أبو سهمين.. الرهان على إنقاذ ليبيا

ملفات الثوار والأمن على مكتب رئيس البرلمان الليبي

أبو سهمين.. الرهان  على إنقاذ ليبيا
TT

أبو سهمين.. الرهان على إنقاذ ليبيا

أبو سهمين.. الرهان  على إنقاذ ليبيا

تقول النكتة الشائعة الآن في ليبيا إن وجود «زيدان»، (ليس زيدا واحدا)، يتطلب بالضرورة وجود «أبو سهمين» (ليس سهما واحدا) في إشارة إلى الدكتور علي زيدان رئيس الحكومة الانتقالية، ونوري على أبو سهمين، وهو الرجل الذي بات نحو ستة ملايين مواطن ليبي يحفظون اسمه ويتابعون أداءه وتصريحاته ليس فقط بحكم كونه رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) ولكن أيضا باعتباره الرئيس الفعلي للبلاد والقائد الأعلى لقواتها المسلحة. وينظر البعض إلى «أبو سهمين» باعتباره الرهان على إنقاذ ليبيا قائلين، إن مكتبه مزدحم بملفات عن الثوار ومشكلة الأمن.
لكن مقر المؤتمر الذي يعتبر أعلى سلطة دستورية في البلاد، تعرض للاقتحام نحو خمس مرات آخرها يوم أمس، الثلاثاء (الماضي)، ما عرض هيبة المؤتمر والدولة في ليبيا ككل إلى خطر كبير يوشك أن يداهم الجميع.
تخلو السيرة الذاتية الرسمية لأبو سهمين من أي إشارة إلى خلفية أو خبرة سياسية على الرغم من أنها تتضمن نقلات تشير إلى قدرة إدارية معتبرة، وهو أمر مثير للدهشة والجدل في آن واحد في ليبيا التي تمر بمرحلة انتقالية واستثنائية، وتشهد عمليات من الاغتيال والخطف كان آخرها خطف زيدان نفسه. والذي قال إنه منذ سماع نبأ اختطاف رئيس الوزراء وكل ما يشغله توفير الأمن والحماية له. ومع أن أبو سهمين لم يكن من الوجوه البارزة في المعارضة الليبية ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي، كما لم يكن اسمه متداولا خلال الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في شهر فبراير (شباط) من عام 2011 وانتهت لاحقا في شهر أكتوبر (تشرين أول) من نفس العام بالإطاحة بنظام القذافي ومقتله، إلا أن أبو سهمين يمتلك خبرات تؤهله لإدارة المؤتمر الوطني الذي يعتبر أعلى هيئة دستورية في البلاد.
وقال بعد اختطاف زيدان: «طالما وصل الأمر إلى اختطاف رئيس الوزراء فاعتقدت جازما من البداية أن الفعل صدر عن جهة أو أفراد لا يقدرون حجم مثل هذا الفعل الذي يعتبر خارج نطاق الشرعية وسيادة القانون». ويقول البعض، إن أبو سهمين لديه خبرات قد تمكنه من وضع حلول للمشكلات المعقدة التي تمر بها ليبيا. تلك الخبرات اكتسبها أبو سهمين بحكم منصبه السابق كمقرر عام للمؤتمر وهو منصب يضعه داخل المطبخ السياسي والإداري في أرفع درجاته، كما أنه عمل عن قرب مع محمد المقريف المخضرم الذي آثر السلامة والعزلة وقرر طواعية الانسحاب من المشهد السياسي واستقال من منصبه كرئيس للمؤتمر استباقا لبدء تنفيذ قانون العزل السياسي الذي أقره المؤتمر ويقضي بمنع كل من تعامل مع نظام القذافي من تولي أي مناصب رسمية أو حكومية في الدولة الليبية.
بعد قيام الثورة الليبية فاز أبو سهمين في أول انتخابات تشريعية أجريت في البلاد في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، حيث أصبح عضوا عن مدينة زوارة التي تعتبر مسقط رأسه. يستيقظ أبو سهمين من نومه في الصباح الباكر كعادته، حيث أبلغ «الشرق الأوسط» في حوار سابق معه أنه لا يحصل سوى على أربع أو خمس ساعات فقط للراحة حتى من قبل منصبه الحالي. ولا يبدو الرجل مهووسا بالبروتوكولات الرئاسية المعتادة، فهو كما بدا بسيطا دمث الخلق يتحدث بعفوية وتلقائية قد تجلب له في بعض الأحيان المشكلات.
وفي تعليق له على الجهة التي اختطفت زيدان، قال، إنه «مهما كانت وجهة نظر هؤلاء الأفراد أو المجموعات فإن رئيس الوزراء أو الوزراء أو أي مسؤول يعين أو ينتخب لا بد من اتباع الإجراءات القانونية وليس لأحد أن يكون فوق القانون عندما يطلب بموجب القانون». ويعتقد البعض أن حصول أبو سهمين على المنصب سيضمن انتقالا سلسلا للسلطة في البلاد بالإضافة إلى أن آخرين يراهنون على حسن أدائه كرئيس للمؤتمر خلال الفترة الانتقالية التي قد تضطر البلاد إلى تمديدها في وقت لاحق من العام الحالي.
وقال جمعة عتيقة الذي تولى بصفة مؤقتة، في السابق، منصب رئيس المؤتمر الوطني بعد استقالة المقريف، إن «ما حدث يبين أن ليبيا تستطيع أن تبرهن للعالم أنها تتسم بالديمقراطية في خياراتها ولا تأخذ في الاعتبار أي عوامل إقليمية عند اتخاذ القرارات».
وقال إبراهيم الغرياني عضو المؤتمر الوطني لوكالة «رويترز»، إن «أبو سهمين له علاقات طيبة بكل الأطراف وقد يكون الشخص المناسب لقيادة المؤتمر الوطني في الوقت الحالي». وأصبح أبو سهمين وهو من بلدة زوارة الساحلية في غرب البلاد أول شخص من الأقلية الأمازيغية يتولى منصبا حكوميا رفيعا بعد عقود قمع خلالها القذافي الثقافة الأمازيغية بما في ذلك لغتها. أبو سهمين الذي سيشرف على الاستعدادات لتشكيل لجنة لوضع دستور ديمقراطي لليبيا التي تعاني من العنف المسلح منذ الإطاحة بالقذافي، من أبناء الأقلية الأمازيغية التي همشها نظام القذافي طيلة سنوات حكمه الـ42 تقريبا، علما بأنه حصل على 96 صوتا مقابل 80 صوتا لمنافسه الشريف الوافي في جولة إعادة بعد أن جرى التصويت في الجولة الأولى على تسعة مرشحين.
وعلى الرغم من أنه معروف في أوساط أعضاء المؤتمر الوطني فإنه حظي بدعم حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، لكنه نفى لـ«الشرق الأوسط» أن يكون محسوبا على هذه الجماعة أو منتميا لها. تخرج أبو سهمين المولود في مدينة زوارة أقصى الغرب الليبي، في كلية الحقوق بجامعة بنغازي في شرق ليبيا، علما بأنه درس مطلع الثمانينات العلاقات الدولية ببريطانيا، ومن ثم اشتغل بمصنع «بوكماش للبتروكيماويات» بالعاصمة الليبية طرابلس، قبل أن يتفرغ منذ عام 2000 للعمل الخاص.
ينظر الأمازيغ إلى حصول أبو سهمين على منصبه الحالي الرفيع المستوى على أنه حدث تاريخي، فهو أول رئيس من أصول أمازيغية يصل إلى هذا المنصب في تحول لافت للانتباه في تاريخ أمازيغ ليبيا ومنطقة شمال أفريقيا ونقلة تاريخية لثورة 17 فبراير.
وتعليقا على فوز أبو سهمين قال موقع «تيفسا بريس» الأمازيغي الناطق باللغة العربية إنه بعد عقود من التهميش الذي عانى منه أمازيغ ليبيا وحرمانهم من ممارسة أبسط حقوقهم الثقافية واللغوية في عهد الديكتاتور الراحل معمر القذافي، ها هو نوري أبو سهمين يخرج بسهميه منتصرا مظفرا كالمارد العملاق ضاربا بعرض الحائط كل التوقعات.
لكن نفس الموقع لفت في المقابل إلى أن الكثير من الحقوقيين والنشطاء الأمازيغ لا يعقدون كثيرا آمالهم على رئيسهم الجديد المحسوب على تيار الإخوان السلفي، مشيرا إلى أن الكثير منهم يذهب إلى أنه مجرد دمية تحركها أيادي جماعة الإخوان ولن يستطيع تغيير المعادلة السياسية الأمازيغية المتشابكة بل ربما سيزيدها تعقيدا.
لكن تهمة الانتماء لجماعة الإخوان تزعج أبو سهمين الذي نفى لـ«الشرق الأوسط» انتماءه إلى هذه الجماعة أو كونه محسوبا عليها، لافتا إلى أنه لا يجد أي غضاضة في الاتفاق مع أي فصيل أو حزب سياسي على الثوابت التي تستهدف إعادة بناء الوطن وحفظ مستقبله وأمنه.
كما نفى هيمنة «الإخوان المسلمين» على الحياة السياسية الجديدة في البلاد، مؤكدا في المقابل أنه لا يستطيع أي حزب أن يدعي هيمنته منفردا على الوضع السياسي الراهن.
واستبعد أن يؤدي وجوده كشخص ينتمي للأقلية الأمازيغية في ليبيا إلى أمزغة الدولة الليبية، لكنه شدد على ضرورة التعامل مع اللغة الأمازيغية كمكون ثقافي للوطن.
ومع ذلك يقول موقع «وسان» الأمازيغي على شبكة الإنترنت القصة ليست قبلية أو جهوية أو عرقية أو فرحة زوارة أو الأمازيغ بتولي منصب.. القصة وما فيها هي الفرحة بدق أول المسامير في نعش العنصرية والتهميش الثقافي والسياسي تجاه الأمازيغ (التي قادها وكرسها الحكام على مر التاريخ وليس الشعب) وهي ليست فرحة بإنجاز حققه أمازيغي بقدر ما هي فرحة بإنجاز حققه الشعب الليبي.
ويمثل الأمازيغ نحو خمسة في المائة من سكان ليبيا الذين يقاربون ستة ملايين. وهكذا أصبح أبو سهمين رئيسا لنفس الدولة التي حرص فيها النظام السابق على عدم تعيين أي أمازيغي في منصب وزير في أي من حكوماته المتعاقبة.
بيد أن تصريحات الرجل الأخيرة لـ«الشرق الأوسط» قال فيها: إنني «مسلم.. إنني ليبي إنني أمازيغي.. إنني عربي.. ليبيا يجمعها الإسلام والوطن، وتجمعها الأصالة الأمازيغية والعربية». وخلفت هذه التصريحات ردود أفعال غاضبة في بعض أوساط الأمازيغ على اعتبار أنها تخلط بين العرقين في آن واحد. ومع ذلك فقد حاول أبو سهمين عبر تلك التصريحات أن يقدم رسالة للمجتمع الليبي بأنه لن ينظر إلى انتمائه لأقلية معينة بقدر حرصه على أن يكون رئيسا للجميع.
وفى كل الأحوال ليس الملف الأمازيغي هو الهم الوحيد لرئيس المؤتمر الوطني الليبي، بل ثمة تحديات كبيرة تواجه شاغل هذا المنصب لعل أهمها توفير الأمن والاستقرار في الدولة التي ما زالت تعانى وبعد عامين على سقوط القذافي من اضطرابات سياسية وعسكرية مستمرة.
ويؤكد أبو سهمين أنه ومنذ توليه رئاسة المؤتمر الوطني العام يهتم بإنشاء الهيئة التأسيسية للدستور كأولوية مطلقة، يتبعها مباشرة ملف العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والعمل على تحقيق الأمن والأمان للمواطن في ذات الوقت.
واعتبر أن الحوار والاتصال مع جميع الكتل السياسية والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني الليبي والنخب الثقافية والثوار قائم منذ فترة بين المؤتمر وبين الجميع، وأنه شخصيا وبمجرد توليه مهام الرئاسة يقوم هو وأعضاء المؤتمر بالاتصال المكثف بهم للوصول إلى نتائج مرضية.
هذه التصريحات التي لا تخلو من لغة دبلوماسية اشتهر بها أبو سهمين تصطدم بواقع سياسي يراه البعض مريرا للغاية في دولة لم ينعكس بعد غناها بالنفط على الحياة الاقتصادية لغالبية سكانها، وهى معادلة غريبة أخرى.
ورث أبو سهمين من دون شك ملفات صعبة وربما قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، لكن الرجل يراهن على وعي الشعب الليبي بخطورة المرحلة «الاستثنائية» الراهنة. وقال عضو المؤتمر الوطني صلاح ميتو لوكالة أنباء «شينخوا» الصينية، عن التحديات التي ستواجه الرئيس الجديد للمؤتمر الوطني، إن «أبرزها هو الإسراع في الانتهاء من انتخاب لجنة صياغة الدستور الليبي الجديد، بجانب الضغط على الحكومة لدمج تشكيلات الثوار وجمع السلاح في المؤسسات الشرعية».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.