«الغرافيتي».. زمن الثورة على جدران شوارع القاهرة

أصبح سلاحا لتحقيق المطالب الشعبية والتظاهر السلمي

شابان يقومان برسم غرافيتي في أحد الشوارع
شابان يقومان برسم غرافيتي في أحد الشوارع
TT

«الغرافيتي».. زمن الثورة على جدران شوارع القاهرة

شابان يقومان برسم غرافيتي في أحد الشوارع
شابان يقومان برسم غرافيتي في أحد الشوارع

«الثورة على الجدران والحوائط»، هذا هو لسان حال فن «الغرافيتي» الذي بدأ ينتشر بقوة في شوارع العاصمة المصرية القاهرة، وتطالعك رسومات عفوية تطل منها وجوه الشهداء، تظللها شعارات وهتافات سياسية، ارتبطت بوقائع وأحداث معينة، شكلت لحظات مفصلية في فضاء الثورة المصرية منذ انفجارها في 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، وحتى وصولها لموجتها الثانية في ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013. رسومات عفوية يرسمها فنانون كبار وصغار، ويشارك فيها أطفال يحبون الرسم ويحلمون بوطن حر، يحقق العدل للجميع.
تتمتع رسوم الغرافيتي بحيوية فنية وخيال طازج، حيث يستقي الفنانون أشكالهم من واقع حي، انخرطوا فيه وعايشوه على أرض الواقع كحقيقة مادية ماثلة للعيان، لذلك تتسم رسوماته بنزعة توثيقية غير تقليدية، يتوافق فيها البصر مع الوجدان والهم الشعبي العام في لحظة تاريخية فارقة، يحولها الغرافيتي إلى أنشودة وصرخة حلم وذاكرة قابعة على الجدران.
يقول محمد ربيع، 24 عاما، وهو فنان تشكيلي «الغرافيتي فن معروف في العالم أجمع، يستخدم عامة لتسجيل أحداث مهمة من التاريخ عن طريق لوحة فنيه معبرة، وانتشر بشكل كبير إبان الثورة المصرية، ونحن كفنانين تشكيليين لجأنا إليه كنوع من تدوين حدث جلل وهو الثورة المصرية وتمثيلها لإرادة التغيير. كما أن الرسم هو أسرع طريقة للوصول إلى الناس حتى إن البعض كان يرسم أيام الثورة دون أن يدري أن ما يفعله اسمه (غرافيتي).. رسمنا العديد من اللوحات الفنية المعبرة مثل (موقعة الجمل) وهي الموقعة التي حاول فيها مؤيدون للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الانقضاض على الثوار في ميدان التحرير وسط القاهرة، مستعينين ببغال وجمال في 2 فبراير (شباط) 2011. وكذلك (أحداث محمد محمود) التي شهدت مواجهات ضارية بين قوات الأمن ومتظاهرين يطالبون بإنهاء حكم المجلس العسكري السابق في المرحلة الانتقالية، وقد وقعت في شارع محمد محمود بمحيط ميدان التحرير يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، إلى جانب ظاهرة قنص العيون، حيث استهدفت عناصر خاصة من قوات الأمن المتظاهرين في أعينهم بالرصاص».
ويتابع ربيع «وثق الغرافيتي أيضا لثورة 30 يونيو التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان الإرهابية والرئيس المخلوع محمد مرسي المنتمي إليها، فقمنا بتدوين العديد من الرسومات التي تعبر عن أجواء تلك اللحظة في منطقة قصر الاتحادية الرئاسي، وفي ميدان التحرير، لتكون شاهدة على تلك الحقبة المهمة من تاريخ مصر الحديث».
وتعود جذور ظاهرة الغرافيتي في مصر إلى التاريخ المصري القديم، حيث تم اكتشاف رسومات لأناس يمارسون السباحة في كهف صخري في صحراء مصر الغربية تعود ربما لما قبل 23 ألف سنة، إضافة إلى رسومات الفراعنة على الجدران وداخل القبور، وتعد رسومات الحجيج الشعبية على جدران البيوت أحد أشكال الغرافيتي.
ويتعرض فنانو الغرافيتي لمخاطر جمة، فهم يرسمون على أسطح عامة أو خاصة دون الحصول على إذن مسبق، سواء من مالك السطح، أو من الجهات الرسمية، مما يعد نوعا من التخريب الذي يعاقب عليه القانون في معظم دول العالم. كما أن الغرافيتي يستخدم غالبا لتوصيل رسائل سياسية واجتماعية، وبات يستخدم مؤخرا في مصر كشكل من أشكال الاحتجاج والتظاهر السلمي عبر كتابات ورسومات بها العديد من المطالب التي يطالب بها الثوار، أو فئات اجتماعية معينة كما حدث مؤخرا في الأحداث التي تشهدها مصر.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».