القصف الروسي يجهض معركة «غرفة فتح حلب» لفك حصار المدينة

المعارضة تنفي الانسحاب من «الكاستيلو».. و«النصرة» موجودة في بعض المعارك فقط

مقاتلان من «غرفة فتح حلب» على جبهة الملاح بالريف الشمالي حيث تشهد معارك مع قوات النظام والفصائل التابعة له (غيتي)
مقاتلان من «غرفة فتح حلب» على جبهة الملاح بالريف الشمالي حيث تشهد معارك مع قوات النظام والفصائل التابعة له (غيتي)
TT

القصف الروسي يجهض معركة «غرفة فتح حلب» لفك حصار المدينة

مقاتلان من «غرفة فتح حلب» على جبهة الملاح بالريف الشمالي حيث تشهد معارك مع قوات النظام والفصائل التابعة له (غيتي)
مقاتلان من «غرفة فتح حلب» على جبهة الملاح بالريف الشمالي حيث تشهد معارك مع قوات النظام والفصائل التابعة له (غيتي)

على وقع القصف الجوي الروسي الكثيف أوقفت «غرفة عمليات فتح حلب» معركة فك الحصار عن المدينة التي كانت قد أعلنت عنها مساء السبت وأدت في أول هجوم لها إلى وقوع عشرات القتلى من الطرفين بينهم قيادي في ما يسمى «حزب الله»، في وقت استمرت فيه الاشتباكات بين قوات النظام والموالين له من جهة والمعارضة من جهة أخرى.
وكانت الفصائل قد نجحت في التقدم نحو نقاط عدة في منطقة الملاح إثر تفجيرين نفذتهما كل من «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» بحيث مهدا الطريق لـ«غرفة العمليات» للقيام بالهجوم، قبل أن تعود إلى مواقعها السابقة، بحسب ما يشير المستشار القانوني لـ«الجيش الحر» أسامة أبو زيد، مؤكدا أنه لا صحة للأنباء المتداولة عن الانسحاب من جبهة الكاستيلو. ويوضح لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «بعد إعلان الغرفة عن إطلاق عملية استعادة النقاط التي خسرناها في مزارع الملاح وتحويل الميزان العسكري لصالحنا، نجحنا في تحرير عدد منها، أهمها كتلة الجامع الأساسية، وبدأ المقاتلون بتمشيط المنطقة وسط اشتباكات عنيفة، لكن قصف الطيران غير المسبوق منع الفصائل من تحقيق المزيد من الاختراقات ما اضطرنا للتراجع إلى مواقعنا السابقة بعدما أدى الهجوم إلى مقتل 78 عنصرا من النظام و(حزب الله) والمجموعات الموالية لهما»، مؤكدا أن طريق الكاستيلو لم يقطع بشكل نهائي إنما لا يزال على وضعه الذي كان عليه خلال الأيام السابقة أي مرصودا بنسبة 70 في المائة.
وفي حين يشدد أبو زيد على أن إيقاف المعركة لا يعني أن الجهد الحربي توقف، لافتا إلى إمكانية إطلاق معركة جديدة في أي لحظة واستمرار بذل الجهود لمنع الحصار عن المدينة نافيا وقوع خلافات بين المعارضة بشأنها، يوضح أن الفصائل التي تتولى المعركة في حلب بشكل أساسي هي تلك المنضوية في غرفة العمليات والتي يبلغ عددها نحو 20 فصيلا، لافتا إلى أن التعاون مع «جبهة النصرة» غير الموجودة أساسا في حلب، يتم أحيانا في بعض المعارك فقط.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، قال: إن قوات النظام السوري تصدت ليلا لهجوم شنته الفصائل المعارضة وجبهة النصرة في محاولة لإعادة فتح طريق الكاستيلو المؤدية إلى الأحياء الشرقية في مدينة حلب السورية، في معركة تسببت بمقتل 29 عنصرا على الأقل من مقاتلي الفصائل، بينهم 14 مقاتلا من فصيل فيلق الشام، سقطوا خلال اشتباك مع قوات النظام وجراء انفجار ألغام زرعتها الأخيرة لعرقلة التقدم إلى طريق الكاستيلو.
ومن بين القتلى الذين سقطوا في معارك مزارع الملاح، قيادي في جبهة النصرة إضافة إلى قيادي مما يسمى «حزب الله» اللبناني يدعى أبو علي النقيب، بحسب المرصد الذي أشار إلى عدم وضوح عدد القتلى النهائي في صفوف قوات النظام والمجموعات الموالية له.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «الهجوم انتهى وطريق الكاستيلو مغلق تماما»، لافتا إلى اشتباكات خفيفة صباح الأحد تزامنا مع استمرار القصف على محيط الطريق.
وأغلق الطريق يوم الخميس الماضي بعد تمكن قوات النظام من السيطرة ناريا عليه إثر تقدمها إلى تلة استراتيجية، وواصلت تقدمها ووصلت إلى مسافة تبعد نحو 500 متر فقط من الطريق الواقع شمال حلب.
وتطلق قوات النظام النار على أي سيارة أو شخص يسلك الطريق سواء من المدنيين أو من المعارضين المسلحين، في وقت باتت الأحياء الشرقية حيث يقيم نحو 300 ألف شخص محاصرة بالكامل، ويعيش سكانها حالة من الخوف والرعب في ظل عدم قدرتهم على النزوح إلى ريف المدينة بعد إغلاق المنفذ الأخير.
وأفاد مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية» بأن حاجزا تابعا للفصائل المعارضة في منطقة الجندول داخل المدينة والقريبة من طريق الكاستيلو يمنع السكان من التوجه إلى الطريق بعد استهداف قوات النظام سيارات عدة ليلا أثناء محاولتها الخروج من المدينة. وبحسب المرصد، فإن سيارة على الأقل حاولت فجرا سلوك طريق الكاستيلو وتم استهدافها من قوات النظام، من دون أن يعرف إذا كانت تقل مدنيين أو مقاتلين.
وقتل ليل الجمعة رجل مع ولديه جراء قصف للنظام استهدف الطريق.
وتشهد مدينة حلب منذ صيف 2012 معارك مستمرة بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام التي تسيطر على الأحياء الغربية. وجاءت التطورات العسكرية في حلب بعد إعلان قوات النظام السبت «تمديد نظام التهدئة لمدة 72 ساعة في سوريا» بعدما كان بدأ العمل بها الأربعاء. ولم تسر الهدنة على مدينة حلب ومحيطها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.