«أمازون» تستخدم «الدرونز» لتوصيل طلباتها في بريطانيا

بشراكة مع حكومة لندن بحلول عام 2017

تحلق «الدرونز» في بريطانيا العام المقبل على ارتفاع يتراوح بين 200 و400 متر («الشرق الأوسط»)
تحلق «الدرونز» في بريطانيا العام المقبل على ارتفاع يتراوح بين 200 و400 متر («الشرق الأوسط»)
TT

«أمازون» تستخدم «الدرونز» لتوصيل طلباتها في بريطانيا

تحلق «الدرونز» في بريطانيا العام المقبل على ارتفاع يتراوح بين 200 و400 متر («الشرق الأوسط»)
تحلق «الدرونز» في بريطانيا العام المقبل على ارتفاع يتراوح بين 200 و400 متر («الشرق الأوسط»)

دخلت شركة «أمازون» في شراكة مع الحكومة البريطانية لتسريع عملية السماح لطائرات صغيرة بلا طيار بتوصيل الطلبات بحلول عام 2017. وكانت «أمازون»، وهي أكبر شركة في العالم لتجارة التجزئة عن طريق الإنترنت، قد وضعت خططا للبدء في استخدام طائرات بلا طيار لتوصيل الطلبات لزبائنها.
وقالت الشركة إن فريقا من إدارات حكومية عدة، تدعمه هيئة الطيران المدني البريطانية، قدم لها التصاريح اللازمة لاستكشاف العملية.
وكشفت «أمازون»، العام الماضي، عن مقطع فيديو يعرض كيف يمكن لطائرة من دون طيار أن تقوم بتوصيل الطرود، مع سرد من جيرمي كلاركسون، المذيع السابق في قناة «توب غير» التلفزيونية.
وقالت هيئة الطيران المدني الاتحادية الأميركية، الشهر الماضي، إن استخدام طائرات بلا طيار لتوصيل الطرود سيحتاج إلى رقابة منفصلة عن الرقابة على استخدامها العام. وكانت «أمازون» قد أعربت عن رغبتها في الحصول على مساحة جوية خاصة بها، وبطائراتها من دون طيار، تمكنها من إيصال الطلبات جويا للزبائن. وطرح نائب رئيس المشروع الجوي لـ«أمازون»، غور كيمشي، هذه الفكرة في مؤتمر عقدته وكالة «ناسا» لأبحاث الفضاء، في ولاية كاليفورنيا.
واقترح كيمشي أن تقع منطقة «أمازون» الجوية، التي تحلق فيها طائراتها ما بين 200 و400 قدم فوق سطح الأرض، كما اقترح أيضًا إقامة منطقة حظر جوي فوقها بنحو 100 قدم، لحمايتها من أي طائرات أخرى.
وأوضح كيمشي أن مصنعي الطائرات من دون طيار في القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة عليهم التعاون لتحقيق هذا المفهوم الجديد للعمليات الجوية، ولتقديم الابتكارات الخاصة بهذه الطائرات بشكل يحافظ على سلامتها.
ووفقا لمقترح «أمازون»، فإن على الدرونز أن تفي بمعايير محددة لدخول هذه المنطقة التي سيكون لها قوانين طيران خاصة بها.
وأصبح بإمكان موقع التجارة العالمي تجربة استخدام طائرات الدرونز في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بعد موافقة إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) على السماح للشركة باستخدام أنظمة الطائرات من دون طيار، ولكن تحت شروط صارمة.
كما ذكرت إدارة الطيران الفيدرالية أنّ التصريح تجريبي، حيث يسمح لـ«أمازون» أن تستخدم طائرات الدرونز، لكن على ارتفاع 400م، أو أقل، ويكون الطيران فقط في ساعات النهار عندما يكون الطقس جيدًا. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون الشخص المسؤول عن تشغيل الطائرة دائم القدرة على مشاهدة خط الطيران، ويجب أن يكون طيارًا مؤهلاً، وأن يخضع لفحص طبي مسبق.
يشار أيضًا إلى أنّ إدارة الطيران الفيدرالي طلبت من «أمازون» تزويدها بتقارير شهرية عن الطلعات التجريبية التي أجرتها، بما في ذلك عدد التجارب، وكيف تصرف الطيارين، وسجل كامل عن الأعطال، سواء كانت أعطالا برمجية أو على صعيد العتاد. وقالت الإدارة إن هذه الاختبارات ستكون بمثابة شهادة لأمازون التي لا تملك نظام طيران الآن.
إن هذه الشهادة مهمة جدًا لشركة «أمازون»، فمن خلالها وحسب برنامج التطوير للشركة، ستصل المنتجات إلى العملاء خلال نصف ساعة فقط بواسطة الدرونز، وقد كان الرئيس التنفيذي جيف بيزوس قد صرح عام 2013 أن مدة التوصيل هي 60 دقيقة، ولكن هذا الكلام أصبح من الماضي. وتخطط «غوغل» لإطلاق مشروع مشابه لهذا، وصفته بأنه مشروع ناجح.
ويمكن أن تكون الطائرات من دون طيار (الدرونز) الثورة التكنولوجية الكبيرة التالية التي قد تجتاح العالم. ويجري حاليا استخدام هذه الآلات لأغراض الطيران الروبوتية التي تذهب إلى أبعد من الاستخدام العسكري. فعلى سبيل المثال، المصورون يستخدمون الآن هذه الطائرات لالتقاط مناظر جوية خلابة، وكذلك فكرة مؤسس «أمازون»، جيف بيزوس، لاستخدامها لتوفير السلع للمتسوقين عبر الإنترنت.
ولكن على مدى العقد المقبل، قد تصبح هذه الأنواع من الطائرات في نهاية المطاف صناعة عالمية تقدر بمليارات الدولارات. وفي الوقت نفسه، هناك بعض الاستخدامات المدهشة والمهمة لهذه الآلات التي تستخدم الآن، ومن المرتقب أن تعمم في جميع أنحاء العالم.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)