عقار لعلاج الذبحة الصدرية يمنح الأمل لآلاف الأزواج بالإنجاب

يعمل على تسييل الدم ويدرأ عمليات إسقاط الجنين بنسبة كبيرة

مايك ابيرلي وزوجته نيكولا مع ابنهما وابنتهما اللذين وُلدا بالعلاج الجديد بعد محاولات فاشلة على مدى 16 عامًا
مايك ابيرلي وزوجته نيكولا مع ابنهما وابنتهما اللذين وُلدا بالعلاج الجديد بعد محاولات فاشلة على مدى 16 عامًا
TT

عقار لعلاج الذبحة الصدرية يمنح الأمل لآلاف الأزواج بالإنجاب

مايك ابيرلي وزوجته نيكولا مع ابنهما وابنتهما اللذين وُلدا بالعلاج الجديد بعد محاولات فاشلة على مدى 16 عامًا
مايك ابيرلي وزوجته نيكولا مع ابنهما وابنتهما اللذين وُلدا بالعلاج الجديد بعد محاولات فاشلة على مدى 16 عامًا

في تطور طبي لافت لعلاج مشكلات الإنجاب، قال خبراء بريطانيون أمس إن نحو نصف الأزواج الذين يواجهون صعوبة في إنجاب الأطفال بمقدورهم تحسين فرص الإنجاب باستخدام عقار متوافر ورخيص لعلاج الذبحة الصدرية.

* جين رجالي مشوه
وأكد خبراء في مؤسسة «كاير فيرتليتي»CARE Fertility وهي واحدة من كبريات المؤسسات الخاصة المتخصصة في علاج العقم، في الدراسة التي نشرت في مجلة «لانسيت: بايوميديسن أونلاين»، أنهم رصدوا ولأول مرة مسؤولية الرجل عن عمليات حدوث حالات إسقاط الجنين لدى زوجته، بسبب وجود تشوه جيني لديه ينتقل منه إلى الجنين ويهدد النمو الطبيعي للمشيمة.
وكان الباحثون قد اكتشفوا منذ عامين، أن 44 في المائة من الأزواج الذين يلجأون إلى عمليات الإخصاب الصناعي في الأوعية المختبرية (أطفال الأنابيب) يحملون تشوهات جينية تؤدي إلى فقدان الحمل، وإلى تكون جلطات الدم، وظهور مشكلات في نمو الأجنة.
وقال الخبراء إن حقنة من عقار الهيبارين المسيل للدم يمكنها أن تساعد في الإنجاب لدى أزواج لم يتمكنوا من تحقيق حلمهم هذا على مدى عقد من السنين.
وأضافوا أن العقار يزيد من احتمال حصول الحمل لدى النساء من مستوى الصفر إلى مستوى 40 في المائة، خلال خضوعها لدورة العلاج. وأورد الباحثون حالة زوجين هما مايك أبيرلي (53 عامًا، ونيكولا، 41 عاما من تشيسترفيلد حاولا إنجاب طفل على مدى 16 عامًا، وبعد توجههما لعمليات الإخصاب الصناعي تم الحمل، إلا أن الأم فقدت جنينها بعد 16 أسبوعا من الحمل.
وبعد فحصهما رصد الأطباء في مؤسسة «كاير» أن كلا الزوجين يحمل التشوه الجيني. وبعد وصف عقار الهيبارين للزوجة، ولد لهما توأم من بنت وولد. ويحدث التشوه الجيني الذي يؤدي إلى إسقاط الجنين في الجين C4M2 في مجموعة من البروتينات الخلوية المسماة Annexin 5 التي تعمل على تسييل الدم أثناء الحمل لتسهيل الحمل. وعندما يحدث التشوه في هذا الجين، فإنه يتسبب في حدوث الجلطات الدموية التي تؤدي إلى الإجهاض.
* نجاح الإنجاب
وقال الدكتور سايمون فيشيل من مؤسسة «كاير» الذي أشرف على البحث: «أظهرنا ولأول مرة، أن العلاج ممكن عند وجود هذه العلامة الجينية» المميزة. ونقلت عنه صحيفة «دايلي تلغراف» البريطانية، إن «حقن عقار الهيبارين مبكرا عند وجود هذه العلامة يمكنه المساعدة في إعادة مستويات الولادة الحية لدى الأشخاص الذين خضعوا طويلا لعمليات الإخصاب الصناعي».
وقد عرض على الأزواج الذين يعانون من مشكلات في العقم مبهمة الأسباب، اختبار للدم لرصد هذه العلامة الجينية. ودرس الباحثون البريطانيون 103 من الأزواج من الذين حمل أحدهما أو كلاهما التشوه الجيني، من الذين أخفقوا في الإنجاب رغم محاولتهم المتكررة في عمليات الإخصاب الصناعي.
وقد خضعت هذه المجموعة للعلاج الجديد في دورة علاجية لاحقة، وقورنت نتائجها مع نتائج مجموعة ضابطة من 103 أزواج أيضًا أصغر سنًا لديهم حظوظ أقوى في نجاح الإنجاب. ونجحت نسبة 37.9 من المجموعة الخاضعة للعلاج الجديد في إتمام ولادة حية مقارنة مع 33 في المائة من المجموعة الضابطة. وعندما قورنت النتائج للرجال الذين رصد لديهم التشوه الجيني كانت نسبة النجاح لدى النساء اللواتي خضعن للعلاج بالعقار 47.7 في المائة.
ولا يحبذ الأطباء عادة استعمال عقار الأسبرين المميع للدم خلال الأوقات الأولى من الحمل، كما أنه لا يتغلغل نحو المشيمة، ولذا فإن حقن عقار الهيبارين الرخيص الثمن (8 دولارات تقريبًا) مباشرة في وسط الجسم يسمح له بالوصول إلى موقعها بسرعة.
وقال الدكتور فيشيل الذي كان قد شارك في أول عملية لأطفال الأنابيب عام 1978: «أعتقد أن النتائج مهمة جدا، إذ إن النساء المشاركات في الدراسة لم يتمكنّ من الإنجاب البتّة بسبب حدوث الإسقاط لديهن، والآن لديهن أمل أكبر بالإنجاب».
وأضاف أننا نعلم أن العيوب في الكروموسومات هي أهم أسباب العقم، ولكن حتى وعند إجراء عمليات الإخصاب الصناعي وزرع الأجنة في الرحم فإننا نجد عمليات الإسقاط شائعة. وتمنح هذه الدراسة النساء اللواتي يحملن أولاً ثم يسقط لديهن الجنين لاحقًا، وسيلة بسيطة ورخيصة للإنجاب.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».