«صمت الراعي» يعيد السينما العراقية للفضاءين العربي والعالمي

فاز بالجائزة الخاصة للجنة تحكيم مهرجان وهران للسينما العربية

الممثلة آلاء نجم في لقطة من فيلم «صمت الراعي» ({الشرق الأوسط})
الممثلة آلاء نجم في لقطة من فيلم «صمت الراعي» ({الشرق الأوسط})
TT

«صمت الراعي» يعيد السينما العراقية للفضاءين العربي والعالمي

الممثلة آلاء نجم في لقطة من فيلم «صمت الراعي» ({الشرق الأوسط})
الممثلة آلاء نجم في لقطة من فيلم «صمت الراعي» ({الشرق الأوسط})

تعود السينما العراقية إلى واجهة الشاشات العربية من خلال فيلم «صمت الراعي»، سيناريو وإخراج رعد مشتت، وبطولة محمود أبو العباس وآلاء نجم وسمر قحطان، وذلك بعد مشاركته ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان وهران للأفلام لعربية بنسخته التاسعة في الجزائر والذي اختتم فعالياته أول من أمس.
«صمت الراعي» حصد الجائزة الخاصة للجنة التحكيم مع التنويه بالفيلم الذي أنتج بإمكانات فنية عراقية خالصة بالرغم مما يمر به البلد من أوضاع أمنية واقتصادية وثقافية صعبة، لكن فريق عمل الفيلم من ممثلين وفنيين، تصوير وإضاءة وصوت وإنتاج، تحدوا كل هذه الصعاب لصناعة فيلم متميز وبمواصفات فنية عالمية تشهد لها المهرجانات العربية والدولية التي شارك فيها.
موضوع الفيلم أقل ما نقول عنه مركب، إذ تناول كاتب السيناريو والمخرج، مشتت، عدة قصص أو محاور مرتبطة بحدث واحد يتوزع على ثيمات سياسية واجتماعية وعاطفية، إذ تنطلق القصة من حادثة دفن مجموعة من الأكراد، أطفال ونساء ورجال، في مقبرة جماعية بعد قتلهم رميا بالرصاص من قبل قوة عسكرية في بر السماوة، جنوب غربي العراق، ضمن عمليات ما عرف عنها في نهاية الثمانينات بـ«الأنفال» التي صفت أعدادا كبيرة من أكراد العراق. العملية تجري بسرية تامة وبعيدا عن عيون الناس، لكن القدر يضع الطفلة زهرة (شيماء خليل) ذات الثلاثة عشر عاما، التي كانت تملأ جرتها من ماء النهر في وسط الحدث عندما تراقب عن بعد العملية بعد سماعها لأصوات الرصاص فيلمحها أحد الجنود ويلقى القبض عليها لتدفن مع الآخرين كي يتم التكتم على العملية برمتها، كل هذه الأحداث تدور بمرأى من الراعي صابر (سمر قحطان) الذي كان مختبئا وراء إطلال بيت طيني، مصابا بالذهول لما يراه، الذهول الذي سيحوله بعد قليل إلى شبه مجنون، مصدوم، يعاني من الصمت والانحسار اجتماعيا، مصابا بالعجز الجنسي أمام زوجته الشابة أميرة (نهار دايسو).
في خط آخر من الأحداث الدرامية للفيلم نرى سعدية (آلاء نجم) التي خسرت زوجها في الحرب العراقية الإيرانية وترك لها طفلتين وهي تتوسل بشقيقها سعود (مرتضى حبيب) الذاهب إلى دائرة التجنيد من أجل تأجيل التحاقه بالجيش كونه المسؤول الوحيد عن شقيقته وبنتيها، بالعودة إليها، فهي وحيدة وقد خسرت كل أهلها ولم يتبق لها سواه، مهددة إياه «سأجن إذا لم تعد يا سعود»، وبالفعل لن يعود سعود، وتصاب سعدية بصدمة تقودها إلى حافة الجنون. تزامن غياب سعود واختفاء زهرة بنت شيخ القرية حميد الصكر (محمود أبو العباس) يقود الجميع للاعتقاد أن سعود خطف (نهب حسب اللهجة الدارجة) زهرة إلى مكان غير معلوم، وخطف البنت (النهيبة) حسب الأعراف العشائرية العراقية عار لا يغسله إلا الدم، إذ يبقى الصكر في انتظار عودة سعود لقتله غسلا للعار، بينما تدفع ثمن هذه الافتراضية أخته سعدية التي تقاطعها القرية.
بعد أحداث عام 2003 حيث يتم تغيير نظام الحكم، ويتحرر السجناء كما تتحرر الحكايات والأسرار، يعود سعود إلى بيت شقيقته سعدية التي كانت قد فقدت الأمل بهذه العودة وما زالت تعيش آثار صدمتها النفسية لهذا لم يشكل لها حضوره أي ردود فعل سعيدة، وبينما يأمر الشيخ الصكر ابنه بقتل سعود باعتباره خاطف ابنته، تضغط أميرة زوجة الراعي على صابر لأن يعلن للقرية كلها وأولهم شيخها بالسر الذي احتفظ به لـ15 سنة، وبضغط منها يتجه صابر إلى بيت الشيخ الصكر، متحررا من صمته وصدمته، ليخبره بحقيقة القصة، وأن ابنته لم يخطفها أحد، لا سعود ولا غيره وإنما دفنت مقتولة مع الأكراد، وبالفعل يدلهم على مكان المقبرة الجماعية، ليتكلل الشيخ بالشرف ثانية.
مشتت قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «قرأ خبرا قصيرا في إحدى الصحف العراقية عن راع غنم شاهد عملية دفن جماعي للأكراد ومعهم تم دفن طفلة عابرة خشية أن تفضحهم، ثم أعلن عن القصة بعد 15 سنة»، مضيفا: «أخذت هذا الخبر ليكون الثيمة الأساسية للسيناريو الذي بنيت على أساسه بقية المحاور الاجتماعية والإنسانية».
مشتت الذي أخرج الكثير من الأفلام الوثائقية والقصيرة خاض لأول مرة تجربة كتابة سيناريو وإخراج فيلم طويل معتمدا الموضوع العراقي البحت ومستندا إلى فريق من الممثلين والفنيين العراقيين، أمثال زياد تركي مديرا للتصوير ودريد فاضل مؤلفا للموسيقى ومحمود مشتت للمونتاج، ومع ذلك لاقى عقبات في توفير بقية الكادر المتخصص.
وعبر عن سعادته لحصول فيلمه على الجائزة الخاصة للجنة تحكيم مهرجان وهران للسينما العربية، وقال: «السينما العراقية تحبو لتستعيد صورة البلاد في الفضاءين العربي والعالمي، و(صمت الراعي) يستعيد بعضا من تلك الصورة بالمنافسة بين 300 فيلم مشارك، بينها 34 في المسابقة الرسمية».
«صمت الراعي» أكد على الموهبة الأدائية المتميزة للممثلة العراقية آلاء نجم التي لعبت دور سعدية، فهو دور مركب، بل هو أكثر من شخصية في آن واحدة، فهي الأم الأرملة ضحية الحرب التي تخسر فيها زوجها، والأخت المتعلقة بشقيقها الوحيد، وفي النهاية هي الضحية لكل تبعات أحداث الفيلم، هي ضحية غياب الأخ، واتهامه بخطف زهرة، ومن ثم مقاطعة القرية لها، ومعاناتها من الأزمة النفسية نتيجة وحدتها الاجتماعية والعاطفية. تقول آلاء نجم لـ«الشرق الأوسط» إن «شخصية سعدية تختصر معاناة المرأة العراقية خلال فترة الحرب، النساء هن الضحايا الحقيقيات في الحروب، هن رماد هذه الحروب، هن من يتحملن مخلفاتها المأساوية نفسيا واجتماعيا، وكان علي أن أقدم كل هذا بشخصية مركبة من خلال سعدية، العراقية الجنوبية البسيطة»، مشيرة إلى أن «هذا الفيلم لا يعتمد على لبطولة الفردية، بل إن الجميع هنا أبطال، والمشاهد موزعة بالتساوي تقريبا على الممثلين الرئيسيين، والتميز يعتمد على الجهد الإبداعي للممثل فالمخرج لا يعلم الممثل كيف يؤدي دوره بل هذا عمل الممثل وإبداعه، وأنا أعمل على الاقتناع أولا بأدائي قبل أن أفكر بإقناع المتلقي بتجسيد الشخصية، فإن كنت أنا قد أبدعت وأقنعت المشاهد فهذا يسعدني كثيرا». واصفة مشاركة الفيلم بمهرجان وهران للسينما العربية بأنه «شهادة تقديرية كبيرة للفيلم وللسينما العراقية ولنا كممثلين».
وإذا كانت آلاء نجم قد أبدعت بأداء شخصيتها كأفضل ممثلة في «صمت الراعي» فإن الممثل المبدع محمود أبو العباس، صاحب التجربة الطويلة والمتميزة في المسرح والدراما التلفزيونية والسينما برز كأفضل ممثل في الفيلم عن دوره، حميد الصكر، شيخ القرية ووالد الطفلة المختفية، وهذا ما رشحه لنيل جائزتين كأفضل ممثل في آسيا في مهرجان دكا، ومهرجان مسقط السينمائيين.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».