علماء يكتشفون الجين المسؤول عن الإصابة بسرطان البروستاتا

توصيات بإخضاع المصابين لاختبارات رصد الطفرات لتحسين العلاج

علماء يكتشفون الجين المسؤول عن الإصابة بسرطان البروستاتا
TT

علماء يكتشفون الجين المسؤول عن الإصابة بسرطان البروستاتا

علماء يكتشفون الجين المسؤول عن الإصابة بسرطان البروستاتا

توصل باحثون في بريطانيا أخيرا إلى اكتشاف الجين الذي يزيد احتمال الإصابة بسرطان البروستاتا، الأمر الذي يعزز الآمال بسرعة اكتشاف المرض مبكرا ومعالجته بطريقة أكثر فعالية. وأوضح الباحثون أن الاختبارات الجينية ستساعد الرجال المصابين بالمرض في مراحل متقدمة في الحصول على العلاج بدقة.
إلى ذلك، طالب علماء أميركيون وبريطانيون بإخضاع كل الرجال المصابين بالمراحل المتقدمة من سرطان البروستاتا لاختبارات لرصد الطفرات الجينية المتوارثة لديهم، وذلك بهدف تحسين علاجهم، وكذلك لإخطار أفراد عائلاتهم بأنهم معرضون لخطر محتمل للإصابة بأنواع من السرطان.
وتأتي هذه التوصية الجديدة، التي تمثل تغيرا كبيرا في توجهات العلماء، في أعقاب دراسة نشرت الأربعاء الماضي في مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن». وقد رصد الباحثون في الدراسة لدى نحو 12 في المائة من الرجال المصابين بسرطان البروستاتا المتقدم، عيوبًا في الجينات كانت موجهة لإصلاح الأضرار التي تعرض لها الحمض النووي منقوص الأكسجين «دي إن إيه»، مقارنة بـ4.6 في المائة من المصابين الذين لم ينتشر السرطان لديهم. وشملت الدراسة 700 رجل من أميركا وبريطانيا، ودقق الباحثون في الطفرات الجينية الحاصلة داخل جينات معروفة بمهماتها لإصلاح أضرار الحمض النووي المذكور، مثل جيني BRCA1. وBRCA2. وهما الجينان اللذان يؤديان في العادة للإصابة بسرطاني الثدي والمبيض، وكذلك جينات غير مشهورة مثل CHEK2 وATM. وظهر أن أكثر العيوب تظهر في الجين BRCA2. ولم يسجل الباحثون اختلافات ملحوظة تبعًا لعمر المصابين أو تاريخهم العائلي للإصابة بسرطان البروستاتا. وقال كينيث أوفيت، المشرف على الدراسة، رئيس خدمات علوم الجينات الإكلينيكية في مركز سلوان كترنغ التذكاري للسرطان، إن «الدراسة توجه رسالة بسيطة، وهي أنه ينبغي على أولئك الأفراد المصابين بسرطان البروستاتا المتقدم، الخضوع لاختبارات جينية، بغض النظر عن التاريخ العائلي للإصابة بالمرض».
ولا يخضع في الوقت الراهن للاختبارات الجينية سوى المصابين بالسرطان الذين لديهم تاريخ عائلي في الإصابة به. كما لا تغطي شركات التأمين إلا هذه الفئة من المرضى.
من جهته، قال بيتر نلسون، المشارك في الدراسة، الباحث في مركز فريد هاتشنسون لأبحاث السرطان، إن رصد الطفرات الجينية التي حدثت لإصلاح أضرار الحمض النووي، قد تصبح مهمة جدًا لوضع خطة العلاج للسرطان. وقد أظهرت عقاقير جديدة تسمى «مثبطات بارب» (PARP inhibitors) التي تستخدم لعلاج النساء المصابات بسرطان المبيض الناجم عن تأثير جينات BRCA، نجاحها أيضًا أثناء التجارب الإكلينيكية في علاج سرطان البروستاتا المتقدم. وربما ستتحول إلى علاجات موجهة ضد هذا المرض. وقال نلسون إن العلاج الكيميائي ذا الأساس البلاتيني الذي يوظف في علاج سرطان المبيض قد يفيد الرجال المصابين أيضًا.
ويصر الباحثون على أن الاختبارات الجينية ستكون مهمة لعائلات المرضى أيضًا، إذ إن نسبة عالية من الرجال المصابين بتشوهات جينية لديهم أقارب مصابون بأنواع من السرطان غير سرطان البروستاتا بالمقارنة مع المصابين الذين لم تُرصَدْ لديهم تشوهات جينية.
وقال الباحث أوفيت إن «الرجل المصاب بسرطان البروستاتا سيحصل على فرصة وقاية أفراد عائلته من النساء من سرطان المبيض». ويشخص في الولايات المتحدة 200 ألف رجل سنويًا بسرطان البروستاتا، يتوفى منهم 27 ألفًا. وقد يتمكن كثيرون من المصابين بالمراحل المبكرة من المرض العيش سنوات طويلة بعد العلاج.
وتعتبر هذه الدراسة جزءا من عدد متزايد من الدراسات التي تظهر التأثيرات الضارة للجينات التي تقوم بإصلاح الحمض النووي، إذ أشارت دراسة نشرت حديثا إلى أن النساء اللواتي رصدت لديهن طفرات في جين BRCA1 يتعرضن إلى خطر أكبر في الإصابة بسرطان الرحم. كما تبحث دراسة غير منشورة لعلماء من جامعة جونز هوبكنز في ثلاثة من العيوب الجينية المتوارثة التي توجد ضمن الأورام المحلية والمنتشرة لسرطان البروستاتا. وعلقت إنسي داوسون، عالمة السرطان الطبي في مركز جورجتاون لمباردي الشامل للسرطان، التي لم تشارك في الدراسة، بأنها مهتمة بالنتائج التي تشير إلى أن كثيرين من الرجال المصابين بالطفرات لديهم أقارب مصابون بأورام خبيثة.
* خدمة «واشنطن بوست»
- خاص بـ{الشرق الأوسط}



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».