«محترف نجوى بركات» ينجب سبع روايات أحيطت بحضانة أمومية

حدث استثنائي مع انطلاقة معرض الكتاب في البحرين

وزيرة الثقافة البحرينية تتوسط نجوى بركات والفائزة أسماء الشيخ والمشاركين في الورشة
وزيرة الثقافة البحرينية تتوسط نجوى بركات والفائزة أسماء الشيخ والمشاركين في الورشة
TT

«محترف نجوى بركات» ينجب سبع روايات أحيطت بحضانة أمومية

وزيرة الثقافة البحرينية تتوسط نجوى بركات والفائزة أسماء الشيخ والمشاركين في الورشة
وزيرة الثقافة البحرينية تتوسط نجوى بركات والفائزة أسماء الشيخ والمشاركين في الورشة

حدث خاص شهده معرض الكتاب في البحرين، في اليوم الأول لافتتاحه، الأسبوع الماضي. ففي صالة فسيحة عند مدخل المعرض، جاء جمع غفير من الكتاب والمثقفين والإعلاميين ليحتفوا معا بصدور سبع روايات دفعة واحدة، هي نتاج عمل استمر ما يقارب العام، شارك فيه سبعة من الشبان تحت إشراف «محترف نجوى بركات للرواية»، لتصدر النصوص النهائية عن «دار الآداب». في هذا الاحتفال جلس الكتاب السبعة على المنصة ينتظرون الإعلان عن اسم الرواية الفائزة. وإذ أصرت الأديبة اللبنانية نجوى بركات، على أن كل الروايات تستحق التقدير والقراءة، لأن لكل منها نكهتها وميزتها، إلا أنه كان لا بد من الاختيار. وانتهى رأي لجنة التحكيم المؤلفة من الناشرة رنا إدريس والشاعرين عباس بيضون وقاسم حداد إلى اختيار رواية الشابة المصرية أسماء الشيخ (26 عاما) التي تحمل اسم «مقهى سيليني» التي تدور أحداثها في الإسكندرية، مدينة الشوارع المتوازية والمصائر المتقاطعة ما بين عالمي بيتا ورُقَيّة. بيتا الفتاة الإيطالية التي تطارد شبح أمها في رسائلها القديمة، ورقية التي تطارد أشباح نجومها المفضلين في صالات سينما الأربعينات. الجميع في الرواية يطارد أشباحه الخاصة وأحلامه ويجد في هذه المدينة متنفسه الخاص.
هذا المحترف مولته وزارة الثقافة البحرينية، واستضافت كتّابه أثناء فترات التدبيج، وحضرت وزيرة الثقافة مي بنت محمد آل خليفة حفل إطلاق الروايات والإعلان عن الفائز. صحيح أن الجائزة لم تكن سوى لفتة رمزية هي باقة ورد سلمتها الوزيرة إلى الشابة المصرية مهنئة إياها، إلا أن ما حصده الكتاب السبعة من ثمر، بفضل مشاركتهم في المحترف لا بد زلزلهم، وجعلهم يعيدون النظر في بعض خياراتهم.
ففي نهاية الحفل الذي كانت فيه كلمات لكل من نجوى بركات ورنا إدريس، وشاعري لجنة التحكيم اللذين تعذر مجيئهما، وكلمة لوزيرة الثقافة البحرينية، وقّع الكتاب مؤلفاتهم كنجوم في عالم الأدب، واصطفت طوابير القراء تنتظر إمضاءاتهم على مؤلفاتهم في جو بهيج أشبه بعيد أدبي، مع مواكبة لفرقة موسيقية شرقية. والروايات إضافة إلى «مقهى سيليني» هي كالتالي: «جارية» للبحرينية منيرة سوار، و«مداد الروح» لمواطنها أيمن جعفر، و«الزيارة» للبحرينية رنوة العمصي، و«بردقانة» للفلسطيني من عكا أياد البرغوثي، و«فندق بارون» للسوري عبدو خليل، و«التي تعدّ السلالم» للعُمانية هدى حمد.
وبصرف النظر عن القيمة الأدبية لهذه المؤلفات، فإن كتّابها وفي زمن قياسي، أحيطوا بعناية خرافية ووصلوا إلى ما يحتاج لسنوات طوال، من أي أديب مبتدئ كي يبلغ مثله. فقد كتب هؤلاء بإشراف أديبة معروفة، وصدرت كتبهم عن دار عريقة، وحظي صدورها بتغطية إعلامية واسعة، وأقيم لهم حفل توقيع كبير، وغطت مصاريفهم وزارة ثقافة سخية. نجوى بركات ترى أن هذا إنجاز جميل لأي أديب طموح، فما الضير في أن تساعد كاتبا ليتسلق السلم ويصل.
ظاهرة ورشات الكتابة الإبداعية جديدة عربيا، وهي بكل تجلياتها وما يترتب عليها، تثير أسئلة عدة، تستحق فتح نقاش جدي حولها. فهناك مثلا ورشات الدكتورة إيمان الدواخلي، ومؤخرا أقام الناقد محمد العباس ورشة حول «كتابة الرواية العاطفية» في القاهرة، أما «محترف نجوى بركات» فقد وصل إلى دورته الثالثة وأنتج لغاية الآن عشر روايات. والسنوات المقبلة ستشهد المزيد من الورشات الكتابية التي ستطال كل فرع إبداعي.
وإذا كان الأميركيون يؤمنون بنجاعة التقنيات والوصفات الدقيقة التي يمكنها أن تعطي نتائج محسوبة، فإن العرب لا يرون إلى الكتابة الإبداعية من هذا المنظار. وحين طرحنا السؤال على المشاركين في المحترف، بدا الاستهجان كبيرا. وأجاب أيمن جعفر بالقول: «العرب لا يزالون يؤمنون بمفاعيل وادي عبقر، والوحي الذي يفترض أن ينزل على الكاتب، وهو أمر غير واقعي». أما إياد البرغوثي، فبدا أكثر انزعاجا من التشكيك في جدوى الورشات، وسأل: «لماذا نقبل بتعليم تقنيات السينما، وأسس الرسم، ويحق للمبدعين في مختلف المجالات، أن يتلقوا دروسا وتوجيهات ونصائح فيما يحرم على الكاتب فقط، أن يسلك طريقا مشابها؟ هذا منطق غير مفهوم!» إلا أن سينمائية سورية دار أمامها النقاش، أبدت تحفظها وردت: «في رأي أن الرواية ليست فيلما سينمائيا، وإنما هي حلم يسكب على ورق، والحلم لا يمكن أن نتعلمه وإنما يأتي من دواخلنا».
الجدال حول هذا الموضوع الشائك لا يزال في أوله.
وبمواكبة ما حدث في المنامة، بدا بعض الكتاب، وهم يعيشون متعة دخول العالم الأدبي من أوسع أبوابه وكأنهم يعيدون التفكير في خططهم المستقبلية. الفائزة بالجائزة أسماء الشيخ، طالبة في كلية الطب، لا تخفي بأنه بات عليها أن تبحث عن تخصص طبي لا ينتزع منها كامل وقتها ويتيح لها إكمال مسارها الأدبي، وإياد برغوثي، صاحب شهادة في العلوم الاجتماعية، يسأل إن كان عليه أن يكمل الماجستير في مجاله أم يذهب إلى الأدب العربي ليخدم مساره الإبداعي المستقبلي. كتّاب المحترف متحمسون، لكتابة المزيد، وهم في غالبيتهم لهم كتب سابقة، سواء دواوين شعرية أو مجموعات قصصية. لكن اللافت أن الفائزة بجائزة المحترف، هي وحدها التي أتت من دون نتاج سابق. فالعمانية هدى حمد لها ثلاث مجموعات قصصية وراوية، والسوري عبدو خليل، عمل في الصحافة وأقام عدة معارض تشكيلية وفوتوغرافية، وله فيلم قصير، فيما البحرينية رنوة العمصي، تروي بأنها دخلت عالم الرواية من باب المصادفة وبفضل المحترف، مع أنها تعمل في الصحافة الثقافية ولها مجموعة شعرية، ومواطنها أيمن جعفر له مجموعتان قصصيتان، وولدت من خلال المحترف روايته الأولى.
ما يجمع غالبية هذه الروايات، هو انطلاقها من الحاضر، الذي يلزمها الغوص في جوانب تاريخية، ومراحل تحتاج أبحاثا في تفاصيل مراحل خلت. هذه هي حال أيمن جعفر الذي احتاجت روايته النبش في دفاتر البحرين القديمة، وإياد برغوثي حرضه كتاب قديم وقع بين يديه بمحض الصدفة، عن مدينته عكا وعائلاتها، وبنى روايته عن فترة الاحتلال الإنجليزي لفلسطين من خلال فريقي كرة قدم. الكتّاب لا يزالون يعيشون أجواء الكتابة، والتصحيح وإعادة الكتابة. تقول نجوى بركات أنهم كأولادها الذين رعت نمو إبداعاتهم، ويرى البعض أن الاختبار الحقيقي لكتاب الورشة يبدأ غدا، وأن السنوات المقبلة وحدها كفيلة بأن تبرز ما يمكن لهذا النوع من الحضانة الأدبية أن ينتجه، خاصة أن الورشات التي بدأت تنتشر على المساحة العربية تتبع أساليب ومناهج مختلفة، ولعل ما يجمعها هو العنوان، أما الباقي فمتروك لمهارة المشرف على الكتابة وإمكاناته، ومدى تفانيه في إدارة النصوص، ورغبته في رؤية تلاميذه يبزون أستاذهم. ففي النهاية التحرير بطبيعته تضحية كبرى، والتفاني صعب، وليس من شيم الكثيرين.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».