خلال الإشراف والمتابعة المستمرة، كونه أحد أهم الأحداث الاقتصادية التي تشهدها المملكة، لافتًا إلى أن تولي سموه الإشراف على المهرجان سيكون حافزًا لجميع العاملين لتقديم المزيد من التميز، وأن تكون الاستعدادات بأحسن صورة وفق توجيهات سموه، ليبقى مهرجان تمور بريدة متميزًا ومتفردًا ومتنوعًا باحتوائه الكثير من الأنشطة، وما يشهده سنويًا من نمو مطرد في حجم الإقبال والحركة الاقتصادية.
من جهته كشف الرئيس التنفيذي للمهرجان، عبد العزيز المهوس، أبرز ملامح خطة عمل المهرجان الذي ينطلق فجر اليوم الخميس وسط منظومة متكاملة من الخدمات المساندة، بما يخدم المزارع والتاجر والمستهلك، في تظاهرة اقتصادية تعد الأضخم من نوعها على مستوى العالم، مشيرًا إلى أنه تم توزيع مسارات ساحة البيع على الدلالين، وتكثيف فرق ضبط الجودة والإحصاء والاستعلامات، لضمان سلامة منتج التمور من الغش والمخالفات، بالإضافة إلى إيجاد مكتب لخدمة المتسوق يعنى بالإرشاد للمستهلك لجودة التمور وأنواعها، لافتًا إلى أنه تمت توسعة خيمة التجزئة للشباب لممارسة عمل بيع التمور بنسبة في المائة عن العام الماضي، وإضافة فعاليات مصاحبة للمهرجان تتمثل في أكاديمية التمور لتدريب الشباب للدخول في مجال تجارة التمور، وفعالية العمة «نخله» عبر برنامج توعوي تثقيفي عن أنواع التمور وكل ما يخص النخلة، وركن الطفل للإبداع بمزرعة الصباخ، وفعالية الخراف، وأنامل سعودية، بالإضافة إلى فعاليات مصاحبة مسائية بمتنزه الملك عبد الله، مثنيًا على الدعم والمتابعة التي يجدها المهرجان من لدن أمير منطقة القصيم.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)