اكتشاف وثائق حول غزو إسبانيا لتونس في القرن الـ 15

عثر عليها في إحدى كنائس كاسيدا الإسبانية

رسم لسفينة إسبانية شاركت في الإنزال - رسم لـشخصية معممة  على أحد جدران كنيسة سان ثويلو
رسم لسفينة إسبانية شاركت في الإنزال - رسم لـشخصية معممة على أحد جدران كنيسة سان ثويلو
TT

اكتشاف وثائق حول غزو إسبانيا لتونس في القرن الـ 15

رسم لسفينة إسبانية شاركت في الإنزال - رسم لـشخصية معممة  على أحد جدران كنيسة سان ثويلو
رسم لسفينة إسبانية شاركت في الإنزال - رسم لـشخصية معممة على أحد جدران كنيسة سان ثويلو

بعد دراسة 5 سنوات لرسوم ووثائق محفوظة في كنيسة سان ثويلو، في بلدة كاسيدا، التابعة لمحافظة نابارا، شمال إسبانيا، عثر الباحث بابلو لاراث انديا، وبمساعدة الدكتور بيدرو فونديبيلا، الأستاذ في جامعة مرسيه، جنوب إسبانيا، على وثائق تتعلق بغزو ملك إسبانيا كارلوس الخامس (1500 - 1558) لتونس في 21 يوليو (تموز) عام 1535.
ومن جملة ما عثر عليه الباحث لاراث انديا رسوم محفورة على حجر الغرافيت في جدران كنيسة سان ثويلو، لم ينتبه أحد إلى أهميتها، وذلك لقدمها وعدم وضوحها، وبسبب وجود رسوم لبعض السفن، ساد الاعتقاد بأنها تشير إلى وصول كريستوفر كولومبوس إلى القارة الأميركية. ويوضح الباحث لاراث انديا أن «الرسوم الموجودة في كنيسة سان ثويلو معروفة منذ زمن، وكان الظن السائد أنها رسوم قديمة، ولكن السؤال الذي طرحته، وأردت معرفته: من رسمها»؟
وجد الباحث لاراث انديا أن الرسوم تحمل اسم عائلة «لوبيان»، فراح يبحث عن هذا الاسم في الوثائق، وعندما لم يعثر على هذا الاسم اتصل مع الباحث بيدرو فونديبيلا سيلبا، من جامعة مرسيه، والخبير في تاريخ البحرية الإسبانية، طالبًا مساعدته، فلبى فونديبيلا سيلبا طلبة وانتقل من كارتاخينا الواقعة في جنوب شرقي إسبانيا، إلى بلدة كاسيدا، في الشمال، لمحاولة فك هذا اللغز. وقد احتار الباحث سيلبا في أمر هذه الرسوم، لأنها غريبة عليه، وأوضح: «إنها حالة فريدة، ولم أستطع معرفة أمرها، فليس هناك ما يشابهها في الرسوم الخاصة بالبحرية». لكنه استطاع في النهاية التوصل إلى أن الرسوم تعود إلى غزو ملك إسبانيا كارلوس الخامس لتونس. يعلق سيلبا على هذه الواقعة بأنه في الحقيقة «لم تجر معركة بحرية وإنما كان إنزالاً بحريًا» قادته البحرية الإسبانية لاحتلال تونس، وعلى الرغم من عدم وضوح هذه الصور، ولكن من الممكن تمييز ظهور شخص يضع عمامة على رأسه، وفي العمامة ريشة، وفي لوحة أخرى تظهر سفينة إسبانية، مع أعلام البحرية الإسبانية آنذاك.
وقد استهوى هذا الموضوع الباحث سيلبا، فأخذ يبحث عن الشخص الذي قام بهذه الرسوم، أي الذي ينتمي إلى عائلة «لوبيان»، فبحث في الوثائق التاريخية عن أسماء الذين شاركوا في الحملة البحرية على تونس، لكنه لم يستطع تحديد هويته، وكل ما استطاع التوصل إليه هو «أنه شخص شارك في الإنزال البحري على تونس، ثم قام برسم ما رآه عبر ما كان يتذكره، ولكنه لم يكن بحارًا». ووصف الشخص الذي رسم اللوحات بأنه شخصية مثقفة، يتقن اللغة اللاتينية، ومن المؤكد أنه كان قد حصل على موافقة الجهات العليا على رسم الحملة على تونس.
وقد استمر الباحث الرئيسي حول هذا الموضوع، بابلو لاراث انديا، في تقليب الوثائق التاريخية أملاً في إكمال البحث، لأنه لم يعثر حتى ذلك الوقت عن اسم الشخص الذي قام بهذه الرسوم، فانتقل إلى محافظة نابارا للبحث في «الأرشيف العام لمحافظة نابارا»، وهناك كانت المفاجأة، فقد عثر على أكثر من 100 شخص ينتمون إلى عائلة لوبيان، وأقدم وثيقة تحمل هذا الاسم تعود إلى عام 1439، حيث يظهر عدة أشخاص بهذا الاسم، باعتبارهم من جملة من يخدم ملوك نابارا، ثم عثر بعد ذلك على وثيقة في كنيسة سان ثويلو يظهر فيها اسم (م. لوبيان)، وبعد بحث طويل عن هذا الاسم توصل إلى أنه (مارتين دي لوبيان)، وهو القسيس الذي تم تعيينه كاهنًا قانونيًا في كنيسة سانتا ماريا دي كاسيدا، عام 1540، أي بعد الحملة على تونس بـ5 سنوات، فقام مارتين دي لوبيان بتخليد مشاركته في الحرب على تونس من خلال رسم وقائعها على الجدران.
يشار إلى أن التدخل الإسباني جرى بعد الصراع على عرش تونس بين السلطان محمد الحسن وأخيه رشيد، والتجأ كل واحد منهما إلى القوى العظمى آنذاك، فاستنجد محمد الحسن بالإسبان، واستنجد رشيد بالعثمانيين، وبعد دخول العثمانيين تونس سارع كارلوس الخامس بالقيام بإنزال بحري في البلاد. وتمكنت القوات الإسبانية من احتلال العاصمة عام 1535، وإعادة السلطان محمد الحسن إلى العرش، ولكن تحت الحماية الإسبانية، وبعد نحو 40 عامًا قام العثمانيون بالتدخل واستطاعوا طرد الإسبان، عام 1574 من تونس.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».