الملاك السابع المكتشف في كنيسة المهد يخطف الاهتمام

اكتشفه فريق إيطالي بالكاميرات الحرارية ويعود للقرن الثامن عشر

اكتشاف فسيفساء جدارية لملاك في كنيسة المهد
اكتشاف فسيفساء جدارية لملاك في كنيسة المهد
TT

الملاك السابع المكتشف في كنيسة المهد يخطف الاهتمام

اكتشاف فسيفساء جدارية لملاك في كنيسة المهد
اكتشاف فسيفساء جدارية لملاك في كنيسة المهد

يستمتع زوار كنيسة المهد بمشاهدة «الملاك السابع» الذي اكتشف قبل أيام فقط في كنيسة المهد بعد 3 أعوام من أعمال الترميم التي يتولاها فريق إيطالي متخصص في ترميم الآثار. وعثر الفريق على فسيفساء جدارية كاملة للملاك الذي يشير بيديه نحو المغارة التي يعتقد أن السيد المسيح ولد فيها في بيت لحم في الضفة الغربية.
وجذبت اللوحة المليئة بالألوان الزاهية أنظار الزوار والمهتمين والصحافيين، فيما يواصل الفريق أعماله من دون كلل أو ملل مع حذر شديد.
وقال جاماركو بياتشينتي، الرئيس التنفيذي لشركة الترميم التي تشرف على العمل في الكنيسة إن الجدارية تعود إلى القرن الثاني عشر وكانت مغطاة بالكامل لعقود تحت طبقة من الجص. واستخدم الفريق الإيطالي كاميرات حرارية لاكتشاف الجدارية.
ويعمل هذا الفريق منذ 3 أعوام في ترميم الكنيسة الأشهر في العالم المسيحي بعد جهود كبيرة بذلتها السلطة الفلسطينية من أجل إطلاق مشروع الترميم.
وكانت السلطة وضعت اتفاقية تاريخية لترميم كنيسة المهد في 2013 منهية خلافا يمتد لقرون بين الطوائف المسيحية في بيت لحم حول الصلاحيات داخل الكنيسة.
ودفعت السلطة باتجاه الاتفاق، بعدما تدخل الرئيس الفلسطيني محمود عباس شخصيا وطلب من الطوائف إبرام اتفاق الترميم وشكل لجنة رئاسية للمتابعة، وتعهد بالمساعدة ماليا. ووقعت السلطة الفلسطينية وممثلو الكنائس الأرثوذكسية والأرمينية واللاتينية اتفاق الترميم الذي أطلق أول مشروع من نوعه منذ العام 1478.
وأنهى الفريق الإيطالي أعمال ترميم السقف والنوافذ وجدران أخرى قبل أن يكتشف الجدارية الكبيرة، لكنه بحاجة للمزيد من الأموال من أجل مواصلة العمل.
وكانت السلطة أسهمت مع انطلاق العمل بمليون دولار وتلقت 10 ملايين يورو لكن ذلك لم يكن كافيا. وتبحث السلطة عن تمويل بقيمة 7. 5 مليون يورو (8. 3 مليون دولار) لمواصلة العمل.
ويقول بياتشينتي إنه يجب تجديد ما يقارب 50 عمودا تعود إلى القرن السادس الميلادي، ورسم عليها لوحات بالكاد مرئية تعود لشخصيات من أيام الصليبيين. ويشير بياتشينتي إلى أنه تم توجيه طلبات إلى المتبرعين الأثرياء «لتبني عمود» لترميمه. ويكلف ترميم العمود الواحد 55 ألف دولار أميركي.
وقال بياتشينتي: «من وجهة نظر تاريخية وفنية وروحية.. هذا مركز العالم، هذا كل شيء». وكنيسة المهد الواقعة في بيت لحم جنوب الضفة الغربية هي الكنيسة التي يعتقد أن السيد المسيح ولد في موقعها، وبناها الإمبراطور قسطنطين في عام 335 للميلاد وتعرضت للتدمير الجزئي عدة مرات. وتعتبر من أقدم وأشهر كنائس فلسطين والعالم، وإليها يحج المسيحيون من كل أنحاء العالم. ويصل عدد زوار الكنيسة إلى مليوني زائر سنويا.
ويرى عيسى حزبون، وهو مهندس فلسطيني مسيحي وعضو في فريق إدارة مشروع البناء أن إعادة تطوير الموقع هي «مصدر فخر» ليس فقط له، بل لكل المسيحيين في الشرق الأوسط.
وقال حزبون لوكالة الصحافة الفرنسية: «بالطبع، سيكون (المسيحيون في المنطقة) سعيدين للغاية، فموقع ولادة المسيح يخضع للتجديد».
في ورشة الكنيسة، تنشغل خبيرة الترميم إيدا مولينارو في ترميم عمود وإعادته إلى لونه الأصلي وهي عملية صعبة جدا.
وتقول: «الإقامة في موقع ترميم لمدة 24 ساعة يوميا وأنت على تواصل مع السياح وكهنة الطوائف المختلفة، فيها تحد نفسي وعملي، وهي تمنحك الكثير».
وبسبب الأهمية الدينية للموقع، لم يتم إغلاقه أمام الزوار خلال أعمال الترميم، ولهذا اضطر العاملون إلى التكيف مع وجود حشود من السياح والرهبان والمؤمنين، وهو أمر صعب بحسب مولينارو. يتوقع القيمون على هذه أعمال الترميم أن تستمر إلى عام 2018، في حال توفر التمويل المطلوب.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».