القبيلة في استراتيجيات المتشددين

من «القاعدة» إلى «داعش»

القبيلة في استراتيجيات المتشددين
TT

القبيلة في استراتيجيات المتشددين

القبيلة في استراتيجيات المتشددين

تتجاوز القبيلة بصفتها وحدة وهوية اجتماعية مستقرة وجامعة لأفرادها، مساحاتها الاجتماعية والاقتصادية والتكافلية الخاصة نحو ما هو سياسي وعام، سواء عبر التاريخ أم الحاضر الراهن، منذ أن بلور ابن خلدون في مقدمته عصبيتها بصفتها عاملا فاعلا في حركة التاريخ القديم ومسلسل التغلب والاستيلاء فيه، وحتى الآن، حيث يؤكد الكثير من المراقبين أهمية دور القبائل والعشائر في بؤر الصراع ضد الإرهاب سوريًا أو عراقيًا أو ليبيًا أو يمنيًا، أو غير ذلك دائما.
احتفظت القبيلة بمكانها دائما؛ لما تمثله لأفرادها من سلطة رمزية وثقافية ورابطة عرقية ممتدة وموحدة، فكانت محلا للاستهداف، ولاء أو عداء من قبل الطامحين للسلطة، كما كانت محط أنظار مختلف الجماعات المتشددة والتطرف العنيف في الاختراق والاحتواء وتغيير هياكل مشيخاتها عبر إبراز شخصيات ورموز موالية، وتهميش الشخصيات الفاعلة المعادية. ولقد فسر البعض بموقف بعض القبائل المتخلي عن نظام معمر القذافي في ليبيا وثورتها ضده أحد أهم أسباب سقوطه، كما أن ما تعرضت له القبائل الموالية له في سرت وبني وليد بعد سقوط نظامه من الثوار مثلت كذلك أحد أسباب توجه تنظيم داعش إلى سرت لإقامة ملاذه الآمن الجديد هناك، كما كان انبعاث الثورة السورية من براءة أطفال محافظة درعا العشائرية الطبيعة دالاً كذلك.
أيضًا دعم أهمية القبيلة ودورها الثقل السكاني والعددي الوازن لها في كثير من بلدان العالم العربي، وفي بؤر الصراعات تحديدًا، حيث تبلغ نسبة أبناء القبائل في سوريا البالغ تعدادها 24.504 مليون نسمة في إحصاء الأول من يناير (كانون الثاني) 2011 نحو 30 في المائة من عدد السكان. وفي العراق مثّلت كذلك القبائل والعشائر النسبة الأكبر من سكانه بأنواعها المختلفة المتحضرون وغير المستقرين، والوسط بينهما، حيث تقارب حسب بعض المراقبين ما بين 70 في المائة إلى 65 في المائة من بين عدد السكان، وكان لها الدور الأبرز مع تأسيس دولته الحديثة سنة 1921 حتى سقوط نظام صدام حسين في أبريل (نيسان) 2003، وهو ما عرف بدورها كذلك الكبير في ليبيا قبل وطوال عهد القذافي الراحل في أكتوبر (تشرين الأول) 2011.
ونظرا لما سبق؛ تسعى جماعات الإرهاب، «القاعدة» و«داعش»، للاستثمار فيها، عبر سياسة العصا والجزرة، شراءً للولاء أو قهرا للعداء، فالقبيلة لا تنصهر ولا تنمحي اختياريًا. وبالتالي، جرى تقريب بعض القبائل كما جرى اختراق البعض الآخر، وتم تأليف قلوب بعض رموزها، كما تم التضييق على بعض آخر، حسب درجة الولاء والدعم.
وهذه الاستراتيجية نفسها التي استخدمتها الأنظمة السابقة؛ إذ انتزع البعث وأنظمة الحكم الثورية في الخمسينات ملكيات عدد من القبائل الكبرى، وفككت اتحاداتها الرسمية في سوريا ومصر والعراق. لكن مع فارق وحيد في كلتا الاستراتيجيتين، هو أداة التجنيد الآيديولوجي التي تملكها جماعات التطرف العنيف، التي يمكن أن تفصم الروابط القرابية في كثير من الأحيان، بحسم الفصل بين الإيمان الكفر، ومفهوم الولاء والبراء الرائج عند هذه الجماعات ضد كل مختلف أيا ما يكن، حتى لو كانوا من أسرة واحدة كما شاهدنا في اغتيال شقيقين لأسرتيهما في المملكة العربية السعودية خلال يونيو (حزيران) الماضي، أو قتل عدد من عناصر الجماعات الإرهابية لأقاربهم من رجال الأمن في مصر والعراق وغيرهما، خلال السنتين الأخيرتين.
كذلك، ونظرا للأهمية ذاتها؛ حاولت بعض الدول توظيف القبيلة في الصراع والحرب على الإرهاب، من ذلك بدأ توظيف القبيلة في الحرب على الإرهاب في عدد من الدول، وإن اختلفت جوهرية وطبيعة الدور من دولة لأخرى. فقد تم تأسيس مجلس للقبائل العربية المصرية برعاية حكومية ورسمية في سبتمبر (أيلول) 2014، كما أعلنت هيئة تمثيلية للقبائل الليبية في مصر في 21 أكتوبر 2014، وما زالت الذاكرة قريبة في تذكر دور «الصحوات» ومجالس القبائل في الأنبار في القضاء على دولة «القاعدة» في العراق عام 2007 قبل أن ينجح - أو يسقط - نظام المالكي المخلوع في تفكيكها عبر سياسات التمييز الطائفي التي مارستها وما زالت تمارسها ميليشيات «الحشد الشعبي» الطائفية في عدد من المناطق؛ ما يجيّر كثيرا من أبناء القبائل لصالح «داعش» من جديد.
لا نتفق مع القائلين بتميز استراتيجية «داعش» في التعاطي مع القبائل عن استراتيجية «القاعدة»، فكلاهما اعتنى اعتناء كبيرا في أدبياته بهذه الوحدة الاجتماعية المؤثرة، وهو ما نجحت «القاعدة» في استغلاله في مناطق مختلفة في العراق وأفغانستان والصومال واليمن، ومنطقة ساحل الصحراء. ولقد أقر به أنور العولقي في حواره مع مؤسسة «صدى الملاحم» في 25 أبريل 2010، حين اعتبر القبيلة «الحاضن الأول للجهاد». وحقًا نرى في أفغانستان القبيلة، وفي العراق القبيلة، وفي الصومال القبيلة، بل حتى في باكستان هناك مناطق قبلية وغير قبلية، لكننا نجد أن الحاضن للتطرف في المناطق القبلية. ولعل تحالف «القاعدة» القديم والمستمر مع طالبان البشتونية يؤكد هذا التوجه المبكر.
أما في اليمن، فلقد سبق أن شارك في 13 يونيو 2010 رجال قبائل متحالفون مع تنظيم القاعدة في اليمن بتفجير خط أنابيب نفط يصل بين محافظة مأرب وساحل البحر الأحمر؛ وهو ما أوقع ضررًا كبيرًا، على صناعة النفط بها حينئذ. ويصور العلاقة هذا الصراع على القبيلة مستشهدا بتجربة «الصحوات» في العراق، حيث يصفهم بقوله «هم من أبناء القبائل واستغلوهم ضد المجاهدين، وهذه هي أيضًا كما كنا نسمع من بريطانيا من قبل سياسة (فرِّق تسود) هم الآن يحاولون أن يحيوا هذه السياسة في العالم الإسلامي».
أما أبو بكر ناجي، صاحب «إدارة التوحش» وأكثر الملهمين لـ«داعش» الآن، فيعتمد النظرة نفسها لأهمية القبيلة، فيؤكد في الفصل السابع من كتابه «ضرورة الصراع على القبائل مع الأنظمة» التي تعمد - حسب رأيه – إلى «تفتيت وتذويب العصبيات والعشائر ليحكم سيطرته عليها أو يحرف تلك العصبيات إلى وجهة جاهلية تخدم أهدافه». وبعدما يستثنى كثيرا منها، يبقى عليها الرهان قائلا: «ما زال في الأرياف والبوادي وبعض المدن التي بها تجمعات محافظة على تقاليدها ذلك النظام بدرجة ما».
ويدعو ناجي قيادات القاعدة للفهم المتعمق لسياسات كل من الأنظمة والقبائل، بل يوجب على العاملين في اللجان السياسية بجوار العمل العسكري من أعضاء القاعدة التوسع في «دراسة علم الاجتماع ويركز فيه على دراسة ما يتعلق بدور القبائل والعشائر في عالمنا العربي والإسلامي والفارق بين العصبية المحمودة والعصبية المذمومة، وما أحدثه النظام الجاهلي المعاصر في بنية القبائل وعمله على تفتيتها وتذويبها في المؤسسات المدنية المعاصرة أو الانحراف بها إلى العصبية الجاهلية» حتى يمكن استغلاله.
ويشدد صاحب «إدارة التوحش» أيضًا على التوازن والمرونة في خطاب هذه القبائل وعدم دعوتهم لنبذ عصبيتهم، التي هي مصدر قوتهم، ولكن استقطاب هذه العصبيات في صف «القاعدة»، وتحويلها لعصبية القضية التي تسعى وتؤمن بها «القاعدة». ويؤكد أن الأفضل هو تحويل مسار العصبية القبلية لتتحول لوسيلة في سبيل ما يؤمن به التنظيم، ويمكن في البداية تأليف قلوب زعماء القبائل عبر المال، وغير ذلك من وسائل الجذب والإغراء جاعلا استراتيجية احتواء القبائل على مرحلتين: الأولى مرحلة التأليف: يبدأ الأمر بتأليف المُطاعين فيهم بالمال، ونحو ذلك «وهو ما نظن أن (القاعدة) تسعى لتطبيقه الآن على أعضاء الصحوات في العراق بعد أن تخلت عنهم الدولة وتأخرت رواتبهم، بل ونزعت سلاحهم. والأخرى السيطرة: وهو ما يتحقق داخل أفراد القبيلة حين تغزوها أفكار التنظيم ويتأثرون بأعضائه وبقضيتهم»، وهي المرحلة التي يوصفها ناجي بقوله «يختلط أتباعهم بأتباعنا وتخالط قلوبهم بشاشة الإيمان سنجد أن أتباعهم لا يقبلون منهم أي أوامر تخالف الشرع، نعم تبقى العصبية، لكن تتحول إلى عصبية ممدوحة بدلاً عن العصبية المذمومة التي كانوا عليها».
من جهة أخرى، حرصت «القاعدة» دائما على استنفار مظلوميات بعض القبائل أمنيا وتهميشها اقتصاديا أو عمرانيا، أو التمييز الطائفي ضدها، احتواءً واختراقا وتجنيدا لأبنائها، كما يحدث في سيناء المصرية أو ما حدث في المحافظات السنّيّة في العراق، مثل استراتيجية ثابتة لدى «القاعدة» وفروعها قبل انتفاضات الربيع العربي، ثم مثل خطا ثابتا كذلك لدى تنظيم داعش و«جبهة النصرة»، وغيرهما.
ربما كان «داعش» أكثر توجها لنبذ القبيلة من القاعدة، تحسبًا عنده من تجربة «القاعدة» في العراق المريرة مع «الصحوات» التي أسقطت دولتها في السابق، رغم أن «دولته» الأولى عام 2006 كانت نتاج «حلف المطيبين» الذي شارك فيه بعض أبناء القبائل. وبعد دخول «داعش» سوريا وسيطرته على الموصل سعى لاعتماد الروابط القرابية كاستراتيجية للموالاة مع بعض القبائل هناك، فتم تزويج فتيات من أعضاء رفيعي المستوى في التنظيم، كما سمح بتسهيلات وسيطرة بعض القبائل على آبار نفطية وأراض أخرى شراءً لولائهم.
لكنه كما استخدم أداة التأليف والترغيب تجاه بعض القبائل التي بايعت أميره، استخدم الترهيب والقمع ضد القبائل غير الموالية، فقتل التنظيم وقتل من عشائر بونمر في الأنبار 500 شخص حتى أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، كما قتل العشرات من عشائر البوجبارة في نوفمبر من العام نفسه، وتبعتها في السلسلة عشيرة البوفراج التي قتل «داعش» 35 فردا منهم يوم الجمعة 10 أبريل 2015، كما خطف بعض شيوخ القبائل الأخرى وطرد بعض القبائل المعادية من مناطقها لصالح قبائل موالية.
أيضًا تعرضت عشائر الشعيطات في شرق سوريا خلال شهر أغسطس (آب) 2014 لحملات «داعش» ضدهم وتم اقتحام بيوتهم في 2 و3 أكتوبر 2014، واعتبرهم «داعش» طوائف ممتنعة مرتدة يجب قتالها. وفي ليبيا أعلنت مناطق ورشفانة وتاغوراء مناطق منكوبة في ليبيا دوليا في 20 سبتمبر (أيلول) 2014، بعدما استهدفتها ميليشيات المتشددين في هذا التاريخ، وقام «داعش» في سرت في أغسطس 2015 بتنفيذ إعدامات جماعية بحق قبيلة الفرجان بعد سقوط ما يزيد على مائة قتيل، أغلبهم من هذه القبيلة في صراع مع «داعش» هناك.
وهكذا يبدو الشك تجاه القبيلة لدى «داعش» - بصفتها مشروعا للدولة وللتوسع - أكبر منه عند «القاعدة»، الأقل غلوا وتشددا منه، كما أن منظري «داعش» أهملوا التنظير لهذا المفهوم، وزادوا اقتداء بسلفهم الزرقاوي لاستخدام الفظاعة والذبح المعلن بصفتها وسيلة للجذب والتحقق وإرهاب الخصوم؛ ما يجعل المرونة والحوار قيما مهمشة في ذهنية هذه الجماعة تجاه المختلف سياسيا أو اجتماعيا كلية.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».