الصحف الأوروبية: استمرار التركيز على صدمة خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد

أميركا: إرهاب بعد إرهاب.. تغطية إعلامية مبالغة أو مقصرة؟

الصحف الأوروبية: استمرار التركيز على صدمة خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد
TT

الصحف الأوروبية: استمرار التركيز على صدمة خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد

الصحف الأوروبية: استمرار التركيز على صدمة خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد

تنوعت الموضوعات التي اهتمت بها الصحف الأوروبية خلال الأيام القليلة الماضية، وإن كان موضوع تداعيات الاستفتاء البريطاني قد شكل قاسما مشتركا في صحف كثير من العواصم الأوروبية. ونبدأ من لندن، حيث سيطرت على الصحف البريطانية موضوعات تتعلق بالجدل حول تقرير تشيلكوت حول المشاركة البريطانية في الحرب بالعراق، وأيضًا المصالحة التركية الروسية، والأزمة في بريطانيا في أعقاب الخروج من الاتحاد الأوروبي.
نشرت «التايمز» مقالا لجوناثان باول بعنوان «تقرير لجنة تشيلكوت لا يجب أن يجعلنا نخشى استخدام القوة». يقول باول إن الدروس والعبر من تقرير لجنة تشيلكوت الذي ينتظره الجميع من فترة طويلة لا يجب أن تقتصر على توجيه الاتهامات بالتقصير، أو إنحاء اللائمة على بعض المسؤولين. ويضيف أنه من المفترض استخلاص الدروس والتعلم من الأخطاء التي وقعت خلال مشاركة القوات البريطانية في الحرب على العراق، وهو ما تحقق فيه لجنة تشيلكوت البرلمانية. أما «الديلي تليغراف»، فنشرت موضوعا بعنوان «روسيا وتركيا ينسقان معا سياستهما في سوريا» يحاول أن يرصد التغيرات المنتظرة في سياسات البلدين بعد عودة العلاقات بينهما إلى ما كانت عليه قبل أزمة إسقاط المقاتلة الروسية من قبل الجيش التركي.
وتعتبر الجريدة أن الإعلان عن المصالحة بين البلدين يأتي في وقت انصاعت فيه الولايات المتحدة لرغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتنسيق معا في مواجهة «الجماعات الإرهابية في سوريا». وتطرح أيضًا تصريحات لمسؤول بارز في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، قال فيها إن «بشار الأسد سيبقى دوما قاتلا ومجرما في نظر بلاده»، لكنه أوضح أن الطرفين يتفقان معا على رفض تأسيس دولة كردية شمال سوريا. وتضيف الجريدة أن الأتراك وجدوا أنهم بحاجة للتعاون مع روسيا مرة أخرى في ملف التفجيرات التي شهدها مطار أتاتورك، والتي اتهم فيها عدد من المسلحين المولودين في روسيا.
ولكن «الغارديان»، شأنها شأن بقية الصحف البريطانية في هذا الوقت، تفرد مساحات كبيرة للرأي والتحليل بخصوص ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الإطار، نشرت مقالا للكاتب والإعلامي جوناثان فريدلاند. ويعتبر الكاتب أن تطورات الأحداث الأخيرة في الصراع على زعامة حزب المحافظين الحاكم، وبالتالي رئاسة الحكومة، بعد انتهاء ولاية رئيس الوزراء المستقيل ديفيد كاميرون، تكشف حجم النفاق والانتهازية بين قيادات الحزب.
وكان الأسبوع الماضي في الإعلام الأميركي هو أسبوع تغطية الأحداث الإرهابية: تداعيات مذبحة أورلاندو (ولاية فلوريدا)، مذبحة بنغلاديش، ضربات طائرات «درون» للإرهابيين، مذبحة مطار إسطنبول،...إلخ.
قالت صحيفة «انتيليجانس» (استخبارات، ولاية بنسلفانيا): «تبالغ التغطية الصحافية للإرهاب، الخطر الحقيقي الذي يواجهه الشعب الأميركي من الإرهاب. يقول السياسيون إن هذا عمل إرهابي، فيهب الصحافيون، ويزيدون إشعال النار». وانتقدت مجلة «صالون» حكومة تركيا والسياسيين هناك بعد هجمات مطار إسطنبول، وذلك بسبب تعقيدات علاقات الحكومة مع التنظيمات الإرهابية. وقالت المجلة: «تلعب حكومة تركيا دورا مزدوجا مع المنظمات المتطرفة. في جانب، تعارضها داخل تركيا (الأكراد)، وفي جانب تؤيدها خارج تركيا (معارضو حكومة الأسد)».
وانتقدت صحيفة «هوليوود ريبورتر» (عادة تهتم بأخبار نجوم السينما والتلفزيون) تغطية التلفزيونات الأميركية لهجوم مطار إسطنبول، وقالت: «هل حقيقة يحتاج المشاهد للتلفزيون أن يشاهد مناظر إرهابي وهو يفجر نفسه؟»
واقترحت صحيفة «ديزيرت نيوز» (ولاية يوتا) البحث عن حلول، وليس فقط التركيز على المشكلات، خلال تغطية النشاطات الإرهابية. وقالت: «عندما يغطى الصحافيون المواضيع الإرهابية، يجب أولا أن يشيدوا بالضحايا. لكن في الوقت نفسه، يجب أن يقدموا حلولا مسؤولة وواقعية. وذلك لأن الإثارة تشجع الإرهابيين ليقلدوا بعضهم بعضا».
وكانت هناك ملاحظات على تغطيات صحافية للعمليات الإرهابية: أشادت صحيفة «سترينجر» (سياتل، ولاية واشنطن) بحملة إعلامية في المدينة لتغطية مشكلة المشردين الذين ينامون في شوارع المدينة. وقالت: «رغم أن الموضوع غطي من قبل مرات ومرات، كشفت هذه التغطية المنسقة من جانب الأجهزة الإعلامية المحلية أشياء لم تكن معروفة».
وانتقدت مجلة «ناشونال ريفيو» تغطية الإعلام الأميركي لقرار البريطانيين ترك الاتحاد الأوروبي، وقالت: «بعد نصف ساعة من نشر نتيجة الاستفتاء، سارع الصحافيون الأميركيون وأعلنوا أن الشعب البريطاني «اخطأ»، وأنه «سوف يندم». وحتى يومنا هذا، يظل هذا هو الرأي السائد. لم نسمع رأيا صحافيا مركزا ومحترما يؤيد البريطانيون، ولا نريد أن نعلق على تصريحات ترامب (المؤيدة).
وعن ترامب نفسه، نشرت صحيفة «بوليتيكو» (في واشنطن العاصمة) نتائج دراسة صحافية أوضحت أن تغطية الإعلام الأميركي للحملة الانتخابية «جاملت ترامب، وآذت كلينتون»، وأن هذه المجاملة تساوى ما يعادل 55 مليون دولار كان ترامب سيصرفها في حملات دعائية.



كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
TT

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)

قبل 861 عاماً، نهضت كاتدرائية «نوتردام دو باريس» في قلب العاصمة الفرنسية. ومع مرور العقود والعصور تحوّلت إلى رمز لباريس، لا بل لفرنسا. ورغم الثورات والحروب بقيت «نوتردام» صامدة حيث هي، في قلب باريس وحارسة نهر السين الذي يغسل قدميها. إلا أن المأساة حلّت في شهر أبريل (نيسان) من عام 2019، عندما اندلع حريق هائل، التهمت نيرانه أقساماً رئيسة من الكاتدرائية التي انهار سقفها وتهاوى «سهمها»، وكان سقوطه مدوياً.

منظر للنافذة الوردية الجنوبية لكاتدرائية نوتردام دو باريس(رويترز)

حريق «نوتردام» كارثة وطنية

وكارثة «نوتردام» تحوّلت إلى مأساة وطنية، إذ كان يكفي النظر إلى آلاف الباريسيين والفرنسيين والسياح الذين تسمّروا على ضفتي نهر السين ليشهدوا المأساة الجارية أمام عيونهم. لكن اللافت كانت السرعة التي قررت فيها السلطات المدنية والكنسية مباشرة عملية الترميم، وسريعاً جدّاً، أطلقت حملة تبرعات.

وفي كلمة متلفزة له، سعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى شد أزر مواطنيه، مؤكداً أن إعادة بناء الكاتدرائية و«إرجاعها أجمل مما كانت» ستبدأ من غير تأخير. وأعلن تأسيس هيئة تشرف عليها، وأوكل المهمة إلى الجنرال جان لويس جورجولين، رئيس أركان القوات المسلحة السابق. وبدأت التبرعات بالوصول.

وإذا احتاجت الكاتدرائية لقرنين لاكتمال بنائها، فإن ترميمها جرى خلال 5 سنوات، الأمر الذي يعد إنجازاً استثنائياً لأنه تحول إلى قضية وطنية، لا بل عالمية بالنظر للتعبئة الشعبية الفرنسية والتعاطف الدولي، بحيث تحوّلت الكاتدرائية إلى رابطة تجمع الشعوب.

وتبين الأرقام التي نشرت حديثاً أن التبرعات تدفقت من 340 ألف شخص، من 150 دولة، قدّموا 846 مليون يورو، إلا أن القسم الأكبر منها جاء من كبار الممولين والشركات الفرنسية، ومن بينهم من أسهم بـ200 مليون يورو. ومن بين الأجانب المتبرعين، هناك 50 ألف أميركي، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكان أحد الأسباب التي دفعته للمجيء إلى فرنسا؛ البلد الأول الذي يزوره بعد إعادة انتخابه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

متطوعون يضعون برنامج الحفل على المقاعد قبل الحفل (أ.ف.ب)

منذ ما يزيد على الشهر، تحوّلت الكاتدرائية إلى موضوع إلزامي في كل الوسائل الإعلامية. وخلال الأسبوع الحالي، حفلت الصحف والمجلات وقنوات التلفزة والإذاعات ببرامج خاصة تروي تاريخ الكاتدرائية والأحداث الرئيسة التي عاشتها في تاريخها الطويل.

وللدلالة على الأهمية التي احتلتها في الوعي الفرنسي، فإن رئيس الجمهورية زارها 7 مرات للاطلاع على التقدم الذي حققه المهنيون والحرفيون في إعادة البناء والترميم. وإذا كانت الكاتدرائية تجتذب قبل 2012 ما لا يقل عن 12 مليون زائر كل عام، فإن توقعات المشرفين عليها تشير إلى أن العدد سيصل العام المقبل إلى 15 مليوناً من كل أنحاء العالم.

المواطنون والسياح ينتظرون إفساح المجال للوصول الى ساحة الكاتدرائية (أ.ف.ب)

باريس «عاصمة العالم»

خلال هذين اليومين، تحوّلت باريس إلى «عاصمة العالم»، ليس فقط لأن قصر الإليزيه وجّه دعوات لعشرات من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضر منهم نحو الخمسين، ولكن أيضاً لأن الاحتفالية حظيت بنقل مباشر إلى مئات الملايين عبر العالم.

وقادة الدول الذين قدّموا إلى «عاصمة النور» جاءوا إليها من القارات الخمس. وبسبب هذا الجمع الدولي، فإن شرطة العاصمة ووزارة الداخلية عمدتا إلى تشكيل طوق أمني محكم لتجنب أي إخلال بالأمن، خصوصاً أن سلطاتها دأبت على التحذير من أعمال قد تكون ذات طابع إرهابي. وإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب قد حظي بالاهتمام الأكبر، ليس لأنه من المؤمنين المواظبين، بل لأنه يُمثل بلداً له تأثيره على مجريات العالم.

لكن في المقابل، تأسف الفرنسيون لأن البابا فرنسيس اعتذر عن تلبية الدعوة. والمثير للدهشة أنه سيقوم بزيارة جزيرة كورسيكا المتوسطية الواقعة على بُعد رمية حجر من شاطئ مدينة نيس اللازوردية، في 15 الشهر الحالي. والمدهش أيضاً أنه منذ أن أصبح خليفة القديس بطرس في روما، «المدينة الخالدة»، فإنه زار فرنسا مرتين، ثانيها كانت لمدينة مرسيليا الساحلية. بيد أنه لم يأتِ إلى باريس إطلاقاً. ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن قرار البابا أحدث خيبة على المستويين الديني والرسمي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى حدث تاريخي رئيس، وهو أن بابا روما بيوس السابع، قدم إلى باريس يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1804، لتتويج نابليون الأول إمبراطوراً.

وتمثل لوحة الرسام الفرنسي الشهير لوي دافيد، التي خلد فيها تتويج بونابرت، ما قام به الأخير الذي لم ينتظر أن يضع البابا التاج على رأسه، بل أخذه بيديه ووضعه بنفسه على رأسه، وكذلك فعل مع الإمبراطورة جوزفين.

احتفالية استثنائية

لم يساعد الطقس مساعدي الاحتفالية الذين خططوا لأن تكون من جزأين: الأول رسمي، ويجري في ساحة الكاتدرائية الأمامية؛ حيث يلقي الرئيس ماكرون خطابه المقدر من 15 دقيقة، وبعدها الانتقال إلى الداخل للجزء الديني. وكان مقدراً للمواطنين الـ40 ألفاً، إضافة إلى 1500 مدعو حظوا بالوجود داخل الكاتدرائية، أن يتابعوا الحدث من المنصات التي نصبت على ضفتي نهر السين، إلا أن الأمطار والعواصف التي ضربت باريس ومنطقتها أطاحت بالبرنامج الرئيس، إذ حصلت كل الاحتفالية بالداخل. بيد أن الأمطار لم تقض على شعور استثنائي بالوحدة والسلام غلب على الحاضرين، وسط عالم ينزف جراء تواصل الحروب، سواء أكان في الشرق الأوسط أم في أوكرانيا أم في مطارح أخرى من العالم المعذب. وجاءت لحظة الولوج إلى الكاتدرائية، بوصفها إحدى المحطات الفارقة، إذ تمت وفق بروتوكول يعود إلى مئات السنين. بدءاً من إعادة فتح أولريش لأبواب «نوتردام» الخشبية الكبيرة بشكل رمزي.

كاتدرائية «نوتردام» السبت وسط حراسة أمنية استعداداً لإعادة افتتاحها (إ.ب.ى)

وسيقوم بالنقر عليها 3 مرات بعصا مصنوعة من الخشب المتفحم الذي جرى إنقاذه من سقف الكاتدرائية الذي دمرته النيران، وسيعلن فتح الكاتدرائية للعبادة مرة أخرى. ونقل عن المسؤول عن الكاتدرائية القس أوليفييه ريبادو دوما أن «نوتردام»، التي هي ملك الدولة الفرنسية، ولكن تديرها الكنيسة الكاثوليكية «أكثر من مجرد نصب تذكاري فرنسي وكنز محبوب من التراث الثقافي العالم، لا بل هي أيضاً علامة على الأمل، لأن ما كان يبدو مستحيلاً أصبح ممكناً»، مضيفاً أنها أيضاً «رمز رائع».

الأرغن الضخم يحتوي على 8 آلاف مزمار تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام (أ.ف.ب)

كذلك، فإن تشغيل الأرغن الضخم الذي تم تنظيفه وتحضيره للمناسبة الاستثنائية، تم كذلك وفق آلية دقيقة. ففي حين ترتفع المزامير والصلوات والترانيم، فإنه جرى إحياء الأرغن المدوي، الذي صمت وتدهورت أوضاعه بسبب الحريق. ويحتوي الأرغن على 8 آلاف مزمار، تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام. وقام 4 من العازفين بتقديم مجموعة من الألحان بعضها جاء مرتجلاً.

إلى جانب الشقين الرسمي والديني، حرص المنظمون على وجود شق يعكس الفرح؛ إذ أدت مجموعة من الفنانين الفرنسيين والأجانب لوحات جميلة جديرة بالمكان الذي برز بحلة جديدة بأحجاره المتأرجحة بين الأبيض والأشقر وزجاجه الملون، وإرثه الذي تم إنقاذه من النيران وأعيد إحياؤه.

وبعد عدة أيام، سيُعاد فتح الكاتدرائية أمام الزوار الذي سيتدفقوة بالآلاف على هذا المعلم الاستثنائي.

حقائق

846 مليون يورو

تدفقت التبرعات من 340 ألف شخص من 150 دولة قدموا 846 مليون يورو لإعادة ترميم نوتردام