15 طفلا من ذوي الاحتياجات الخاصة يصنعون معزوفة بصرية

ضمن معرض في القاهرة لتطوير نموهم العقلي والتنفيس عن قواهم الداخلية

«كيان» مؤسسة أهلية مصرية تأسست عام 2005 للعمل  في مجال الرعاية وتأهيل وتنمية مهارات ذوي الاحتياجات الخاصة
«كيان» مؤسسة أهلية مصرية تأسست عام 2005 للعمل في مجال الرعاية وتأهيل وتنمية مهارات ذوي الاحتياجات الخاصة
TT

15 طفلا من ذوي الاحتياجات الخاصة يصنعون معزوفة بصرية

«كيان» مؤسسة أهلية مصرية تأسست عام 2005 للعمل  في مجال الرعاية وتأهيل وتنمية مهارات ذوي الاحتياجات الخاصة
«كيان» مؤسسة أهلية مصرية تأسست عام 2005 للعمل في مجال الرعاية وتأهيل وتنمية مهارات ذوي الاحتياجات الخاصة

«ارسم شجرة.. ينمو عقلك».. شعار ضمني تستشفه من لوحات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، في معرض جماعي استضافه أخيرا مركز سعد زغلول الثقافي بالقاهرة، وأقامته جمعية «كيان» للأطفال ذوي الإعاقة.
تراوحت أعمار الأطفال المشاركين ما بين 9 و10 سنوات، ورغم ذلك فإن أعمالهم المعلقة على الجدران صنعت معزوفة بصرية لفتتت انتباه الجمهور، حتى بيع منها ثماني لوحات في يوم الافتتاح. وتنوعت ما بين المناظر الطبيعية وأعمال الخزف والفخار، وفنون الورق المطوي والتشكيل بالعجائن والصلصال.
وتعتبر ممارسة هذه الأنشطة الفنية نوعا من العلاج النفسي الذي أثبت جدارته في تحسين الوظائف العقلية والحسية لهم، فكما تقول أميرة ماهر مسؤول قسم التربية الفنية بجمعية «كيان»: «العلاج بالفن قد أثبت فعاليته بالنسبة للطفل عن طريق تنمية مهاراته في استخدام الألوان والخطوط والأشكال، وتمكينه من التعبير عن عالمه الداخلي وبيئته المحيطة، وتحسين تفاعله الاجتماعي في الجلسات الجماعية والورش الفنية ومساعدته على تنظيم الحقائق بصورة أكثر وضوحا عن طريق اللغة الشكلية».
تضيف ماهر: «أيضا يعلم الرسم الطفل كيف يستثمر نصائح المعالجة في بناء ذات قوية. فمن خلال كل أشكال الفن يستطيع الطفل أن يتعلم وأن يميز الألوان والأشكال والأصوات، والتمييز من خلال استخدام أيدي الطفل، وجسده وعيونه وأذنيه وكل أحاسيسه التي تشكل جزءا من الخبرة الفنية للتعلم، لكي ينظر ويستمع ويتذكر ما رآه وسمعه»، مؤكدة أن التجربة أثبتت نجاحها على عدد الأطفال المشاركين بالمعرض والبالغ عددهم 15 طفلا اختلفت إعاقاتهم ما بين التوحد والتأخر الذهني وفرط الحركة وتشتت اﻻنتباه.
ويؤكد الدكتور أيمن طنطاوي، المدير التنفيذي لجمعية «كيان»، أن الهدف من المعرض هو اكتشاف الأطفال الموهوبين من ذوي الإعاقة، خاصة أن بعضهم يمتلك من الموهبة والحس الفني ما يفتقده كثيرون تتوافر لهم كل السبل والإمكانيات، أيضا كنوع من المساهمة في علاج الأطفال، حيث إن الرسم لم يعد مجرد هواية أو فن راق، بل أصبح يستخدم كعلاج للكثير من الأمراض، خاصة للذين يعانون من مرض الصرع وفرط الحركة، حيث يساعد الرسم على التحكم في عضلات أيديهم وأعينهم من خلال استخدامها في الرسم والتلوين، أو الرسم على القماش، أو تشكيل الصلصال والخزف والفخار، وكل ذلك يسهم في نموهم العقلي.
وترى إيمان عاكف اختصاصي الطب النفسي أن المرض النفسي الذي يشمل التأخر العقلي يمكن علاجه بالرسم وممارسة الأنشطة الفنية، مشيرة إلى أنها أثبتت جدارتها في علاج الكثير من الحالات فضلا عن الأدوية، ففي الرسم يعطي الشخص لروحة الفرصة أن تعمل بحرية وتعبر عن نفسها على الورق، فضلا عن أنه يعتبر نوعا من التنفيس عن الضغوط والاكتئاب الذي يشعر به الشخص، كما يتيح لنا كأطباء قراءة وتحليل الشخصية من خلال الرسومات.
يشار إلى أن «كيان» مؤسسة أهلية مصرية تأسست عام 2005 للعمل في مجال الرعاية وتأهيل وتنمية مهارات ذوي الاحتياجات الخاصة وأسرهم، وتعمل حاليا على نشر نشاطاتها في صعيد مصر، كما تسعى إلى مضاعفة عدد المستفيدين من خدمات الجمعية (الأطفال وأسرهم والمتخصصين) من خلال الشراكة المجتمعية وتطبيق معايير الجودة الخاصة بالجمعية التي تتخذ من الفن بشكل عام مبدأ للعلاج.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».