الإرهاب يضرب فرنسا مجددًا.. واثنان من «داعش» يقتلان كاهنًا

أحد منفذي الهجوم حاول التوجه إلى سوريا وكان يخضع للرقابة بسوار إلكتروني

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لدى زيارته موقع كنيسة بشمال فرنسا قتل بها كاهن ذبحًا حسب مصادر أمنية في باريس أمس (رويترز) - انتشار أمني خارج كنيسة ببلدة «سان- إيتيان دي روفراي»، شمال فرنسا بعد أن تمكنت الشرطة من إنهاء عملية احتجاز رهائن أمس (رويترز)
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لدى زيارته موقع كنيسة بشمال فرنسا قتل بها كاهن ذبحًا حسب مصادر أمنية في باريس أمس (رويترز) - انتشار أمني خارج كنيسة ببلدة «سان- إيتيان دي روفراي»، شمال فرنسا بعد أن تمكنت الشرطة من إنهاء عملية احتجاز رهائن أمس (رويترز)
TT

الإرهاب يضرب فرنسا مجددًا.. واثنان من «داعش» يقتلان كاهنًا

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لدى زيارته موقع كنيسة بشمال فرنسا قتل بها كاهن ذبحًا حسب مصادر أمنية في باريس أمس (رويترز) - انتشار أمني خارج كنيسة ببلدة «سان- إيتيان دي روفراي»، شمال فرنسا بعد أن تمكنت الشرطة من إنهاء عملية احتجاز رهائن أمس (رويترز)
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لدى زيارته موقع كنيسة بشمال فرنسا قتل بها كاهن ذبحًا حسب مصادر أمنية في باريس أمس (رويترز) - انتشار أمني خارج كنيسة ببلدة «سان- إيتيان دي روفراي»، شمال فرنسا بعد أن تمكنت الشرطة من إنهاء عملية احتجاز رهائن أمس (رويترز)

في 19 أبريل (نيسان) من العام الماضي، أوقفت الشرطة طالبا جزائري الجنسية اسمه سيد أحمد غلام على بعد خطوات من مكان إقامته في الدائرة الثالثة عشرة من باريس بعد أن أصاب نفسه بطلق ناري، كما وجدت على المقعد الخلفي من سيارته امرأة تعمل مدربة رياضية عمرها 32 عاما أطلقت على رأسها رصاصة من المسدس الذي عثر عليه مع غلام. وعند «استنطاق» جهاز الكومبيوتر المحمول العائد للطالب الجزائري، تبين بوضح أنه على علاقة بتنظيمات إرهابية. وما لفت انتباه المحققين رسالة مشفرة باللغة العربية تدعوه إلى «استهداف كنيسة تضم كثيرًا من الناس». ولأن غلام القابع اليوم في السجن بانتظار محاكمته حول كنيسة سان سير في مدينة «فيل جويف» الواقعة على مدخل باريس الجنوبي وليس بعيدا عن مكان إقامته، فإن المحققين توصلوا إلى قناعة مفادها أن «الهدف» كان الكنيسة المذكورة التي لم ينج المصلون الذين يرتادونها من موت محقق إلا بفضل انعدام خبرة غلام في استخدام الأسلحة النارية لأنه أصاب نفسه بنفسه وقاد الشرطة للقبض عليه. هذه الواقعة عادت إلى الواجهة بعد أن تبين بشكل قاطع أن المهاجمين اللذين اقتحما في التاسعة والنصف من صباح أمس كنيسة مدينة «سان إتيان دو روفريه» خلال القداس الصباحي. والرجلان اللذان لم تكشف الشرطة عن هويتهما حتى بعد ظهر أمس، تبين سريعا أنهما ارتكبا عملا إرهابيا إضافيا بعد المجزرة التي ارتكبها الإرهابي من أصل تونسي محمد لحويج بوهلال في مدينة نيس الفرنسية الساحلية ليلة 14 يوليو (تموز) والتي حصدت 84 قتيلا وأوقعت 350 جريحا ما زال 15 منهم في حالة صراع بين الحياة والموت. وسارع الرئيس فرنسوا هولاند ووزير داخليته برنار كازنوف إلى المدينة الواقعة في منطقة النورماندي، على بعد عشرة كلم من مدينة روان. ولم يتردد هولاند في وصف ذبح كاهن الكنيسة جاك هامل وعمره 84 عاما وإصابة راهبة بجروح بليغة وإصابة ثلاثة آخرين بأنه «من فعل إرهابيين ينتميان إلى (داعش)». كذلك، فإن التنظيم المذكور سارع إلى تبني العملية من خلال وكالة «أعماق» الإخبارية التي تعد قناته التقليدية وذراعه الإعلامية لبث أخباره ودعايته السياسية.
وجاء في بيان الوكالة أن «جنديين من جنود الخلافة» قاما بتنفيذ عملية الكنيسة وأنهما «استجابا للنداءات الداعية لاستهداف الدول الضالعة في التحالف الدولي» الذي يحارب «داعش» في العراق وسوريا.
في التاسعة والنصف من صباح أمس، اقتحم الإرهابيان الكنيسة من الباب الخلفي وحصل ذلك خلال القداس الصباحي. وسار الإرهابيان وفق الشهادات التي جمعتها القوى الأمنية إلى إقفال أبواب الكنيسة من الداخل فيما يبدو أنه عملية احتجاز رهائن قليلي العدد لأن كل من وجد في الكنيسة في هذه الفترة لا يزيد على ستة أشخاص هما كاهنان وراهبتان ومدنيان. لكن راهبة نجحت في الخروج وطلبت النجدة فسارعت مجموعة من القوات الخاصة التابعة لجهاز الشرطة من مدينة روان نحو سان إتيان دو روفريه. ويبدو أن الإرهابيين عمدا سريعا إلى ذبح الكاهن جاك هامل وإصابة راهبة بجروح بالغة قبل أن يقررا مغادرة الكنيسة. ولكن عند خروجهما، كانت قوة التدخل التابعة للشرطة بانتظارهما فأطلقت عليهما النار وأردتهما قتيلين. بعدها عمدت القوة إلى التأكد من خلو الكنيسة من الألغام وكذلك محيطها المباشر. وسريعا، استحوذت النيابة العامة المولجة المسائل الإرهابية على الملف وأوكلت إلى جهاز أمني متخصص القيام بالتحقيقات وجلاء ما حصل.
وأعلن النائب العام الفرنسي، فرنسوا مولنز، أمس، أنه تم التعرف على هوية أحد منفذي الاعتداء على كنيسة بفرنسا، وهو عادل كرميش من مواليد فرنسا، يبلغ من العمر 19 عاما، وهو معروف لدى أجهزة الأمن حيث حاول مرتين التوجه إلى سوريا وكان يخضع للمراقبة بسوار إلكتروني حين نفذ الاعتداء.
وفي ردة فعل أولى على العملية الإرهابية الجديدة، قال الرئيس هولاند لدى وصوله إلى موقع الجريمة إن فرنسا «تواجه تنظيم داعش الذي أعلن عليها الحرب ويتعين علينا القيام بها بالوسائل كافة مع احترام القانون وهو ما يجعلنا نقول إننا ديمقراطية». ووصف هولاند العملية بأنها «إرهابية وكريهة» وهي إن استهدفت الكنيسة الكاثوليكية «لكن الفرنسيين جميعا معنيون بها». وككل مرة، دعا هولاند إلى المحافظة على وحدة الصف الوطني فيما يبدو أنه رسالة موجهة للمعارضة التي لم تتردد كثيرا قبل أن تفتح النار على الحكومة بعد مجزرة مدينة نيس. وحذر الرئيس هولاند مواطنيه من أن التهديد الإرهابي ما زال «مرتفعا جدا» الأمر الذي يبينه تسارع العمليات والهجمات في فرنسا ولكن أيضا في ألمانيا. وأفاد هولاند أنه يدعو إلى اجتماع لأعضاء «مؤتمر ممثلي الأديان» في فرنسا صباح اليوم في قصر الإليزيه فيما استقبل مساء مطران مدينة روان الذي تتبع مدينة سان إتيان دو روفريه لسلطته الروحية. وجاءت ردة فعل رئيس الحكومة مانويل فالس في السياق نفسه؛ إذ أعلن في تغريدة على حسابه على «تويتر» أن ما حصل هو «هجوم همجي على كنيسة» داعيا الفرنسيين إلى «الوقوف صفا واحدا» في مواجهة الإرهاب. ومن جهته، أدان البابا فرنسيس «بأقوى العابرات» الجريمة «البربرية» التي ارتكبت في الكنيسة، معربا عن «صدمته» من العنف «الهمجي» الذي «ارتكب في كنيسة هي مكان مقدس لعبادة الله». أما مطران منطقة روان، لوبران، فقد دعا المؤمنين وغير المؤمنين إلى الاتحاد، مضيفا أن الكنيسة الكاثوليكية «لا تستطيع اللجوء إلى سلاح آخر سوى الصلاة والدعوة إلى التآخي بين الناس».
الحقيقة أن رغبة هولاند في بقاء الفرنسيين على موقف واحد في مواجهة الإرهاب لا يبدو أمرا متوقعا. فردود الفعل خصوصا السياسية منها تفاوتت بتفاوت الانتماء السياسي، حيث يعتبر اليمين الكلاسيكي واليمين المتطرف أن الحكومة عاجزة عن محاربة الإرهاب بشكل ناجع وأن التدابير التي تتخذها غير كافية. وما يزيد من حدة الردود العنيفة أن هذه العملية بعد 12 يوما فقط من عملية «متنزه الإنجليز» في نيس فيما لم يهدأ الجدل الخاص بالتدابير الأمنية التي كانت السلطات قد أقرتها لحماية الاحتفال بالعيد الوطني في المدينة اللازوردية. وما سيزيد من دون أدنى شك من عنف ردود الفعل أن مرتكبي العملية الإرهابية لم يكونا نكرة لدى الأجهزة الأمنية. وأفادت المعلومات أن كلا الرجلين في العشرين من العمر وأنهما «من منطقة النورماندي» وأن أحدهما من المدينة نفسها التي ارتكبت فيها العملية الإرهابية. والثابت أن أحد الرجلين تم القبض عليه العام الماضي لدى عودته من تركيا إلى فرنسا بعد محاولته الالتحاق بتنظيم داعش في سوريا، ثم أطلق سراحه مع إجباره على حمل أسورة إلكترونية تدل على مكان وجوده باستمرار.
وبحسب معلومات صحافية، فإن النيابة العامة رفضت إخلاء سبيل الشخص المعني. إلا أن القاضي المولج متابعة القضية كان له رأي آخر. كذلك، فإن اسم هذا الشخص موجود على لائحة الأشخاص الذين ينظر إليهم على أنهم يشكلون تهديدا للأمن ويتعين بالتالي الاستمرار بمراقبتهم. وتفيد المعلومات الأولية التي تحتاج إلى تأكيد أن الشرطة المحلية تعرف على أحد الرجلين الذي كان يقيم في حي كثيف السكن في مدنية سان إتيان دو روفريه وأن صورته أقرب إلى «أحد الرعاع المحليين» منه إلى المتدين المتعمق بالدين. وإضافة إلى الأسلحة البيضاء، كان أحد الرجلين يحمل حزاما ناسفا وهميا وتتدلى من جسمه أشرطة وربما هذه الصورة هي التي دفعت قوة التدخل إلى التصويب عليهما لقتلهما وليس للقبض عليهما.
بالنظر إلى مجموع هذه العناصر، بدت ردود الفعل السياسية بالغة الانتقاد للحكومة الفرنسية. وقال نيكولا ساركوزي، الرئيس السابق ورئيس حزب الجمهوريين اليمين المعارض إنه «يتعين علينا أن نكون بلا رأفة» في محاربة الإرهاب، مضيفا أن على الفرنسيين أن يفهموا الحاجة لأن نغير في العمق استراتيجيتنا ما يشكل انتقادا مباشرا لسياسة الحكومة التي عمدت إلى مد حالة الطوارئ حتى نهاية العام. وبحسب ساركوزي، فإن العدو «ليست لديه محرمات (في إشارة إلى الكنيسة) ولا حدود ولا أخلاق، ولذا علينا أن نكون بلا شفقة». وبرأيه، فإن الحجج القانونية والأعذار التي تمنع القيام بأعمال جذرية «لم تعد مقبولة». وتوجه ساركوزي للحكومة إياها للعمل بكل المقترحات التي قدمها حزبه منذ أشهر من غير تأخير. وأضاف: «لا نريد أن نضيع مزيدا من الوقت ولا مجال إلا لخوضها من أجل أن ننتصر فيها».
وفي السياق عينه، انتقدت مارين لوبن، زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف أداء الحكومة الحالية في محاربة الإرهاب، ولكن أيضا الحكومات السابقة وقالت في تغريدة لها إن «مسؤولية الذين يحكموننا منذ ثلاثين عاما كبيرة جدا ورؤيتهم يثرثرون (حول محاربة الإرهاب) فيها ما يدفعنا للغضب». ومساء، أفادت تقارير إعلامية أن قوى الأمن قبضت على شخص واحد وأوقفته رهن التحقيق لكن لم تعرف علاقته بالشخصين المعنيين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟