إيقاف نشاط 6 شركات حج تركية على خلفية الانقلاب الفاشل.. ولا مساس بالحجاج

استبعاد 24 معلمًا مناصرًا للانقلاب من مدارس تركية في السعودية

إيقاف نشاط 6 شركات حج تركية على خلفية الانقلاب الفاشل.. ولا مساس بالحجاج
TT

إيقاف نشاط 6 شركات حج تركية على خلفية الانقلاب الفاشل.. ولا مساس بالحجاج

إيقاف نشاط 6 شركات حج تركية على خلفية الانقلاب الفاشل.. ولا مساس بالحجاج

أوقفت السلطات التركية المختصة نشاط ست شركات للحج والعمرة في تركيا، بعد ثبوت إدارتها من قبل أنصار فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل منتصف الشهر الماضي.
وأوضح فكرت أوزر القنصل التركي في جدة لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس (الاثنين)، أن الجهات المختصة التركية كشفت أنصار الانقلاب في شركات للحج، إضافة إلى 24 معلمًا وإداريًا من العاملين في ثماني مدارس تركية تتوزع على خمس مدن في السعودية.
وأكد إيقاف نشاط ست شركات للحج والعمرة في تركيا كانت تدار من جماعة فتح الله غولن الإرهابية وتمارس أنشطة مشبوهة، وستطبق عليهم الحكومة التركية الإجراءات القانونية، وستوزع حصتها على شركات أخرى، مشددًا على أن الحكومة لم تمنع الحجاج الأتراك من الحج ولكنها أوقفت نشاط هذه الشركات وعينت وصيًا عليها، ووزعت الحجاج والمعتمرين على شركات أخرى.
وأشار القنصل التركي إلى وجود ثماني مدارس تركية تابعة لوزارة التعليم التركية في كل من الرياض، جدة، أبها، تبوك، الطائف، يعمل فيها نحو 300 شخص ما بين معلمين وإداريين، بينهم مناصرون للجماعة المشبوهة.
وأكد أوزر على ثبوت انتماء 22 من الكادر التعليمي في المدارس الثماني إلى جماعة فتح الله غولن، مؤكدًا أنهم فُصلوا وأُعيدوا إلى تركيا العام الماضي، ورغم ذلك تخفى اثنان آخران لكن الحكومة كشفت هويتهما وأعادتهما قبل شهرين، مشيرًا إلى المتابعة المستمرة لأنصار هذه الفئة في المؤسسات التعليمية داخل وخارج تركيا.
وكشفت الحكومة التركية أول من أمس أثناء المؤتمر الصحافي الذي عقده الممثل الدائم للجمهورية التركية لدى منظمة التعاون الإسلامي والقنصل التركي في جدة فكرت أوزر وسفير تركيا لدى اليمن ليفينت ألر، عن تبني ستة قرارات ثورية تحت الطوارئ لضمان عدم حدوث محاولة انقلاب، وجعل القوات العسكرية والقوات المسلحة تحت سيطرة السياسة الديمقراطية.
ولفتت إلى أن هذه القرارات تتمثل في إغلاق جميع الكليات العسكرية كونها تغذي منظمة غولن الإرهابية، وإغلاق جميع الأكاديميات الحربية والكليات الحربية، وإنشاء جامعة للدفاع عن الأمن القومي تحت وزارة الدفاع قبل انتخاب وزير دفاع مدني، وضم جميع قادة القوات من ضمنهم القوات البرية والجوية والبحرية لتكون تابعة بشكل مباشر لوزارة الدفاع عن الأمن القومي، وضم قوات الدرك والحرس الرئاسي لتكون تابعة كليًا لوزارة الداخلية، وإقرار المجلس العسكري الأعلى ترقيات وإقالات العسكريين، وأن يرأس المجلس العسكري الأعلى رئيس الوزراء الذي سيكون أغلبية أعضائه سياسيين مدنيين.
إلى ذلك، بيّن السفير صالح مطلو شن أن الحكومة التركية بقيادة الرئيس أعلنت تحت الدستور التركي حالة الطوارئ لمدة 90 يوما للقيام بالإجراءات اللازمة، مشيرًا إلى أن بقاء الناس في الشوارع ليس إلا إجراءات احتياطية كونهم هم أصحاب البلد وتأكيد منهم على حقهم في الديمقراطية. وأوضح أن خطة الطوارئ نتج عنها إقالة 3073 موظفًا عسكريًا من القوات المسلحة، وما يقارب 18 ألف شخص عسكري ومدني وموظف حكومي لتورطهم في الانقلاب.
وتطرق السفير صالح مطلو شن إلى أن خطة الطوارئ التي وضعتها تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ليست موجهه للشعب ولكنها للمؤسسات الحكومية لإعادة هيكلة الدولة وليس لها أي صلة بحقوق الإنسان التركية.
وذكر أن تركيا لديها جميع الأدلة والاعترافات والإقرارات بأن مجموعة فتح الله غولن (فيتو) هي المسؤولة المباشرة عن محاولة الانقلاب الفاشلة، وأنها سلمت هذه الوثائق والملفات إلى أميركا لدعوتها لتسليم غولن لتركيا ليواجه التهم بأنه يرأس منظمة إرهابية دبرت الانقلاب.
ودعا الناس إلى الاستمرار في زيارة تركيا، مؤكدًا مواصلة حكومته تطوير المشاريع بالقوة ذاتها التي كانت عليها، وانفتاحها على جميع الأسواق العالمية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟