حوت يقض مضاجع المصطافين في أرقى المنتجعات السياحية بمصر

حوت يقض مضاجع المصطافين في أرقى المنتجعات السياحية بمصر
TT

حوت يقض مضاجع المصطافين في أرقى المنتجعات السياحية بمصر

حوت يقض مضاجع المصطافين في أرقى المنتجعات السياحية بمصر

فرضت سلطات البيئة المصرية حالة من الطوارئ حاليا على شواطئي البحر المتوسط، فبعد القرش الذي قض مضاجع السياح في مياه الغردقة بالبحر الأحمر قبل عدة أشهر، ومع نسمات الطقس الحارة ولجوء الكثير من الأسر للشواطئ، للتخفف من حدتها ظهر حوت في منطقة مارينا، أرقى المنتجعات السياحية بالساحل الشمالي بالبحر المتوسط، ليعيد المواطنين إلى دائرة الخوف من النزول للمياه.
وكشفت وزارة البيئة المصرية أن الحوت الذي رصده شهود على مقربة من الشاطئ في منطقة مارينا بالساحل الشمالي في اليومين الماضيين، ينتمي لفصيلة «الحيتان البالينية (عديمة الأسنان)».
وقالت الوزارة في بيان على صفحتها في «فيسبوك» أول من أمس «الخميس» إنها شكلت «غرفة عمليات مركزية بجهاز شؤون البيئة من المختصين بقطاع حماية الطبيعة والإدارات المعنية»، وذلك بعد تلقي بلاغ عن وجود حوت في منطقة مارينا».
وأضاف البيان أن الوزارة دفعت بـ«مجموعات علمية متخصصة للرصد والمراقبة والتتبع لحركة الحيوان والتنسيق مع الجهات المعنية لمساعدته (الحوت) على الخروج من السواحل الضحلة التي جنح إليها».
ويعمل الفريق على «مسح المناطق التي شوهد فيها الحوت والأماكن التي يتوقع وجوده فيها للتعامل الفوري مع الموقف من قبل المتخصصين»، حسب ما أضافت وزارة البيئة.
وأشارت إلى أن الفريق حصل «على مقاطع فيديو تم تصويرها للحوت خلال قربة من الساحل. وبتحليل مقطع الفيديو تبين أنه أحد أنواع الحيتان البالينية (عديمة الأسنان) والمعروف باسم حوت الزعنفة أو الحوت المزعنف (Fin whale)». وأضاف البيان: «هذا النوع من الحيتان، هو أحد الحيتان المسجلة المقيمة في المياه المصرية والمصنف عالميًا مهدد بخطر الانقراض.. طبقًا لقاعدة بيانات الاتحاد الدولي لصون الطبيعة.»
وتقوم «الوزارة بالتنسيق مع كافة الجهات المعنية وبعض المنظمات الأهلية لرصد وتتبع الحوت.. في إطار الجهود المبذولة لصون وحماية الثدييات البحرية كأحد أهم مكونات البيئة البحرية». وأوضحت الوزارة أن الحوت الزعنفة من الحيتان الكبيرة الموجودة في جميع محيطات العالم والبحار الكبيرة، ويستمد اسمه من زعنفته الظهرية فوق ظهره التي تبعد بمسافة ثلثي الجسم من الرأس.
ويتميز حوت الزعنفة بشكله الانسيابي الطويل ولونه الرمادي أو البني المسود الذي يغطيه فيما عدا المنطقة البطنية، حيث يسودها لون أفتح. بلغ الطول المتوسط لذكور الحيتان الزعنفية نحو 19 مترا، بينما الأنثى 20 مترا.
ويتغذى حوت الزعنفة أساسًا على الهائمات البحرية والأسماك والقشريات والرخويات صغيره الحجم، وذلك من خلال تصفية المياه من الكائنات الحية بواسطة شبكة من الخيوط الدقيقة تتدلى من فكه العلوي.
وتحتاج هذه الأنواع من الحيتان إلى كميات كبيرة من الغذاء، يتناسب مع حجمها الكبير الذي يقدر في اليوم الواحد لعدة مئات من الكيلوغرامات، مما يستلزم قيامها بالحركة الدائمة للحصول على كفايتها من الطعام.
وجميع أنواع الحيتان المسجلة بالبحر المتوسط بشكل عام والساحل المصري بشكل خاص لا تمثل أي خطورة على البشر، ولم يسجل نهائيا صدور أي تصرف عدواني لها جهة البشر، وفق بيان وزارة البيئة.
ودعت الوزارة «المترددين على السواحل المصرية إلى عدم القيام بأي تصرف عدواني تجاه الحيتان أو القيام بأي تصرف قد يؤدي إلى إزعاجها وذلك في حالة رصدها في محيط الأماكن السياحية». من جهتها أكدت جمعية الإنقاذ البحري وحماية البيئة بالبحر الأحمر، في بيان لها أمس (الجمعة)، أن وجود الحيتان بالقرب من الشواطئ أمر مطمئن، وأن الحيتان مخلوقات ليست هجومية إطلاقًا ولا من الكائنات آكلة البشر، وأنها في الغالب صديقة للإنسان.
وأضاف البيان أن وجود الحيتان يدل على بيئة بحرية سليمة وصحية، ووجودها بالقرب من الشواطئ أو الخلجان أمر يدل أيضا على أنها ضلت الطريق، ويجب حسن معاملتها كضيف طيب ليس مفترسا، ويجب الحفاظ عليها.
وأوضح حسن الطيب رئيس الجمعية أن الحيتان تعد من الحيوانات البحرية المعرضة للانقراض بسبب الصيد الجائر في بلاد آسيا، مثل اليابان والصين، وهما من أكثر الدول صيدا للحيتان، كما يوجد بالدنمارك وآيسلندا أيضا مذابح للدلافين والحيتان.
وأضاف: «إننا في مصر والدول العربية لم نقترف أفعالا إجرامية في حق الحياة البحرية، مقارنة بالبلاد سالفة الذكر رغم تقدمهم، وتعد بلاد متقدمة في كل المجالات إلا أنهم مخالفون لقوانين البيئة البحرية ومدمرون لها».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)