رجل مخابرات روسي سابق ونجله لاعبان مؤثران في الإعلام البريطاني

الابن إيفغني ليبيديف أطلق قناة تلفزيونية خاصة في لندن ومستعد لبيع «الإندبندنت»

ألكسندر ليبيديف
ألكسندر ليبيديف
TT

رجل مخابرات روسي سابق ونجله لاعبان مؤثران في الإعلام البريطاني

ألكسندر ليبيديف
ألكسندر ليبيديف

قد يبدو الواقع أشبه بأحداث رواية من روايات التجسس الشهيرة للروائي البريطاني الشهير جون لوكاري عن صراع الجواسيس أثناء الحرب الباردة بين المخابرات الغربية والمخابرات السوفياتية (كي جي بي)، الذي كانت لندن وعواصم أخرى مسرحا له، هو ذلك الذي يحدث في العاصمة البريطانية، لكنه واقع حقيقي وليس متخيلا، يقول ملخصه: عميل سابق في المخابرات السوفياتية ومدير مكتبها السابق في لندن، حتى عام 1992، يمتلك هو ونجله مجموعة من الصحف البريطانية (وهي يومية الإندبندنت ونسختها المختصرة والمصغرة «آي إندبندنت» وعددها الأسبوعي، الذي يصدر كل أحد «الإندبندنت أون صاندي»). وبالتزامن مع الأزمة الحاصلة اليوم بين الغرب وروسيا وريثة الاتحاد السوفياتي بسبب أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، يقرر ابن الجاسوس الروسي السابق إطلاق قناة تلفزيونية خاصة بلندن، دون أن يثير ذلك اعتراضا ومخاوف من الحكومة البريطانية وتدخلا من «جيمس بوند» وجواسيس المخابرات البريطانية!.
عميل الـ«كي جي بي» السابق هو الثري الروسي ألكسندر ليبيديف (55 عاما)، الذي تحول إلى رجل أعمال بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وجمع ثرة كبيرة، وكان مدرجًا حتى في تصنيف «فوربس» للمليارديرات، قبل أن يفقد جزءًا كبيرا منها بسبب مشكلاته مع السلطات الروسية، التي يقول إن مبررها سياسي بسبب موقفه من السلطات الروسية وانتقادات صحيفته «نوفيا غازيتا» لها وحكم زميله السابق في المخابرات السوفياتية، الرئيس الحالي فلاديمير بوتين. وكانت محكمة روسية حكمت، في 2013 على ألكسندر ليبيديف بقضاء 150 ساعة في خدمة المجتمع بسبب محاولة التعدي على ضيف مشارك معه في برنامج تلفزيوني على إحدى القنوات الروسية. وتعرض مصرفه الخاص «بنك الاحتياطي الوطني» إلى ضرر كبير، وباع شركته للخطوط الجوية «ريد وينغز» بثمن بخس.
وكان ألكسندر ليبيديف في 2009 وفي قمة زخمه المالي، حيث بلغت ثروته بحسب مجلة فوربس 3.5 مليار دولار، اشترى صحيفة «إيفنينغ ستاندر» اليومية المسائية اللندنية، بجنيه إسترليني واحد رمزي، منقذا إياها من الإفلاس، وحوَّلها تحت إشراف ابنه إيفغني إلى صحيفة توزع مجانا في محطات المترو في لندن وقد عادت إلى الربحية بعد أن كانت تسجل خسائر سنوية بثلاثين مليون جنيه إسترليني سنويا (46 مليون دولار).
وفي 2010 اشترى ألكسندر ليبيديف بنفس المبلغ الرمزي صحيفتي الإندبندنت و«الإندبندنت أون صاندي» اللتين كانتا عل شفا الإفلاس.
وبينما اختار ألكسندر ليبيديف الإقامة في روسيا، حيث يمتلك أكبر مزرعة بطاطس في أوروبا، وحيث تفرغ تقريبا إلى عمله كنائب محرر في صحيفة «نوفيا غازيتا»، فقد أوكل مهمة إدارة صحفه في بريطانيا إلى ابنه إيفغني ليبيديف، الذي يحمل الجنسية البريطانية إلى جانب الروسية، والبالغ من العمر 34 سنة. ويقيم إيفغني في لندن منذ كان في الثامنة من العمر، عندما كان أبوه يعمل مديرا لمكتب المخابرات السوفياتية في لندن، تحت غطاء الملحق الاقتصادي لسفارة الاتحاد السوفياتي في لندن، وينظر إيفغني الذي درس في إلى نفسه ويُقدم على أنه متشبع وعاشق للثقافة الإنجليزية، وعاشق لشكسبير وله حتى ممرن خاص لنطق الإنجليزية على طريقة الطبقة الراقية من الإنجليز، وذلك استعدادا ليكون مقدم برامج تلفزيونية على قناة «لندن لايف (مباشر)» التلفزيونية الموجهة خصيصا إلى العاصمة البريطانية وسكانها الذين يصل عددهم إلى 8 ملايين نسمة. وقد أطلق إيفغني القناة أول من أمس وسط دعاية إعلامية كبيرة خاصة على الصحف المملوكة له لوالده.
وعشية إطلاق القناة صرح إيفغني ليبيديف لقناة «بي بي سي» أن صحف الإندبندنت ونسختها المختصرة المصغرة «أي إندبندنت» وعددها الأسبوعي، الذي يصدر كل أحد «الإندبندنت أون صاندي» معروضة للبيع إذا ما كان هناك عرض مناسب.
وكان إيفغني أطلق «آي إندبندنت» النسخة المصغرة من «الإندبندنت» وبسعر زهيد (20 بنسا)، وقد حققت الصحيفة نجاحا كبيرا، لكن الصحيفة الأم «الإندبندنت» وعددها الأسبوعي، الذي يصدر كل أحد «الإندبندنت أون صاندي» ما زالت تسجل خسائر، مثلما أشار إيفغني لـ«بي بي سي»، وإن انخفضت من 20 مليون جنيه إسترليني في السنة إلى 5 ملايين جنيه إسترليني.
واللافت في حوار إيفغني مع «بي بي سي» ذِكره أنه يمتلك مجموعة من العقارات في شبه جزيرة القرم، التي سيطرت عليها روسيا، وعبر عن انشغاله العميق للوضع المعقد هناك، الذي ظل لفترة طويلة غير مفهوم من قبل الغرب، حسب قوله.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».