حلم الجنسية التركية يداعب خيال السوريين البسطاء

بدأوا حياتهم من الصفر.. وبعضهم تاه في زحام إسطنبول

مطعم افتتحه سوريون في إسطنبول ({الشرق الأوسط}) - سوريون في احد مخيمات اللاجئين على الحدود التركية
مطعم افتتحه سوريون في إسطنبول ({الشرق الأوسط}) - سوريون في احد مخيمات اللاجئين على الحدود التركية
TT

حلم الجنسية التركية يداعب خيال السوريين البسطاء

مطعم افتتحه سوريون في إسطنبول ({الشرق الأوسط}) - سوريون في احد مخيمات اللاجئين على الحدود التركية
مطعم افتتحه سوريون في إسطنبول ({الشرق الأوسط}) - سوريون في احد مخيمات اللاجئين على الحدود التركية

شحذت تصريحات المسؤولين الأتراك عن منح الجنسية للسوريين خيال البسطاء الذين فروا إلى إسطنبول وغيرها من المدن التركية وحتى اللاجئين في المخيمات على الحدود بين تركيا وسوريا وأطلقوا العنان لخيالهم حالمين بالفرص التي تنتظرهم قريبا بعد أن يصبحوا مواطنين أتراكا.
من لم ينج من الرواتب البسيطة التي تقل عن الحد الأدنى للأجور في تركيا، ولم يقع في فخ أصحاب الشركات والمحال في إسطنبول، ومن لم يتمكن من شق طريقه بعمل خاص يجلب الرزق له ولأسرته، ومن لم يضطر لاختيار الطريق الأسهل والتسول في الشوارع، اختار المهن البسيطة كموظف استقبال، أو نادل، وتصفيف الشعر، أو العمل في أفران المعجنات.
تلك هي الوظائف الشائعة للشباب السوري الطموح الذي تخلى عن أحلامه في بلده واضطر لأن يبدأ من الصفر في إسطنبول.
يبرز السوريون بحضور لافت وظاهر للعيان في حي الفاتح في إسطنبول، وهو حي مكتظ في قلب إسطنبول بات مركزا للعرب القادمين من العراق وفلسطين والأردن لكنه اكتسب طابعه العربي الخالص مع قدوم السوريين بالآلاف إلى إسطنبول حيث كان الفاتح هو نقطة البداية ومنه تفرعوا وانتشروا إلى أحياء أخرى في المدينة مثل أفجيلار وأسنيورت وبيلك دوزو التي كانت حتى عهد قريب لاتعرف عن العرب الكثير.
في حي الفاتح وفي الأحياء الأخرى التي يوجد بها السوريون في إسطنبول لن يكون من الصعب إدراك أنهم هنا، فاللافتات باللغة العربية والأسماء الشامية وأصناف الحلوى والخبر والفلافل والقهوة والمحال الصغيرة التي تعمل في كل المجالات من الحلاقة إلى بيع إكسسوارات الجوال إلى المطاعم البسيطة وأحيانا الفخمة تظهر رائحة الصابون النابلسي والفستق الحلبي واللوز والحلويات السورية.
نور البالغة من العمر 26 عاما وصلت إلى إسطنبول وحدها قبل بضعة أشهر، وتعمل الآن سكرتيرة في مركز لتعليم اللغة التركية للسوريين أسسه زملاء لها، تقول بصوت منكسر: «أعرف أنني أكثر حظا من الكثير من السوريين الآخرين الذين يعيشون في خيام أو الذين اضطروا للتسول في الشوارع، ولكن هذا لا يكفي ليجعلني سعيدة هنا».
وتعبر نور عن فخرها بالشباب السوريين في إسطنبول الذين يبذلون قصارى جهدهم من أجل التكيف مع ظروفهم الجديدة.
ولكن كان ذلك قبل الحرب التي تجتاح بلاده منذ عام 2011 - وقبل بدء جيش الرئيس السوري بشار الأسد استدعاء الشبان مثله للتجنيد.
ولم يندم أحمد رضوان على قراره بالتوجه إلى إسطنبول قبل عامين - رغم أنه يكسب فقط 900 ليرة تركية (310 دولارات) شهريا من عمله كنادل في أحد المطاعم مع أن الحد الأدنى لأجور الأتراك في المهنة نفسها هو 1200 ليرة، ولذلك فهو يشارك ثلاثة سوريين آخرين في الإقامة بشقة واحدة حتى يمكنهم دفع الإيجار وتغطية تكاليف الحياة.
يقول أحمد: «كان أمامي خياران، إما الحرب أو المنفى، فلم أتردد في الخيار الثاني وجئت إلى إسطنبول لكنني سمعت الآن أن الحكومة ستعطي الجنسية للسوريين ونحن فرحون جدا بهذا القرار».
تركيا تستضيف نحو 2.7 مليون سوري فروا من الحرب ومراراتها على أمل أن يجدوا فرصة للحياة سواء في تركيا أو الانتقال منها إلى أي بلد أوروبي يضمن لهم العمل والاستقرار بعيدا عن الوطن الذي تتلاشى مع الوقت آمال العودة إليه.
وكانت تركيا قد رفضت في البداية منح وضع اللاجئين رسميا للسوريين واعتبرتهم ضيوفا على اعتقاد أن أزمتهم لن تطول. ورغم أن الحكومة اتخذت بعد ذلك خطوات لمنحهم تصاريح عمل فإن ذلك لم يتحقق بشكل فعال على أرض الواقع وظل السوريون ضحية لمن يبحثون عن عمالة بأجور زهيدة أقل من الحد الأدنى لأجور الأتراك.
قليلون من حصلوا على تصاريح عمل في تركيا وكثيرون من حلموا بمغادرتها إلى دول اللجوء في الاتحاد الأوروبي وكانت فرحتهم كبيرة بالاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي في مارس (آذار) الماضي، أملا في الحصول على فرص جديدة أفضل من الفرص في تركيا التي لم تستوعب الجميع، ومع تكرار المشاكل بين الأتراك والسوريين في إسطنبول وغيرها من المدن.
واستبشر السوريون خيرا عندما أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مؤخرا أن تركيا ستمنح الجنسية للسوريين وأن وزارة الداخلية بدأت اتخاذ إجراءات في هذا الصدد، وأصبح السؤال الذي يتردد بين السوريين في تركيا الآن متى يتحقق هذا الحلم رغم إعلان المسؤولين الأتراك أن الجنسية ستمنح فقط لمن يساهمون في تنمية تركيا ونهضتها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».