انطلاق «ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي»

115 فنانًا يتنافسون في دورته الثانية بمشاركة 15 دولة عربية وأجنبية

يكرم «ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي» هذا العام الفنان خضير البورسعيدي ({الشرق الأوسط})
يكرم «ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي» هذا العام الفنان خضير البورسعيدي ({الشرق الأوسط})
TT

انطلاق «ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي»

يكرم «ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي» هذا العام الفنان خضير البورسعيدي ({الشرق الأوسط})
يكرم «ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي» هذا العام الفنان خضير البورسعيدي ({الشرق الأوسط})

أعلنت الدكتورة نيفين الكيلاني، رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية، عن انطلاق فعاليات الدورة الثانية لـ«ملتقي القاهرة الدولي لفنون الخط العربي»، الذي يقيمه الصندوق خلال الفترة من 17 إلى 24 يوليو (تموز) الحالي، بالتعاون مع قطاع الفنون التشكيلية، وقطاع العلاقات الثقافية الخارجية، والنقابة العامة للخط العربي.
ويشارك في الدورة الجديدة للملتقى 115 فنانا وخطاطا من 15 دولة؛ هي: الإمارات، والعراق، والسودان، والسعودية، وسوريا، وتونس، والمغرب، ولبنان، والأردن، وماليزيا، والهند، وأذربيجان، والجزائر، وبنغلاديش، بالإضافة إلى مصر. ويكرم ملتقى هذا العام 4 فنانين هم: الفنان السوداني تاج السر حسن، والفنان السوري محمد فاروق الحداد، ومن مصر: الفنانان الكبيران خضير البورسعيدي وإبراهيم المصري.
من جانبه، قال شيخ الخطاطين المصريين ونقيبهم، الفنان خضير البورسعيدي، إن هذه الدورة «تشهد زيادة في عدد المشاركين من مدارس الخط العربي المختلفة؛ الكوفي والثلث والديواني والنسخ والرقعة»، مطالبا وزارتي البحث العلمي والتربية والتعليم، بتوعية الشباب بأهمية وقيمة وجماليات فن الخط العربي من خلال إقامة ورشات عمل داخل المدارس والجامعات. وأكد أن وجود جائزة مالية هذا العام سوف يساهم في تشجيع الخطاطين الشباب على الاستمرار في هذا الفن الذي أصبح يعاني من ندرة الموهوبين فيه.
وقد خصص الملتقى هذا العام 3 جوائز مالية تبلغ قيمتها 20 ألف جنيه مصريا وشهادات تقديرية.
وأعلن قومسيير الملتقى الفنان والصحافي محمد بغدادي عن إصدار كتاب شامل للخط العربي، يعد مرجعًا لجميع خطاطي العالم، حيث يحتوي الكتاب على 8 «أمشاق» لكبار ‬الخطاطين، مؤكدًا أن الدورة يمكن وصفها بالاستثنائية، لأنها استطاعت أن تتلافى سلبيات الدورة الأولى.
كما أثنى بغدادي، على «ما قدمه جميع الخطاطين، وما قام به الصندوق من جهد مخلص لرعاية هذا الملتقي»، ووجه الدعوة لجميع فناني الخط العربي للتعرف على ما تحتويه الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية من كنوز الخط العربي.
من جانبها، صرحت الدكتورة نيفين الكيلاني بأن الملتقي ولد ليعيد لمصر مكانتها التي تستحقها بين الدول في مجال فنون الخط العربي، وذلك في إطار حرص وزارة الثقافة المصرية على تأكيد أهمية فنون الخط العربي، واستعادة التواصل مع مبدعي فنون الخط العربي في مختلف البلدان العربية والإسلامية.
ويناقش الملتقى في دورته الثانية عددا من المحاور عبر عدد من الندوات العلمية، تتمثل في: «إشكاليات الخط العربي بين الحفاظ على الهوية وآفاق التحديث» من خلال دور رواد الخط العربي في الحفاظ على تقاليده الفنية الأصيلة، والإسهامات الرائدة للخط في العمارة الإسلامية، و«الخط من خلال المخطوطات العربية»، و«دور الرواد في تطوير الخط العربي»، إضافة إلى «دور وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي في الحفاظ على هوية الخط»، و«واقع الدراسات الأكاديمية للخط العربي في كليات الفنون والتربية»، و«مدارس الخط العربي بين الإلغاء والتطوير»، و«غياب مادة الخط من التعليم الأساسي»، إلى جانب «الخط العربي والتقنيات الحديثة»، و«برامج الخط العربي في الحاسب الآلي»، و«توظيف الحرف العربي والتطبيقات العلمية الحديثة»، و«الخط العربي وأثر برامج الكومبيوتر على التصميمات الفنية والإعلام»، بجانب سوق لأدوات الخط العربي على هامش الملتقى بقصر الفنون؛ وتتضمن أنواعا لأقلام من البوص والخشب وأنواعا من الأحبار والأوراق التي تستخدم من قبل الخطاطين المحترفين.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)