نشب قتال عنيف في عاصمة جنوب السودان بين القوات الحكومية المتناحرة التابعة لرئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت وتلك الموالية لنائبه الأول رياك مشار، ووضعت بذلك اتفاقية السلام الموقعة بين الرجلين أغسطس (آب) في مهب الريح، فيما رددت تقارير صحافية بأن قتلى تلك الأحداث قارب الثلاثمائة.
وقال وزير الإعلام المتحدث باسم حكومة جنوب السودان، مايكل ماكوي، لـ«الشرق الأوسط» هاتفيا من جوبا: إن قوات التمرد، في إشارة إلى القوات الموالية للنائب الأول للرئيس رياك مشار، «هاجمت نقطة تفتيش في المدينة واستولت عليها، وتحركت إثر ذلك قوات تابعة للجيش الشعبي (الجيش الحكومي الموالي للرئيس سلفاكير ميارديت)، واستعادت النقطة الحدودية القريبة من محل إقامة مشار».
وأوضح ماكوي في حديثه، أن المناوشات بين الطرفين لا تزال مستمرة، بيد أنه قال: إن «الأوضاع في المدينة تميل إلى الهدوء»، محملاً مسؤولية اندلاع القتال مجددًا إلى قوات الحركة الشعبية في المعارضة، وقال: «لقد تغيّب النائب الأول عن حضور اجتماع كان مقررًا للتوصل لتوافق أول من أمس، دون أن يبلغ الرئيس بأسباب عدم حضوره»، ونفى ماكوي تعرض محل إقامة النائب الأول للقصف كما راج مؤخرًا.
واعترف ماكوي بمقتل 125 شخصًا على الأقل من الجانبين حتى يوم أول من أمس، بقوله: «لم تصلنا تقارير بالأعداد الفعلية للقتلى بعد، لكن وفقًا لإحصائية أول من أمس، فإن 100 من المتمردين قتلوا، وأن 25 من قواتنا قتلوا في المعارك».
ووقعت اشتباكات أمس في ضاحية (الجبل)، حيث ثكنات قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان في المعارضة، القريبة من محل إقامة النائب الأول للرئيس سلفاكير ميارديت، ثم انتقلت العمليات الحربية إلى مناطق أخرى في المدينة، بما فيها مناطق قريبة من المطار.
وتحدثت الأمم المتحدة الأحد عن استخدام مدافع هاون وقاذفات قنابل و«أسلحة هجومية ثقيلة». ورصدت أيضا مروحية قتالية فوق جوبا. ودفعت هذه التطورات الأمنية سكان العاصمة إلى البقاء في منازلهم أو الهروب إلى خارج المدينة، بحسب ما أفاد شهود.
وأعلنت السفارة الأميركية أن «الوضع شهد تدهورا كبيرا في جوبا»، ودعت الأميركيين إلى ملازمة منازلهم. وأضافت على صفحتها على «فيسبوك» أن «معارك كثيفة تدور بين القوات الحكومية والمعارضة، خصوصا في ضواحي المطار ومواقع بعثة الأمم المتحدة في حي جبل وفي مختلف مناطق جوبا». ولم تقدم أي معلومات بعد حول عدد الضحايا المحتملين أمس.
وعضدت تقارير صحافية ما ذهب إليه ماكوي، بأن قوة موالية للرئيس سلفاكير هاجمت مقر قيادة المعارضة ومركز أركانها العامة، فيما نقلت تقارير عن السكرتير الصحافي لمشار جيمس قاديت، قوله إن قواته «تعرضت لهجوم عنيف صبيحة أمس من قبل القوات الموالية للرئيس»، لكنه قطع بأن «قواته هزمت القوات المهاجمة وطاردتها إلى وسط المدينة». ويتهم كل طرف الآخر بعدم السيطرة على قواته، وهو ما يهدد بنشوب حرب جديدة في البلاد، ربما تكون الأعنف والأشمل، في وقت نقلت تقارير عن الطرفين بحرص كل منهما على تنفيذ اتفاقية السلام، وعدم رغبته في العودة إلى الحرب.
ووفقا لشهود عيان، فرّ عدد كبير من سكان المدينة إثر سماع دوي الرصاص قرب القصر الرئاسي، فيما شوهدت الدبابات والمدفعية الثقيلة تتحرك داخل القصر الرئاسي وحوله باتجاه منطقة الجبل، حيث يعتصم النائب الأول للرئيس.
من جهته، أدان مجلس الأمن الدولي بشدة هذه المواجهات المسلحة التي بدأت منذ الجمعة الماضية بين حرس الرئيس سلفاكير ميارديت وحرس نائبه الأول رياك مشار، ثم تحولت لمواجهات متفرقة هدأت ليوم واحد لتتجدد أمس.
وكان من المتوقّع أن يعقد مجلس الأمن الدولي مشاورات مغلقة في وقت متأخر مساء أمس، وفق ما أعلن دبلوماسيون.
ووجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون نداء جديدا حث فيه قادة جنوب السودان على وقف المعارك التي وصفها بأنها «غير مقبولة». وقال بان كي مون في بيان إنه «يطلب بإلحاح» من الرئيس سيلفا كير ونائبه ومنافسه رياك مشار «القيام بكل ما بوسعهما للحد من الأعمال العدائية على الفور، وإعطاء أوامر لقواتهما بالعودة إلى قواعدهما». وتابع البيان أن «هذا العنف غير المبرر غير مقبول، ويخشى أن يقوض التقدم الذي تحقق حتى الآن في عملية السلام» معربا عن «صدمته وذهوله» إزاء ما يحدث.
ولمح المجلس إلى إمكانية تطبيق المزيد من العقوبات على الطرفين، حيث لفت في بيان إلى بحث اتخاذ تدابير إضافية استنادًا إلى قراره رقم 2280 بتاريخ 9 أبريل (نيسان) الماضي، ويتضمن تجميد أرصدة مالية وحظر سفر أفراد ومسؤولين، وطلب من الحكومة الانتقالية تسريع التحقيق في معرفة أسباب اندلاع القتال ومحاسبة المسؤولين، وإحكام سيطرتها على العسكريين والدولة.
وأبدى أعضاء مجلس الأمن ترحيبهم بالبيان المشترك الذي أصدره أول من أمس كل من الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه رياك مشار أعلنا فيه التزامهما بالتهدئة، فيما يتوقع أن يعقد الرئيس ونائبه الأول اجتماعًا اليوم، بعد أن فشل اجتماعهما أمس، لعدم حضور مشار وفقًا لوزير الإعلام الموالي للرئيس سلفاكير ميارديت.
وكانت المواجهات قد بدأت الخميس إثر اشتباك بين الطرفين أوقع خمسة قتلى، ثم استؤنفت مساء الجمعة وأسفرت عن «أكثر من 150 قتيلا» كما قال رومان نيارجي، المتحدث باسم رياك مشار. وسمع إطلاق النار من أسلحة رشاشة ومدفعية ثقيلة في عدد من أنحاء العاصمة، واستمر نحو نصف ساعة، وما لبث أن توقف بعد نداء مشترك وجهه الرئيس ونائبه.
وفي إطار الاتفاق على تقاسم السلطة العام الماضي، عاد مشار مع كتيبة قوية من الرجال المسلحين، في أبريل إلى جوبا، حيث أعيد تعيينه نائبا للرئيس وشكل مع كير حكومة وحدة وطنية. وتتولى الأمم المتحدة إدارة مخيم يقيم فيه نحو 28 ألفا من النازحين جراء الحرب الأهلية المستمرة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2013 بين الطرفين.
ويتمركز جنود من الجانبين قرب مخيم الأمم المتحدة الذي لجأ إليه سكان من المنطقة، وتوجه مدنيون أيضا مع الأطفال، وما تمكنوا من حمله إلى قاعدة أخرى للأمم المتحدة قريبة من المطار. وامتدّت المواجهات أمس إلى مناطق أخرى من العاصمة، بينها حي غوديلي وحي تونغبينغ قرب مطار جوبا الدولي. وعلّقت شركة الطيران الكينية رحلاتها إلى جوبا بسبب «الوضع الأمني المضطرب»، بحسب بيان للشركة.
وألقى المتحدث باسم مشار مسؤولية المواجهات الأخيرة على الجنود الحكوميين. وقال جيمس غاتيت داك: إن «قواتنا تعرضت لهجوم في قاعدة جبل» وصدته. وأضاف أن «مروحيات قتالية ودبابات قد استخدمت لقصف قاعدة مشار».
من جهتها، كانت وزارة الخارجية البريطانية نصحت رعاياها أول من أمس بـ«عدم السفر إلى جنوب السودان»، كما دعت الموجودين هناك إلى المغادرة. وألقت المواجهات بظلالها القاتمة السبت على ذكرى الاستقلال الذي انتزع من السودان بعد حرب طويلة.
وخلافا للسنوات السابقة، لم ينظم أي احتفال بذكرى الاستقلال، بسبب نقص الأموال، كما أعلن رسميا. وكان يوم الذكرى هادئا، لكن التوتر استمر حادا في العاصمة.
ومنذ ديسمبر 2013 أسفرت المعارك بين القوات الموالية لكير وتلك الموالية لمشار، عن عشرات آلاف القتلى في صراع تزيد من تعقيداته المعارك بين الإثنيات والصراعات على المستوى المحلي.
وقد نجمت عنها أزمة إنسانية أرغمت نحو ثلاثة ملايين شخص على الهرب من منازلهم، ونحو خمسة ملايين، أي أكثر من ثلث السكان، على الاعتماد على مساعدة إنسانية عاجلة.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن «قلقه» هذا الأسبوع من وضع «يؤكد مرة أخرى تراخي الالتزام الحقيقي للأطراف بعملية السلام».
وزير إعلام جنوب السودان لـ«الشرق الأوسط»: المناوشات مستمرة في جوبا وأكثر من 100 قتيل
المعارك امتدت إلى أحياء عدة من العاصمة ومحيط المطار
وزير إعلام جنوب السودان لـ«الشرق الأوسط»: المناوشات مستمرة في جوبا وأكثر من 100 قتيل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة