أفلام عربية تتسابق على شاشة «مهرجان أبوظبي» من جديد

بات أكثر نجاحا وثقة

أفلام عربية تتسابق على شاشة «مهرجان أبوظبي» من جديد
TT

أفلام عربية تتسابق على شاشة «مهرجان أبوظبي» من جديد

أفلام عربية تتسابق على شاشة «مهرجان أبوظبي» من جديد

خرج فيلم «إيدا» يوم السبت الماضي بجائزة «مهرجان لندن السينمائي الدولي» ليدلف إلى «مهرجان أبوظبي السينمائي» الذي تنطلق دورته السابعة في الرابع والعشرين من الشهر الحالي وتستمر حتى الثاني من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
سيكون فيلم «إيدا» لبافل بافليكوفسكي أحد الأفلام الخمسة عشر المشتركة في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وربما المرة الأولى التي يشترك فيها فيلم يعرض لتجربة «الهولوكوست» المرة على شاشة مهرجان عربي. في تبريرها منحه الجائزة الأولى (في دورته السابعة والخمسين)، ذكرت لجنة التحكيم أنها «تأثرت عميقا بشجاعة فيلم يتداول، بتهذيب وبصيرة، وضعا تاريخيا مؤلما ومثيرا للجدل». هذا الوضع يعالجه المخرج البولندي في أول فيلم له يحققه في وطنه الأول، بعد سنوات عمله في السينما البريطانية، عبر حكاية تقع عام 1962 وتدور حول راهبة أسمها آنا (أغاثا ترزبوشفيسكا) تكتشف أنها يهودية (اسمها إيدا) خسرت والديها خلال الاحتلال النازي لبولندا.
بافل بافليكوفسكي كان انتقل من تحقيق الأفلام التسجيلية التي مارسها من مطلع التسعينات وحتى عام 1998 إلى السينما الروائية، وهذا خامس فيلم له (بعد عامين على إخراجه فيلما جيدا هو «المرأة في الدور الخامس»)، وإذا ما كان من بين الحضور الذين سيؤمـون «مهرجان أبوظبي»، فإنه من غير المستبعد أن يجول بخاطره فضول معرفة كيف سيواجه المشاهدون العرب فيلمه الباحث في موضوع الهولوكوست، وهو موضوع شاخت أجيال سابقة عليه. الغالب أنه سيخرج بانطباع إيجابي من هذه التجربة وبذكرى جميلة لمهرجان لم يسبق له أن اشترك فيه.
انسجام رؤية
«مهرجان أبوظبي»، إذ ينطلق مجددا بعد أيام قليلة، يواصل لعب دوره كمحطة لقاء بين ما هو عربي وما هو أجنبي. ليس المهرجان الوحيد الذي يقوم بذلك، لكنه استفاد في الأعوام القليلة الماضية من تجاربه السابقة، واستغنى، من العام الماضي، عن تلك الرغبة التي سادت إدارته السابقة في البرهنة على أنه حدث دولي مميـز. بالطبع، هو حدث سينمائي أول، وهو عالمي كونه يعرض أفلاما منتقاة من شتى أنحاء العالم، لكن أكثر دلالات نجاحه هو ابتعاده من العام الماضي عن محاولة البرهنة على شيء. مديره الحالي (للسنة الثانية على التوالي) علي الجابري يقول في تصريح له: «يوفر (مهرجان أبوظبي) مساحة مهمـة من برنامجه للسينما العربية إلى جانب الأفلام العالمية، وأنا سعيد بأن خيارات الدورة السابعة جاءت منسجمة مع رؤيتنا ومع تقاليد هذه التظاهرة».
ويتحدث مدير البرمجة العربية، انتشال التميمي، عن سياسة المهرجان الجديدة، فيقول: «منذ العام الماضي ونحن نقوم بعملية اختيار دقيقة لما يعرضه المهرجان من أفلام. في رأيي، أسس المهرجان نفسه على نحو جيد، والآن بات قادرا على قطف ثمار ذلك التأسيس باعتماد خطـة لبرامج وعروض نوعية في المقام الأول».
ما مر به «مهرجان أبوظبي» من مراحل سابقة أوصلته في العام الماضي إلى ما قد يكون أفضل دوراته قاطبة. وما هو منتظر منه هذا العام هو - بطبيعة الأمور - وضع أكثر نجاحا وثقة. ولا يمكن استدلال ذلك من العناوين المعروضة وحدها. لأن أحد أهم عوامل النجاح الكلـي يكمن في كيفية إدارة العمل على نحو مريح للضيوف، مفيد للجمهور ومثير للاهتمام الإعلامي طوال مدة إقامته.
الأفلام بذاتها تبدو حصيلة مثيرة للاهتمام، خصوصا من أولئك الذين لم يجوبوا مهرجانات دولية كـ«برلين» و«كان» وهم الغالبية من الحضور بالطبع.
قلعة حلب
عربيا، هناك ثلاثة أفلام في مسابقة الفيلم الروائي الطويل؛ هي: «تحت رمال بابل» لمحمد الدراجي (مقدم باسم العراق)، و«السطوح» لمرزاق علواش (الجزائر)، و«فرش وغطا» لأحمد عبد الله (مصر)، وثلاثة روائية أخرى في قسم «آفاق جديدة» وهي: «زرافاضة» لراني مصالحة (فلسطين)، و«فيللا 69» لأيتن أمين (الإمارات، مصر)، و«قبل سقوط الثلج» لهشام زمان (العراق). فيلمان من هذه الثلاثة يتكرر حضورهما في مسابقة أخرى تحت عنوان «جائزة حماية الطفل»؛ هما: «قبل سقوط الثلج» لهشام زمان (العراق)، و«زرافاضة» لراني مصالحة (فلسطين).
في مسابقة السينما التسجيلية الطويلة أربعة من إخراج عرب؛ هي: «بلح تعلق تحت قلعة حلب» للبناني محمد سويد، و«جمل البروطة» للتونسي حمزة عوني، كما «القيادة في القاهرة» للمصري شريف القشطة، و«همس المدن» للعراقي قاسم عبد.
إلى جانب ستة عشر فيلما في مسابقة «أفلام من الإمارات» الرئيسة وستة عشر أخرى قصيرة بين تسجيلية وروائية. هذه الأفلام، أو بعضها على الأقل، سيفتح العين على جديد السينما الإماراتية ما بين مهرجاني «أفلام الخليج» الذي يـقام بدبي في الشهر الثالث من كل عام، و«مهرجان أبوظبي» الذي يقدمها في هذه التظاهرة الخاصـة.
معظم الأفلام الناطقة بالعربية لم يعرض على الشاشة العربية من قبل، وبعضها لم يعرض عالميا أيضا، لكن تلك الأجنبية لها شأن آخر، فكما أن «إيدا» سبق له أن عـرض في «مهرجان لندن» الماضي، نجد أفلاما أخرى عرضها كل من «برلين» و«كان» وما سواهما من المهرجانات العالمية، مثل «تحركات ليلية» لكيلي رايشارت وهو جاب ستة مهرجانات قبل وصوله إلى «أبوظبي»، انطلاقا من «فينيسيا»، ثم تتابعا في «دوفيل» و«تورونتو» و«ريو دي جانيرو» و«مهرجان لندن» ولـ«مهرجان روش - سون - يون». على النحو ذاته، هناك «فيلومينا» لستيفن فريرز، و«غيرة» لفيليب غاريل، و«لمسة خطيئة» ليجانغ وو وما سواها. ما يغفر ذلك هو أنها أفلام مهمـة كان يجب أن تعرض على الجمهور العربي بأي حال. وأن المهرجان إنما يزداد شأنا حين يعرضها مجتمعة في بوتقة واحدة، كون غالبيتها لم يتنافس معا في مهرجان واحد من قبل.
ربما سيأتي اليوم الذي يستطيع «مهرجان أبوظبي» أن يحظى بنصيبه الوافر من الأفلام العالمية التي لم يسبق عرضها في أي مكان آخر، لكن إلى أن يصبح هذا واقعا (ولوقوعه شروطا لا يملكها أي مهرجان عربي، وبل أي مهرجان حتى ولو كان أوروبيا باستثناء حفنة)، فإن خطوات «مهرجان أبوظبي» تبقى حثيثة ومدعومة بحماس وإخلاص القائمين عليها.
1. Ali Jabri.jpg السينمائي علي الجابري المدير العام لـ«مهرجان أبوظبي السينمائي»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».