إيجاز عام عن السينما بين دفتي مرجع

«كتاب السينما» لمحمد رضا

غلاف «كتاب السينما»
غلاف «كتاب السينما»
TT

إيجاز عام عن السينما بين دفتي مرجع

غلاف «كتاب السينما»
غلاف «كتاب السينما»

للناقد السينمائي الزميل محمد رضا صدر «كتاب السينما.. المرجع النقدي لأفلام اليوم العربية والأجنبية - العدد 9»، وهو مشروع طموح بدأه المؤلف في لندن سنة 1983، وكانت الغاية منه آنذاك، كما اليوم، تقديم إيجاز عام عن السينما بين دفتي مرجع يكون مقصدا نقديا وتحليليا لما ورد في ذلك العام من أفلام وإحاطة شاملة لأحداثه ولمبدعيه من صانعي السينما.‬
لكن هذا الكتاب - المشروع، لم يصدر على وتيرة سنوية كما كان المفترض به الصدور لسببين، الأول لعدم استقرار المؤلف في مكان واحد، والثاني لكونه يقوم بنشره أيضا، بغياب المعنيين بالنشر الثقافي - السينمائي في العالم العربي.
يتألف الكتاب من خمسة فصول:
الفصل الأول هو بانوراما شاملة لما تميز به العام السينمائي 2015 ومطلع 2016، وهذا يشمل توزيع ما سماه المؤلف «جوائز كتاب السينما» التي تشمل أفضل الأفلام العربية والأجنبية التي شاهدها وأبرز شخصيات السينما في هذه الفترة ذاتها.‬
ويحيط كذلك بتقييم شامل للمهرجانات والمناسبات مع وضع لوائح بأفضل هذه المهرجانات ومن جوانب متعددة قبل أن ينتقل إلى مواضيع محددة مثل مقابلة مع المدير العام لمؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك علي الريس ومقال عن السينما اللبنانية الآن، ثم قائمة بالسينمائيين العرب الأكثر تأثيرا عربيا أو عالميا، ومن بينهم المخرج الأردني ناجي أبو نوار ومدير مهرجان دبي مسعود أمر الله والمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد والمخرجة الإماراتية نجوم الغانم.‬ أما في الفصل الثاني، وعنوانه «أجيال»، فيقدم المؤلف عشرة مخرجين عرب وأجانب وأفلامهم من أجيال مختلفة. ومن بين هؤلاء النروجي روي أندرسون، والفرنسي جاك أوديار، والمغربي حكيم بلعباس، والمخرج المصري محمد خان. ‬
في الفصل الثالث، يبدأ الكتاب رحلته بين كل الأفلام التي شاهدها الناقد، وأول ما يطالعنا، حسب ترتيب الأفلام أبجديا، الفيلم المصري الحديث «آخر أيام المدينة» لتآمر السعيد. ‬ هذا الفصل خاص بالأفلام العربية وحدها ويحتوي على نحو 120 فيلما من شتى الأنواع (تسجيلي وروائي ورسوم).، يتبعه الفصل الرابع الخاص بالأفلام الأجنبية (نحو 220 فيلما) مرتبة أيضا حسب الأبجدية.‬ في هذا النطاق يعمل المؤلف عن ناحيتين: تقديم نقد فني كامل عن كل فيلم وارد في هذه الصفحات، والارتباط بسياق الكتاب كعمل موسوعي - مرجعي يؤلف مع الكتب السابقة، وما احتوته من أفلام بانوراما تمتد من الثمانينات وتعبر التسعينات والعقد الأول من هذا القرن إلى اليوم.‬
وفي الفصل الأخير: «سينما وسينمائيون» يستعرض الزميل رضا، بشكل أوسع، الاتجاهات والتيارات السينمائية، وأهم الشخصيات التي رسمت، بوجودها أو بغيابها، ملامح السينما في عهودها المختلفة.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.