سهرات موازية في مهرجان قرطاج تعرض تجارب فنية بديلة

تتضمن 10 عروض تقدم رؤية جديدة لعدد من الفنانين المحليين

خالد بن يحيى في عرض للموسيقى الهندية ({الشرق الأوسط}) - جانب من مزج الموسيقى التونسية والفلامينكو ({الشرق الأوسط})
خالد بن يحيى في عرض للموسيقى الهندية ({الشرق الأوسط}) - جانب من مزج الموسيقى التونسية والفلامينكو ({الشرق الأوسط})
TT

سهرات موازية في مهرجان قرطاج تعرض تجارب فنية بديلة

خالد بن يحيى في عرض للموسيقى الهندية ({الشرق الأوسط}) - جانب من مزج الموسيقى التونسية والفلامينكو ({الشرق الأوسط})
خالد بن يحيى في عرض للموسيقى الهندية ({الشرق الأوسط}) - جانب من مزج الموسيقى التونسية والفلامينكو ({الشرق الأوسط})

نظم مهرجان قرطاج الدولي في دورته الـ52 مجموعة من العروض الفنية المجانية في سهرات موازية للبرنامج الرسمي، وقد لقيت هذه التجربة إقبالا مهما من قبل جمهور لم يجد الأموال الكافية لمتابعة عروض نجوم الفن العربي والعالمي. وانطلقت هذه العروض يوم 24 يوليو (تموز) الحالي بفضاء سانت سيبريان القريب من المسرح الأثري بقرطاج وتتواصل حتى 15 أغسطس (آب) المقبل.
وعن هذه البرمجة الثقافية خارج الأسوار، قال محمد زين العابدين، مدير مهرجان قرطاج الدولي، إن هذه المظاهرة الثقافية العالمية رفعت شعار «كلنا توانسة» وتلتقي بأحبائها خارج أسواره وتهديهم باقة مجانية من أفضل العروض المبرمجة في هذه الدورة بصفة مباشرة وعن طريق البث المباشر للجمهور الموجود في مدن سيدي بوزيد وسليانة والقصرين وقفصة وتوزر والكاف وجندوبة وباجة وبن قردان. وأكد أن هذه السهرات تهدف بالخصوص إلى التعريف أكثر بالتجارب الفنية التونسية البديلة، وهي تتضمن 10 عروض تقدم من خلالها رؤية جديدة لعدد من الفنانين التونسيين.
وافتتحت الفنانة التونسية سيرين بن موسى سلسلة عروض «قرطاج خارج الأسوار» بعرض أول يحمل عنوان «من إشبيلية إلى تونس»، وهو عمل امتزجت فيه الموسيقى التقليدية المنتشرة في بلدان المغرب العربي بموسيقى الفلامينكو الإسبانية. ويجمع هذا العرض بين أنماط موسيقية مختلفة تلتقي في نقاط كثيرة.
وغنت الفنانة سيرين بن موسى باللغتين العربية والإسبانية، في مراوحة بين المألوف التونسي والفلامينكو الإسباني، وقالت إنها «حركة رمزية للتعبير عن التنوع الثقافي والتعايش السلمي بين ضفتي المتوسط» على حد قولها. ورافقت الفنانة التونسية في الغناء باللغة الإسبانية، الفنانة روزا أنغيلا غارسيا، كما استضاف هذا العرض عازف الغيتار الإسباني «مانويل دلغادو»، و«ميليسا كاليرو»، وهي راقصة على إيقاعات موسيقى الفلامينكو، وجمع آلات موسيقية عربية وغربية وهي الباص والباص غيثار والقانون والدربكة والبندير والكاخون والغيتار فلامينكو.
أما العرض الثاني، ففيه الفنان التونسي خالد بن يحيى، وهو يحمل عنوان «شيفا الأندلسي» وهو مستمد من الميثولوجيا الهندية. وفلسفة شيفا تعني «الهدم للبناء» على حد تعبير الفنان بن يحيى. وحضرت موسيقى الراجا الهندية في هذا العرض، وهي نمط موسيقي هندي قديم أداه الموسيقي الهندي «آشوك باثاك» وامتزجت من خلاله الموسيقى الهندية بالموسيقى الأندلسية.
وخلال الموعد الثاني في برمجة قرطاج خارج الأسوار، شمل عرضا بعنوان حلم. وقد بيّن الموسيقى العربية التونسية والغربية المعاصرة من خلال أغان ومعزوفات القرن العشرين، وبتلحين وتوزيع مجمل الأغاني في نصوص شعرية لإبراهيم طوقان، وأسامة فرحات، ويوسف بدروس ومهدي الهميلي. واعتمد العرض على قوالب الموسيقى العربية المختلفة وعلى أداء متميز لصوتين تونسيين استثنائيين لنور الدين الباجي وأسماء بن أحمد.
أما في النصف الثاني من السهرة، فكان الموعد مع عرض أسرار للفنانة روضة عبد الله التي حازت به على جائزة أفضل عرض موسيقي تونسي في الدورة الثالثة لأيام قرطاج الموسيقية الأخيرة.
اقترحت عبد الله رحلة موسيقية من بلدان المغرب العربي برفقة مجموعة تتكون من ثمانية عازفين ومرددي صوت، ونفذت العرض بكثير من الحرفية وغنت من التراث التونسي «بين الوديان» التي تفاعل معها الحضور بشكل كبير جدا وأغنية «اللي فات وعدى». وتضمنت برمجة قرطاج خارج الأسوار مجموعة من التجارب الفنية البديلة على غرار عرض تورنادو للفنان التونسي، هيثم الحذيري، وعرض أغان من البحر المتوسط من أجل السلام للتونسي سمير الفرجاني، وقد تمت برمجتهما لسهرة يوم 28 من الشهر الحالي.
و«تورنادو» محاولة فنية لتقديم موروث موسيقي كلاسيكي متوسطي لمجموعة من دول حوض البحر الأبيض المتوسط، في حين كان عرض «أغان من البحر المتوسط من أجل السلام» عبارة عن رحلة موسيقية أوبرالية، سمفونية ومتوسطية تربط دمشق بتونس».
وشارك في أداء «أغاني البحر المتوسط من أجل السلام» كل من مغنية الأوبرا السورية سوزان حداد، ومنار خويس، إلى جانب الفنان التونسي حسان الدوس والفنانة آمال السديري.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».